الجريدة اليومية الأولى في البحرين


بريد القراء


وتسقط الأقنعة

تاريخ النشر : الخميس ١٠ مايو ٢٠١٢



كثيرا ما نصادف في طرقات الحياة أنماطا مختلفة من البشر، هذه الحياة أصبحت كحفلة تنكرية الكل يلبس قناعا في مسرح الحياة، والإنسان يصادف أنواعا من البشر نتعامل معهم ونعيش بينهم من دون معرفة حقيقة نفوسهم، أغلبهم يلبسون أقنعة جعلت من الزيف والخداع جلد بشرتها، تنهش مرة بصورة ذئب ومرة أخرى تحيك المؤامرات بقناع ثعلب وأخرى تتلون كالحرباء بكل الألوان وأحياناً تتودد بقناع طفل وما أكثرها من أقنعة في هذا الزمن الذي تتلقى فيه الصدمات والصفعات المتتالية وتجبرك على أن تتذوق مرارة تلك الأقنعة التي يخفي أصحابها سوادا وزيفا وصورة قاتمة مخيفة، ومعادن الناس تكشفها الشدائد والمحن.
هو صديق بل بمثابة أخ وقريب فإذا به غادر وحاقد، هو زوجها ورفيقها في الحياة تحبه وتخلص له وتمنحه كل ما تملك من حب ومال وعطاء وثقة، وحلمت معه بغد لا يأتيه الحزن من بين يديه ولا من خلفه، لكنها أفاقت على واقع أنه خائن وكاذب ومنافق، هي زميلة في العمل وتتطور إلى صداقة حقيقية فتقوم بتعليمها وتدريبها في العمل فإذا بها تنقلب عليها وتقلب الحقائق ضدها محاولة أخذ وظيفتها حسداً وحقداً فيسقط القناع،هي صديقة الطفولة قامت بتوظيفها في الشركة التي تعمل بها فتكيد لها وتشيع عنها الأكاذيب وتطعنها في الخلف فيسقط القناع. هو يتقدم لخطبتها يضع لها الشمس في يد والقمر في اليد الأخرى وبعد الزواج تكتشف بأنه نقيض لما أظهر لها وتكتشف الحقيقة المرّة فيسقط القناع. هو يثق به ويسلمه أمواله بعد أن قدم له وعودا معسولة فتنقلب الحقائق بعد فترة ويصم أذنيه عن المال المودع لديه، وتمتلئ خزانته بالمال المسروق فيسقط القناع. هو مسئول ويقف أمام موظفيه يقدم خدماته ويقول لهم إن بابه مفتوح لهم وبعد فترة يوصد بابه ويصم أذنيه وتغلب مصالحه الشخصية المصالح العامة ويسخر منصبه لخدمة نفسه ومعارفه فقط فيسقط القناع. وهناك من يرتدي قناع الإيمان وهو أبعد ما يكون عن الإيمان، وهناك من يرتدي قناع الحب والخير وهو يحمل في قلبه الحقد والكره والشر، وما أكثر أقنعة الكذب والنفاق والخداع والغش، نتغاضى ونتغاضى كي نتمكن من الاستمرار في هذا الزمن الملوث ويستقر خنجرهم في قلوبنا وعندها ربما نستيقظ، والمفارقة العجيبة أن أغلب الأقنعة تتساقط وتعري أصحابها وتظهرهم على حقيقتهم ومعدنهم وتذيبها حرارة المحن لتسفر عن وجوه كشرت عن أنيابها وعند أبسط المواقف، لأنها وجوه هشة بل هي أكثر هشاشة من القناع الذي تلبسه، هي كالشوائب التي يجب التخلص منها فورا ومن دون تردد، وحين نخسرهم لا نخسر شيئا، ربما يكون في ذلك خير كثير لنا حيث تزيح المصائب الأقنعة التي نراها أمامنا كل يوم لتظهر لنا الوجوه والقلوب على حقيقتها، وقد نشعر بوقع الصدمة ونكتشف أننا مخطئون في حساباتنا، وأن كل ذلك مجرد قناع يختبئ خلفه الزيف، وبمقدار ما تسببه من ألم لكنه قد يكون إجابة عن حقيقة بعض الناس التي همها مصلحة وغرض دنيوي سفيه، هذه الأقنعة للأسف أصبحت هي القاعدة إلا من رحم ربي. ولكن صاحب المعدن الأصيل لا يحمل قناعا مزيفا بل وجهه مرآة لما يحمله قلبه، آن لوجوهنا الطبيعية أن تلازمنا دائماً ولا شيء في الدنيا يستحق أن نلبس قناعا لا يناسبنا يبعدنا عن حقيقتنا وكم هو جميل أن يكون قلبك خالياً من الشوائب وأمراض العصر والأقنعة المزيفة الواهية تتنفس فيه هواء نقيا لا ضغائن ولا مكائد فيه، ولكن أين نجد القلوب النقية الطاهرة؟
عائشة البستكي