شرق و غرب
أبعاد الأزمة السورية والأقليات الطائفية
تاريخ النشر : الاثنين ٧ مايو ٢٠١٢
بقلم: جوناثان رندال *
لايزال الصراع على السلطة مستمرا على أشده في السلطة. ومع استمرار هذا الصراع المأساوي والدامي تزداد الأخطار التي تتهدد الأقليات في سوريا بقدر ما تتهدد الأقليات في بقية الدول المجاورة.
هذا هو البعد الإنساني لدوامة العنف والمأزق الخطِر الذي تردت فيه الأزمة السورية علما أن الاعتبارات الجيو - ستراتيجية هي التي ظلت تغطي على هذه الجوانب الإنسانية المأساوية.
في بقية عواصم العالم يتركز الاهتمام على وجه الخصوص على الرهان السياسي والأيديولوجي الذي يضع وجها لوجه إيران وسوريا وحزب الله اللبناني المتحالف معهما ضد المعسكر الآخر الذي يضم تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي وأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية - إضافة إلى الحليف الاسرائيلي بطبيعة الحال.
إن المعركة حول مستقبل سوريا وروحها تدور رحاها على خلفية الربيع العربي الذي ترددت أصداؤه في السنة الماضية من تونس إلى مصر على وجه الخصوص. لا شك أن رهان المعركة الحالية في سوريا كبير جدا - سواء بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية - الساعية إلى كسر المحور القائم بين طهران ودمشق - أو لروسيا التي تدعم نظام بشار الأسد - والتي تتشبث بسوريا التي تعتبر آخر معاقلها الموروثة عن حقبة الحرب الباردة في منطقة الشرق الشرق الأوسط وحتى افريقيا. فقد فقدت روسيا - أو الاتحاد السوفيتي سابقا - تباعا مصر واليمن والعراق وليبيا - إضافة إلى الصومال وإثيوبيا وغيرها من الدول الأخرى التي كانت تدور في فلكها.
لا شك أن النتيجة التي ستسفر عنها هذه المعركة هي التي ستؤخر - أو ستعجل - بانحسار النفوذ الأمريكي في مختلف أرجاء العالم الإسلامي.
لا شك أن الأقليات في منطقة الشرق الأوسط هي التي قد تتكبد أضرارا جانبية فادحة في الحرب الأهلية المفتوحة في سوريا.. فالكثير من أفراد الطائفة العلوية الحاكمة وبقية الأقليات الدينية والعرقية مثل الأكراد والآشوريين والمارونيين المسيحيين والكاثوليك اليونانيين والمسيحيين الأرثودوكس وحتى الدروز المعروفون بحذرهم يشعرون اليوم بأنهم رهائن في لعبة لا منتصر فيها.
على غرار العديد من الأقليات المهيمنة على مدى تاريخ منطقة الشرق الأوسط المشبع بالحوادث والتقلبات فإن العلويين بقيادة بشار الأسد يحمون بقية الأقليات الأخرى بقدر ما يتلاعبون بهم ويستخدمونهم كرة للابتزاز. فقد ظل بشار الأسد يصر مرارا وتكرارا على أن جميع الأقليات ستكون مهددة بشكل كبير وجدي من المعارضة التي تضم خاصة جماعة الإخوان المسلمين السنة، علما أن السنة يمثلون أكثر من 70% من عدد السكان في سوريا.
وفق هذا التكتيك فإنه كلما طال الصراع الدامي في سوريا تقلصت عزلة العلويين (الذي يقل عددهم عن نسبة 12% من سكان سوريا) وأصبحوا يشعرون بأنهم يستطيعون تبرير أساليبهم وامتيازاتهم التي تراكمت على مدى أكثر من أربعين سنة من الحكم الدكتاتوري الاستبدادي الموروث عن الحقبة الستالينية. قد يستدل نظام دمشق بالنموذج العراقي، حيث إن ادارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش قد أوصلت الشيعة - الذين يمثلون الأغلبية - الأمر الذي جعل بقية الأقليات الأخرى تدفع ثمنا باهظا.
تظل الصراعات العرقية الماضية حاضرة بكل قوة في أذهان الشعوب في منطقة الشرق الأوسط. فالمذابح البشعة التي يذهب ضحيتها اليوم السوريون الأبرياء تذكرنا بمذبحتين فظيعتين حدثتا قبل قرابة 30 سنة من الآن على بعد أقل من مائة ميل من بعضهما بعضا. لقد ظل مجرد ذكر اسم كل مذبحة يثير الاشمئزار ويهيج مشاعر الغضب والسخط حتى اليوم وكأن الأمر قد حدث أمس. في الحالتين نجد أن هناك أقلية مهيمنة تشعر بأنها مهددة في وجودها.
في شهر فبراير من سنة 1982، قتل أكثر من عشرين ألفا من السنة في مدينة حماة السورية عندما عمد النظام البعثي بقيادة حافظ الأسد إلى إبادة آلاف السوريين بكل برودة دم لأنهم تمردوا على سلطته في انتفاضة قادها المسلمون السوريون السنة - وتحديدا الإخوان المسلمون وعدة تيارات وحركات إسلامية أخرى.
في شهر سبتمبر 1982 وفي الجمهورية اللبنانية المجاورة، عمدت ميليشيات الكتائب اللبنانية - المدعومة بالجيش الإسرائيلي الغازي بقيادة آرييل شارون - إلى ارتكاب مذابح شنيعة في مخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين الفلسطينيين ؟ جريمتان تمثلان وصمة عار على جبين الانسانية.
أما ما يسمى بـ «المجتمع الدولي» فهو مجرد كيان هلامي بلا طعم ولا رائحة ولا موقف - إن المجتمع الدولي هو في الحقيقة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها. لقد ابتلع المجتمع الدولي لسانه وفقد صوته وأصيب بالخرس والعمى. فقد قرر ألا يفعل أي شيء يذكر من أجل إحضار القتلة والجناة حتى ينالوا جزاءهم أمام عدالة الأرض.
هل تغيرت الأوضاع إلى الأحسن منذ ذلك الوقت؟
إن عجز المجتمع الدولي بمؤسساته هو الذي تسبب في تلك المأساتين. فقد غزت إسرائيل لبنان سنة 1982 وأخرجت منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت في خضم الحرب الأهلية اللبنانية التي كانت بمثابة شلال الدم الذي بدأ سنة 1975 ولم يتوقف سوى سنة 1990 - بعد خمس عشرة سنة كاملة من سفك الدماء وإزهاق الأرواح خدمة لمصالح داخلية مرتبطة بلعبة استراتيجية إقليمية وعالمية.
منذ ذلك الوقت ظهرت عبارة «لبننة الصراع» للدلالة على انزلاق أي بلد في أشكال عبثية ودامية من القتل الجماعي والفوضى التي طالت نيرانها ثماني عشرة طائفة دينية معترفا بها في لبنان. ولاتزال الجراح غائرة حتى اليوم في لبنان.
إن هذا السجل المأساوي اللبناني هو الذي يفسر السبب الذي يجعل بعض الأطراف الشرق أوسطية اليوم تخشى الانعكاسات الوخيمة التي قد تنجم عن الصراع الحالي في سوريا. فتركيا تقوم بمساعدة الثوار السنة غير أنها تخشى أن يثأر بشار الأسد ويؤلب الأكراد من أجل إثارة القلاقل في دياربكر وغيرها من المناطق الكردية التركية.
أما الحكومة التي يسيطر عليها الشيعة في بغداد فهي تخشى رحيل نظام بشار الأسد وسقوط سوريا بأيدي السنة بقيادة جماعة الإخوان المسلمين الذين حققوا مكاسب كبيرة في تونس ومصر على وجه الخصوص.
هناك نكتة لبنانية سوداء راجت في السنة الماضية وهي تتعلق بالسبب الذي يجعل لبنان بمنأى عن الربيع العربي الذي هز بلدانا عربية كثيرة - من المحيط إلى الخليج - رغم وصول امتداداته العنيفة والدامية إلى سوريا المجاورة.
الجواب: لأن لبنان قد ترشح إلى الأدوار النهائية ولم يعد في حاجة إلى ربيع عربي - فقد أثخنته الجراح والمآسي على مدى العقود الماضية بسبب تركيبته الدينية والطائفية المعقدة وصراع الأجندات السياسية والاستراتيجية على أرضه.
في الحقيقة يظل الفرقاء اللبنانيون - سواء الموالين لسوريا أو المعادين لها - ينتظرون بكثير من الخشية ما سيؤول إليه الصراع الحالي في سوريا الذي ستكون له بلا شك تداعيات عميقة على الداخل اللبناني. يعتقد البعض أنه إذا ما سقط نظام الأسد المتحالف مع حزب الله وإيران فإن المأزق اللبناني الحالي قد يصل إلى نهايته.
هل فكر أحدهم في إحدى دور معاهد البحوث والدراسات في تلك الأعمال الانتقامية التي قد تشهدها سوريا انتقاما من العلويين إذا ما سقط نظام بشار الأسد؟
يجب على الولايات المتحدة الأمريكية وبقية حلفائها أن تعمل مع روسيا - بدل مناهضتها - من أجل دفع الأطراف السورية المعنية للجلوس إلى طاولة المفاوضات وتفادي أي تصعيد في أعمال العنف والقتل. أعترف ان هذه المهمة صعبة وأن هناك الآن جراحا غائرة في كل بيت سوري.
* مراسل صحيفة الواشنطون بوست سابقا.