هوامش
العراق حبيس القوى المذهبية
تاريخ النشر : الأربعاء ٩ مايو ٢٠١٢
عبدالله الأيوبي
ليس هناك في الأفق ما يشير إلى أن العراق على وشك مغادرة الأزمة السياسية التي يعيشها والتي تفاقمت بعد الصدام السياسي بين رئيس الوزراء نوري المالكي ونائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي الذي تطارده حكومة المالكي بتهمة دعم الإرهاب في العراق واضطرار الأخير إلى المغادرة إلى إقليم كردستان الذي يتمتع بحكم ذاتي واسع، ومن ثم رفض قيادة الإقليم تسليم الهاشمي إلى السلطات العراقية المركزية، لكن مشكلة العراق السياسية لم تبدأ بتفجر الخلاف بين المالكي والهاشمي، وإنما العراق برمته دخل أزمة سياسية عميقة بعد جريمة الغزو الأمريكية في مارس عام 2003 وتحول أرض الرافدين إلى ساحة اقتتال وتربة خصبة لزرع بذور الفتنة الطائفية التي لم تقتصر على الحدود العراقية وإنما كانت لها ارتدادات إقليمية خطرة.
التركيبة السياسية الحالية في العراق هي سبب المشاكل التي يعانيها هذا البلد، صحيح أن صناديق الاقتراع هي التي تحدد هوية السلطة السياسية المركزية في بغداد وأن الحزب أو الائتلاف الفائز بأكبر نسبة من المقاعد هو الذي يقود السفينة العراقية، إلا أن الواقع هو غير ذلك حيث تسير السفينة العراقية بمجاديف المحاصصة الطائفية والتفاهمات بين مختلف القوى السياسية الفاعلة على الساحة العراقية، وهذه الطريقة في الحكم لا يمكن أن تبني وطنا يئن تحت وطأة الكثير من الأزمات والمشاكل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
فالعراق، بعد جريمة الغزو، تحول إلى ساحة صراع سياسي وطائفي مرتبط بقوى إقليمية بعضها ليس له مصلحة في استقرار العراق وبعض آخر يريد أن يجعل من العراق موطئا ومعبرا للامتدادات الإقليمية، الأمر الذي يعقد من المشهد السياسي العراقي ويحدث ضغطا على القوى السياسية في العراق يجعلها غير قادرة على التعاطي باستقلالية تامة من الشأن الداخلي، فليس خافيا على أحد أن هناك قوى إقليمية مجاورة للعراق لها حضور وتأثير في الخيارات السياسية للقوى العراقية وخاصة في ظل انقسام مجتمعي على أسس طائفية يصبغ الواقع العراقي بعد جريمة الغزو.
فالوصول بالعراق إلى الوضع الذي يعيشه في الوقت الحاضر كان أحد الأهداف الاستراتيجية لجريمة الغزو الأمريكية بحيث يتحول العراق إلى رقما إقليمية هامشيا لا ينسجم والإمكانيات البشرية والاقتصادية والجغرافية التي يمتلكها، فيغدو بلدا غير قادر على القيام بالدور الإقليمي الذي يتماشى مع هذه الإمكانيات، والغياب الإقليمي للعراق مرشح إلى الاستمرار في ظل النظام السياسي القائم في بغداد الذي يعتمد المحاصصة الطائفية التي أدخلت العراق في دوامة من الصراعات وبات مهددا في كل وقت بنشوب صراعات مذهبية.
فالعراق وبعد أكثر من احد عشر عاما من جريمة الغزو وتدمير الدولة العراقية تحول إلى فريسة سهلة أمام القوى الإقليمية في ظل عجز صريح تعانيه القوى السياسية العراقية ونشوب خلافات حادة بينها لأسباب بعضها ليس له علاقة بالمصالح الوطنية العراقية، فعلى الرغم من انسحاب القوات الأمريكية الغازية من الأراضي العراقية، فإن القرار السيادي العراقي ظل مشلولا وواصلت القوى السياسية العراقية سياسة الصدام فيما بينها وتبادل الاتهامات فيما يتعلق باستمرار الأزمة السياسية في العراق، بل ان بعض هذه القوى يذهب بعيدا في صراعه السياسي مع خصومه مثل الاتهام بالخيانة أو الارتهان لقوى إقليمية إلى غير ذلك من الاتهامات التي تزيد من المأزق السياسي تعقيدا.
القوى الإقليمية المستفيدة من الوضع العراقي الحالي لن تترك العراق يستعيد عافيته، فغياب الدور الإقليمي المؤثر للعراق يوفر لهذه القوى مساحة كبرى تتحرك فيها، بل تدير صراعاتها من خلال الساحة العراقية مستغلة الفراغ السياسي الكبير الذي تركته جريمة الغزو الأمريكية، فالدولة العراقية بحاجة إلى وقت طويل جدا كي يستعيد العراق عافيته ويسترجع الدور الإقليمي والقومي الذي كان يلعبه قبل الاعتداء على السيادة الوطنية من جانب الغزاة الأمريكان وتأييد العديد من الدول الشقيقة التي بدأ بعضها يتباكى الآن على الحالة العراقية و«يأسف» على إسقاط النظام العراقي بقيادة الرئيس الراحل صدام حسين.
فليس أمام القوى السياسية العراقية كي يستعيد العراق عافيته ويغادر حالة العجز التي يعيشها في الوقت الراهن، سوى التخلص من عقلية المحاصصة الطائفية وتغليب المصلحة الوطنية على المصالح المذهبية أو العرقية، ولكن السؤال ليس إذا ما كانت القوى السياسية الماسكة بزمام الحراك السياسي في العراق قادرة على فعل ذلك، بل هل هي مؤهلة لأن تغادر البيت المذهبي الذي تنطلق منه أنشطتها وترسم فيه سياستها وعلاقاتها مع الآخرين؟ يبدو أن تحقيق ذلك هو أمر في غاية الصعوبة، وبالتالي فإن العراق سيبقى عاجزا عن استعادة مكانته ما بقيت هذه القوى تمسك بزمام الأمور.