الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٦٣ - الاثنين ٧ مايو ٢٠١٢ م، الموافق ١٦ جمادى الآخرة ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


رحــــــيل المؤســس الأول للمكتبات العامة في البحرين





فقدت البحرين برحيل المغفور له الأستاذ محمد حسن صنقور أحد رجالاتها الذين بذلوا عطاء مميزا في حياتهم. ويعد الفقيد المؤسس الأول لحركة المكتبات العامة في البحرين، وإن كان قد سبقه في هذا المجال الأستاذ عبدالكريم العليوات والأستاذ أحمد السني، إلا أنهما خدما في مجال المكتبات فترة محدودة لا تقاس بالفترة التي عمل فيها الفقيد على مدى أكثر من أربعين عاما أي من عام ١٩٤٧م وحتى منتصف عام ١٩٨٨م.

لقد تعرفت عليه للمرة الأولى في عام ١٩٧٣م حين كنت مدرسا للغة الانجليزية بمدرسة مدينة عيسى الثانوية عندما استدعاني مدير المدرسة آنذاك الأستاذ مصطفى جعفر وعرض عليّ وظيفة أمين مكتبة المنامة العامة باعتبار الشروط المطلوبة لتلك الوظيفة تنطبق عليّ ومنها أن يكون بحريني الجنسية، ويحمل مؤهلا جامعيا ويتقن اللغة الانجليزية ولديه إلمام لا بأس به من الثقافة، وقال لي: غداً ستقابل الأستاذ محمد صنقور مراقب المكتبات العامة حينذاك، مدير إدارة المكتبات العامة فيما بعد.

كانت المقابلة مع الأستاذ محمد حسن صنقور أكثر من ممتازة فبعد أن طرح عليّ العديد من الأسئلة قال: أنت خير من يتولى هذا المنصب، وقد تم نقلي إلى العمل بالمكتبة العامة اعتبارا من عام ١٩٧٣م. ولقد جنيت الكثير من وراء عملي برفقته فقد كان رحمه الله معروفا لدى الجميع في البحرين ومنهم الوزراء والمسئولون وكبار موظفي الدولة والكتاب والمثقفون، مما جعلني ارتبط بصداقات مع أولئك المسئولين والأدباء والكتاب حتى يومنا هذا.

كان دمث الخلق، متواضعا، على درجة كبيرة من العلم والثقافة، وكان حاضر البديهة، محبا للقراءة والاطلاع لدرجة أنه كان يقضي الكثير من وقته في القراءة والبحث مما جعله أحد أكبر المثقفين في البحرين. وكان يتردد على زيارته في مكتبه وبصورة مستمرة مجموعة من رجالات البحرين أتذكر منهم: الدكتور علي محمد فخرو، الأستاذ حسن جواد الجشي، الأستاذ محمود المردي، الأستاذ محمد قاسم الشيراوي، الأستاذ إبراهيم العريض، الدكتور جليل إبراهيم العريض، وخليل المريخي، والكثير من الأدباء وكتاب الحداثة آنذاك ومنهم: الدكتور عوي الهاشمي، والأستاذ قاسم حداد الذي عمل بالمكتبة العامة، والأستاذ خلف أحمد خلف، ومحمد الماجد وغيرهم، إضافة إلى صلته بالكثيرين من البسطاء من عامة الناس.

عمل رحمه الله في عقدي السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين على إدخال مشاريع تطويرية لخدمة الثقافة، وكانت ثقته بي جعلني أتولى تنفيذ الكثير من المشاريع التي تصب في تطوير الخدمات المكتبية، وخاصة أنه اختارني رئيسا لأمناء المكتبات العامة وهي الوظيفة التي تلي المدير مباشرة. وكانت مشاريعه في عقدي السبعينيات والثمانينيات هي سبب بروزي شخصيا على الساحة الثقافية، مما يعني أنني مدان له في هذا المجال.

ومن بين مشاريعه التطويرية افتتاح مكتبة فرعية للمكتبة العامة بالمنامة وهي مكتبة المحرق العامة عام ١٩٦٩م، وتأسيس مكتبة مدينة عيسى العامة في عام ١٩٧١، وفي عام ١٩٧١م أسس رحمه الله المكتبة المتنقلة للطواف على مدن البحرين وقراها لإعادة الكتب فاستمرت هذه التجربة حتى عام ١٩٧٦م حيث تم افتتاح أربع مكتبات عامة في أربع مناطق مختلفة من البلاد هي: سترة، الرفاع الشرقي، جدحفص، والحد، مما أدى إلى الاستغناء عن المكتبة المتنقلة، وأكمل مشاريعه بتأسيس مكتبة عراد عام ١٩٧٩م.

وجد في أواسط السبعينيات من القرن العشرين افتقار المدارس إلى مكتبات مدرسية فطلب مني أن أضع خطة لإدخال خدمة المكتبة المدرسية المتنقلة على غرار المكتبة العامة المتنقلة، وتم تدشين المكتبة المدرسية المتنقلة عام ١٩٧٥م لتقوم بالطواف على المدارس التي لا توجد بها مكتبات مدرسية، واستمرت هذه الخدمة حتى عام ١٩٨١م حيث تم تحديث وتأسيس المكتبات بجميع المدارس على يدي الدكتور علي محمد فخرو وزير التربية والتعليم آنذاك.

كانت له تجربة فريدة من نوعها تتمثل في إعداد عربات صغيرة (ترولي) توضع عليها الكتب وتطوف الأحياء بمدينة المنامة لإعارة الكتب على الأهالي وذلك في عام ١٩٦٧م رغبة منه في إيصال الكتاب إلى المواطن البحريني بمختلف السبل. وقد دشن هذه التجربة الشيخ عبدالعزيز بن محمد آل خليفة وزير التربية والتعليم آنذاك، إلا أن هذه التجربة مع ما تحمله من أهداف ثقافية رائدة لم تنجح، فتوقفت خدمة العربات المتنقلة في نفس العام ١٩٧٦م. كما عمل على افتتاح فرع لمكتبة المنامة العامة بمستشفى السلمانية يقدم خدماته إلى المرضى والعاملين بالمستشفى من أطباء وممرضين وموظفين وعاملين. وقد استمر هذا الفرع في تقديم خدماته قرابة خمسة أعوام متتالية اعتبارا من أوائل ثمانينيات القرن العشرين.

عرضت عليه رحمه الله فكرة تنظيم معارض الكتب فتحمس للفكرة وعملنا معا على تنظيم أول معرض كتاب بمفهومه الحديث في تاريخ البحرين الثقافي وذلك في عام ١٩٧٦م، وأطلقنا عليه معرض الكتاب العربي الأول حيث نظم في قاعة القسم الداخلي المجاورة للمكتبة العامة بالمنامة، ثم تطورت هذه الفكرة بدءا من عام ١٩٧٨م حيث تم تنظيم معرض البحرين الدولي الأول للكتاب، وهو المعرض الذي تحملت مسئوليته بعد إحالته إلى التقاعد.

لم تقتصر خدماته على تطوير المكتبات العامة فقط، وإنما أخذ يتطلع إلى نشر مفهوم الثقافة بكل أبعادها، فاتجه إلى تأسيس أول جمعية للموسيقى والتي كان مقرها مبنى مكتبة المنامة العامة، وانضم إلى هذه الجمعية إبان تأسيسها الكثير من محبي فن الموسيقى. وبعد أن قوى عود الجمعية تركها ليتولاها مجموعة من الموسيقيين والمهتمين بالشأن الموسيقي.

ويعد الأستاذ محمد حسن صنقور المؤسس الأول لجمعية (بيت الحكمة) للمتقاعدين، حيث عرض الفكرة على مجموعة من المسئولين بالدولة، وتمكن مع رفاقه من تأسيس أول جمعية للمتقاعدين في المنطقة.

لقد كان مبدعا بكل ما لهذه الكلمة من معنى، وكان من طلائع رواد نشر الثقافة في البحرين، وقدم جهودا مضنية في فترة كأنه خلالها ينحت في الصخر، إلا أنه على الرغم من ذلك لم ينل التكريم الذي يناسب عطاءه وجهوده التي بذلها في حياته بدءا من عمله مترجما للأخبار التي تذيعها البحرين اللاسلكية آنذاك، حيث يترجم أخبار محطة البي بي سي من الانجليزية إلى العربية، بالإضافة إلى عمله مدرسا، ومديرا للمكتبات العامة، ومؤسسا لبعض جمعيات المجتمع المدني، مما يجعل المطالبة بتكريمه من قبل الجهات الرسمية والأهلية من الأمور التي تجعلنا جميعا نشعر برد الجميل إلى من أحب وطنه وخدمه بأمانة وإخلاص، وتلك هي الشيم والقيم العربية الأصيلة.







































.

نسخة للطباعة

مقالات أخرى...

    الأعداد السابقة