الجريدة اليومية الأولى في البحرين


قضايا و آراء


التعديلات الدستورية محطة جديدة لتسريع الإصلاح والتنمية المستدامة

تاريخ النشر : الخميس ١٠ مايو ٢٠١٢



شهدت مملكتنا الحبيبة إنجازا دستوريا جديدا يتمثل بتصديق صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى على التعديلات الدستورية، مما يعبر عن مصداقية تعهدات قيادة البلاد في اقرارها بجميع توافقات الحوار الوطني وسعيها الحثيث والمتواصل لإنجاز استحقاقات عملية الاصلاح والتنمية المستدامة ووفقا لمتطلبات ومستجدات المرحلة الراهنة ومواجهة الواقع بكل معطياته وبمختلف تجلياته، الظاهرة والمستترة، وبابعاده المتعددة المحلية والاقليمية والدولية، حيث إن الاصلاح في مرئياتها عملية تطورية متواصلة ومتجددة تلبي احتياجات الحاضر وتتناغم مع مستجدات المستقبل ولا تغفل انجازات الماضي، كما عبر عن ذلك صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس مجلس الوزراء الموقر حينما عد «الإصلاح في مملكة البحرين منهج حياة»، فتاريخ البلاد المعاصر يشير إلى انها مارست ضروبا متعددة من الاصلاح الاقتصادي والسياسي والتشريعي والثقافي والتربوي متقدمة على اغلب ان لم يكن جميع دول المنطقة في هذا المضمار.فبدءا من مرحلة السبعينيات من القرن الماضي التي عدت مرحلة لوضع اسس وتحديد معالم الاصلاح الاقتصادي والبناء التنموي وتطوير مؤسسات الدولة واداراتها التنفيذية، كان خيار التنويع الاقتصادي عبر توطين عدد من الصناعات الاستراتيجية، وجذب المصارف والمؤسسات المالية وتوفير بنيتها التشريعية والتنظيمية والمؤسسية، واستحداث النظم الادارية والقوانين التي تكفل الحرية الاقتصادية، وتدشين حزمة من الخدمات الضرورية للمواطنين كالمياه الصالحة للشرب والكهرباء والاسكان ابرز معالم الاصلاح الهادف إلى توطيد الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي. مرورا بتحقيق معدلات نمو اقتصادي مرتفع مع المحافظة على مستوى منخفض من التضخم، والسيطرة على وضع المديونية العامة، وصولا إلى تحسين الوضع التنافسي للبلاد وزيادة فرص النمو، وتطوير الموارد البشرية الوطنية، والسعي الجاد لمعالجة مشكلات البطالة واصلاح وتطوير سوق العمل ورفع مستوى معيشة المواطنين واتخاذ خطوات جوهرية لحل مشكلة الاسكان، ومكافحة الفساد الاداري والمالي وتدعيم مبادئ التحرر الاقتصادي والشفافية. وتحقيق نجاحات اقليمية ودولية في قطاعات الخدمات الصحية والتعليمية والتدريبية. والسعي إلى تطوير الادارات المختصة بتقديم الخدمات للمواطنين، ودعم وتشجيع وضمان الاستثمارات الوطنية والاجنبية في مختلف القطاعات. وتوفيرالرعاية والاحتضان للقطاع الخاص. والتعامل الايجابي مع مختلف التطورات الاقتصادية والتقنية والسياسية التي يموج بها العالم. والقدرة العالية، والكفاءة المتميزة التي ابدتها قيادة البلاد في امتصاص تداعيات الازمات السياسية والمالية والمصرفية والاقتصادية الاقليمية والعالمية. كما تم انشاء الكيانات المؤسسية اللازمة لعملية الاصلاح والتنمية الاقتصادية وفي مقدمتها مجلس التنمية الاقتصادية. وتطوير الهياكل الادارية للوزارات والمؤسسات الحكومية وانشاء عدد من الهيئات الرأسية لقيادة قطاعات اقتصادية هامة. وقد تعززت هذه التوجهات واخذت بعدا استراتيجيا بعد تسلم جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة رعاه الله لمقاليد الحكم في البلاد واعلانه مشروعا اصلاحيا شاملا يتميز بوضوح معالمه ودقة برامجه، تم تقنينه بعد استفتاء الشعب عليه من خلال ميثاق العمل الوطني الذي صوت عليه الشعب بنسبة 98,4% وعد نقلة نوعية كبيرة في العمل الوطني، وخطوة متقدمة ومتميزة في مسيرة التحديث السياسي والمؤسساتي والتنموي، وعده جلالة الملك ايذانا بحقبة جديدة من التواصل الحضاري، وقاعدة للبنية والهيكلية السياسية والاقتصادية اللاحقة، وبداية لمسيرة طويلة ومتواصلة من الاصلاح والتحديث، ومواكبة ديناميكية، لا بل استباقا، للمستجدات السياسية والفكرية والتنموية والتقنية التي يشهدها العالم، ومثل بحق القاعدة الصلبة للدولة العصرية ببنيتها المؤسسية ونظامها الدستوري وخيارها الديمقراطي المستند إلى العدل والشورى وضمان حقوق الإنسان، ومشاركة الشعب بمختلف قواه الوطنية في إدارة البلاد، سعيا نحو تحقيق آمال وطموحات المواطنين في دولة يسودها الأمن والاستقرار والرخاء والنزاهة وتكافؤ الفرص، توفر لشعبها مقومات الانطلاق والنهوض والتقدم ليواكب ما يشهده العالم من تطورات في ميادين التنمية والتقنية والبناء والديمقراطية، وتمخض عن ذلك انتخاب مجلس النواب والمجالس البلدية واختيار اعضاء مجلس الشورى فضلا عن انتشار عدد كبير من منظمات المجتمع المدني من جمعيات سياسية، وحقوقية، وخيرية، ودينية، ومهنية ،ونقابية، وعلمية، بالاضافة إلى المنظمات الشبابية والنسوية وغيرها، لدرجة ان نسبتها إلى حجم السكان تتجاوز نسبة ما موجود في اقدم الدول ممارسة للديمقراطية، وذلك تعبيرا عن ايمان قيادة البلاد باهمية ممارسة الشعب لكامل حقوقه الديمقراطية المشروعة.
كما اتسعت دائرة التعليم العام والخاص بمراحله المختلفة، وازداد عدد الجامعات والمعاهد ليبلغ اكثر من (16) جامعة ومعهدا عاما وخاصا، وصدر العديد من الصحف اليومية والاسبوعية وتم انشاء العديد من دور النشر، والنوادي الفكرية والثقافية والرياضية وغيرها من المنظمات والمؤسسات العلمية والبحثية التي تعد موائل للفكر ومصانع للوعي والثقافة وركائز هامة للتنمية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية فضلا عن المهنية.
ثم دشن جلالة الملك الرؤية الاقتصادية للبحرين 2030 كمحطة اصلاحية مضافة اكدت ان المرحلة القادمة من مسيرة الاصلاح الاقتصادي تتطلب السعي لتطوير النجاحات المتحققة وبما ينمي المنافسة والشفافية والعدالة في مختلف القطاعات الاقتصادية وتقليص الانكشاف ومنع التهديد الاقتصادي وتعظيم التنافسية وتعزيز القدرة الاقتصادية للمجتمع والسيطرة على معدل واتجاه التنمية الاقتصادية وتعزيز بناء القدرات العلمية والتقنية لزيادة الوزن النسبي للاقتصاد الوطني إقليميا وعالميا، وتوفير مقومات اقتصاد يعتمد الابتكار بأولوية وأهمية قصوى وبمنهجية علمية متنامية والايمان بأهمية البعد الإنساني في التنمية.
وفي الثامن والعشرين من يوليو 2011 دشنت محطة اخرى من محطات الاصلاح حيث تسلم جلالة الملك المفدى وثيقة المرئيات النهائية لحوار التوافق الوطني، ليكون يوما تاريخيا اغر وعيدا للوحدة الوطنية الناجزة ونقلة نوعية كبيرة في العمل الوطني الجماعي المخطط، وخطوة جديدة متقدمة ومميزة في مسيرة الاصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي والحقوقي في المملكة، وايذانا ببدء حقبة جديدة من النهوض الحضاري الوطني الشامل، حيث كان الحوار منبرا صادقا تلاقحت من خلاله الافكار والمرئيات الهادفة إلى تعزيز الوحدة الوطنية والإسهام في صياغة خريطة طريق للتوجهات السياسية والاقتصادية والحقوقية والاجتماعية، وكما يتضح ذلك من تأكيد جلالته بهذه المناسبة «أن مرئيات التوافق الوطني تعد علامة حضارية في مسيرة العمل الوطني، أوصلتنا إلى أفق أرحب لمزيد من الإصلاح والتطوير». وفي ذات الاتجاه جاء امر جلالته بتشكيل اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق وقبول تقريرها وتنفيذ توصياتها، واخيرا وليس اخرا نصل إلى المحطة الجديدة من محطات الاصلاح المتواصل ممثلة بالتعديلات الدستورية التي تعزز منهجنا الديمقراطي الناجز وتوسع من الدور الرقابي والقيادي لمجلس النواب وفقاً لما اتفق عليه ممثلو الشعب وبما يسهم في توفير المزيد من الاستقرار والطمأنينة والامن كنتاج محتمل لتطوير التجربة الديمقراطية في البلاد.
وختاما لابد من القول بقدر ما يمثل اقرار التعديلات الدستورية انجازا وطنيا جديدا ينبع من تحليل واعٍ ومدرك لكل جوانب بيئة الاصلاح ومحددات فعله وتأثيره، فإنه يضع على القوى الوطنية الفاعلة بمختلف مسمياتها وتوجهاتها مسئوليات وطنية اضافية لتعزيزها وجني ثمارها في تعجيل خطوات الاصلاح وتوسيع مجالات التنمية المستدامة عبر الحوار الهادئ والبناء الذي يستهدف اولا الشروع في ازالة الاثار النفسية والاقتصادية والامنية والاجتماعية للأزمة التي عصفت بالبلاد، وصولا إلى الاتفاق على آليات وطنية وميثاق شرف لمنع تكرار حدوثها عبر الحوار الوطني الشامل والمصارحة والصدق في طرح الامور وتحديد التزامات كل الاطراف ووضعها امام مسئولياتها التاريخية والوطنية بعيدا عن التشنج والتشكيك والرفض والمواقف الفئوية المسبقة.
* أكاديمي وخبير اقتصادي