الجريدة اليومية الأولى في البحرين


قضايا و آراء


فضيحة التجسس على العرب والمسلمين الأمريكيين

تاريخ النشر : الثلاثاء ٨ مايو ٢٠١٢



زار مسؤول كبير في جهاز الأمن القومي التابع للبيت الأبيض الأمريكي مؤخرا مدينة نيويورك من أجل تقديم الشكر والثناء لإدارة الشرطة. في الحقيقة، لقد سعى ذلك المسؤول إلى امتصاص الجدل القائم بين الإدارة الأمريكية من ناحية والعرب والمسلمين الأمريكيين من ناحية ثانية.
لقد نقلت وكالة الأسوشيتد برس عن هذا المسؤول الرفيع قوله:
«نحن على ثقة تامة بأن إدارة شرطة مدينة نيويورك تقوم بواجبها على الوجه الأكمل في إطار الالتزام بالقانون» كما أعتبر أن العمل الذي تقوم به إدارة شرطة نيويورك «ناجح». ان مثل هذا الكلام محير لأنه جاء في خضم مطالبة العرب والمسلمين الأمريكيين سلطات البيت الأبيض بضرورة فتح تحقيق متعلق بالحقوق المدنية على خلفية برنامج المراقبة المثير للجدل الذي تنفذه شرطة مدينة نيويورك أو على الأقل التعبير علنا عن انشغالها بإمكانية أن ينتهك هذا البرنامج السري الحقوق الخاصة بالعرب والمسلمين الأمريكيين.
لقد وضعت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (السي آي إيه) اليد في اليد مع إدارة شرطة مدينة نيويورك من أجل وضع عملية تجسسية واسعة باستخدام ضباط سريين ومخبرين مدنيين أرغموا على الدخول في هذا البرنامج ارغاما عبر تهديدهم بالترحيل أو السجن. لا شك أن مثل هذه العملية سيئة جدا غير أن عملية مراجعة نتائج هذه العملية التجسسية المثيرة للجدل تطرح أيضا تساؤلات جدية حول مدى جدوى البرنامج برمته.
لقد كشفت وكالة الأسوشيتد برس عن التعاون السري بين إدارة شرطة مدينة نيويورك والسي آي إيه قبل أقل من سنة. منذ ذلك الوقت ظل الجدل على أشده حول مدى تورط إدارة شرطة مدينة نيويورك في انتهاك قانون الحريات المنصوص عليه في الدستور الأمريكي ومدى الضرر الذي ألحقته بعلاقة الثقة مع العرب والمسلمين الأمريكيين. لم يتطرق أي أحد مع ذلك إلى الحديث عن قلة جدوى هذا البرنامج برمته.
لقد نشرت وكالة الأسوشيتد برس مقتطفات من الوثائق الداخلية الخاصة بشرطة مدينة نيويورك وهي تبدو كأن المخابرات السورية (الشرطة السرية) هي التي أعدتها. إن مثل هذه الوثائق السرية تظهر مدى غباء هذه العملية التجسسية التي استهدفت العرب والمسلمين الأمريكيين وهي تذكرنا إلى حد كبير بتلك «العصابة التي لا تحسن إطلاق النار وإصابة الهدف بدقة».
لعل ما يبعث على الحيرة أكثر من أي شيء آخر تلك الملاحظات المدونة تحت باب «مواقع ذات أهمية» التي استهدفت أساسا الأماكن التي يتركز فيها المهاجرون المصريون والسوريون في مدينة نيويورك.
لقد تولى «جهاز المخابرات - قسم الوحدة الديمغرافية» المتفرع عن إدارة شرطة مدينة نيويورك وضع تلك التقارير المثيرة للجدل تحت عبارة «سري جدا» وقد كتب التحذير التالي باللون الأحمر وبالبنط العريض على الغلاف:
«إن المعلومات الواردة في هذه الوثيقة سرية وخاصة بادارة شرطة مدينة نيويورك. لا يسمح بنسخ أو توزيع أي جزء من هذه الوثيقة بدون تصريح حصري من مفوض أو نائب مفوض وحدة المخابرات التابعة لإدارة شرطة مدينة نيويورك».
قد يجعل كل هذا من الوثائق مادة مهمة وجادة غير أن التركيز في محتواها يترك عندنا انطباعا آخر مختلفا.
لقد دبجت التقارير بتوطئة تفيد أن الهدف من ورائها هو «ضمان أقصى قدرة على تبين الشعور العام»، التعمق في معرفة طبيعة أنشطة العرب والمسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية.
بعد ذلك تنتقل التقارير إلى «مسح» مختلف المناطق الموجودة في مدينة نيويورك المسكونة من العرب والمسلمين مع التركيز في «المواقع ذات الاهتمام» أي «المواقع التي قد يتردد عليها الافراد بحثا عن أصدقاء من المجموعة العرقية نفسها أو الاستماع إلى ما يتردد من كلام».
بعد هذه الصفحات المليئة بالمعلومات الديمغرافية المتعلقة بالعرب الأمريكيين عامة، والمصريين على وجه الخصوص (مع نسخ مقاطع بأكملها من المعلومات الموجودة على موقع المعهد العربي الأمريكي)، يتضمن التقرير صورا عن كل «المواقع ذات الاهتمام» التي يتردد عليها المصريون والسوريون، إضافة إلى اللبنانيين والفلسطينيين واليمنيين والمغاربة والجزائريين و«القوقازيين».
من بين المعلومات الواردة في التقارير عن «المواقع ذات الاهتمام» معرفة ما إذا كان السكان من العرب والمسلمين يشاهدون قناة الجزيرة الفضائية وما إذا كانت «الأطعمة الحلال» تباع وما إذا القوقازيون من القاصرين قد شوهدوا وهم يدخنون، إضافة إلى ما يتردد من كلام ونقاشات، بما في ذلك قصة «رشا» التي تحدثت عنها في أحد أعمدتي السابقة والتي تعمل في إحدى وكالات الأسفار وقد نصحت بالسفر على متن الخطوط الجوية الأردنية.
إن هذه الكتيبات المتعلقة بالمواقع «ذات الاهتمام» لا تعتبر الوثائق الوحيدة التابعة لإدارة شرطة مدينة نيويورك التي سربتها وكالة الأسوشيتد برس وهي مليئة بملاحظات سطحية لكنها مزعجة.
من بين هذه الوثائق تقرير بعنوان «الراديكالية : الخطر الداخلي» وهو عبارة عن دراسة اعدها كبار المحللين الاستخباراتيين في شرطة مدينة نيويورك، سعيا إلى تحديد المسلمين ذوي الميول الراديكالية حدد هؤلاء المحللين أربع مراحل أساسية في هذا المسار وهي:
مرحلة ما قبل التطرف وهي تشمل الأفراد الذين يتقاسمون بعض الصفات المشتركة: (ذكر - دون سن الخامسة والثلاثين - مقيم ومواطن في إحدى البلدان الديمقراطية الغربية - من الطبقة الوسطى - متعلم - اعتنق الاسلام مؤخرا - يعيش حياة عادية من دون ان يكون له اي تاريخ إجرامي).
لعل ما يزعج حقا أن هذه التقارير تمسح كل الشبان الذكور المسلمين تقريبا في الولايات المتحدة الأمريكية. ما فائدة هذه المعلومات في إنفاذ القانون؟ بكل تأكيد لا شيء.
ألا يمثل هذا الأمر تهديدا للرجال المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية؟
هناك أسئلة جوهرية يتعين أن تطرحها الإدارة الأمريكية، بل كل الأمريكيين معها:
أين يجب ان نرسم الخط الفاصل ما بين حقوق الأشخاص وتجاوزات تطبيق القانون؟ متى يمكن القول ان شرطة مدينة نيويورك (بالتواطؤ مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية السي آي إيه) قد تجاوزت الخط المرسوم لها وانتهكت الحريات والحقوق المدنية المكفولة دستوريا؟
لقد كان يجب أن تؤخذ كل هذه الأمور بعين الاعتبار قبل أن تفرط سلطات البيت الأبيض في إسباغ الثناء على إدارة الشرطة بمدينة نيويورك وتضع في حسبناها أيضا مخاوف العرب والمسلمين الأمريكيين.
أعتقد أن عبارة «سري جدا» والتحذيرات التي تشدد على «الاستخدام الرسمي فقط» كانت ترمي فقط إلى تجنيب إدارة شرطة نيويورك مسبقا أي حرج قد ينجم عن اطلاع الرأي العام عليها.
* رئيس المعهد العربي الأمريكي