أهمية الإصلاحات
الدستورية الأخيرة
 تاريخ النشر : الجمعة ١١ مايو ٢٠١٢
بقلم: السيد حيدر رضي
كان يوم الخميس قبل الماضي يوما تاريخيا عظيما، في تاريخ البحرين السياسي الإصلاحي ويوما لا يمكن ان ننساه أبدا فقد شكل هذا اليوم منعطفا كبيرا في مسيرة الإصلاح الديمقراطي ورافدا عظيما في التقدم الإصلاحي الدستوري، وذلك عبر تصديق جلالة الملك المفدى جملة من التعديلات التي تمت على دستور مملكة البحرين، وذلك لما أثيرت في الحوار الوطني الذي جرى، بناء على توصيات منه والتي أحالتها الحكومة إلى السلطة التشريعية، لمناقشتها وإقرارها.
وبقراءة موضوعية فإنها تعد فصلا جديدا، لحياة ديمقراطية جديدة ولمرحلة جديدة من العمل الديمقراطي المتميز.
هذه التعديلات عكست مدى النضج السياسي، والعزيمة الصادقة للقيادة السياسية على مزيد من الإصرار على انتهاج النهج الإصلاحي كرافد للبناء الوطني العام، ولنهضة تنموية شاملة.
لقد جاءت هذه الإصلاحات مع التوجه العالمي السائد في الدول وبخاصة الإصلاحات الديمقراطية، وتعزيز حقوق الإنسان، وإعطاء مزيد من الحريات بل ان مملكة البحرين كانت قد سبقت غيرها بالمشروع الإصلاحي، قبل أكثر من عشر سنوات، ولذلك تعد البحرين سابقة الأمم في الانتهاج الديمقراطي الإصلاحي.
المهم في هذا الحدث انه لم يكن نتاج ضغط دولي من أحد او افراز توجيهات ما، أو نتيجة نصح أو إرشاد من أحد بل كان صناعة خالصة، من قيادتنا السياسية المؤمنة بهذا المبدأ الذي لا تحيد عنه أبدا.
ويمكن ان نستخلص من هذا التوجه الإصلاحي الدستوري عدة دلالات وغايات ولا بأس أن نشير إليها بشكل موجز وسريع.
(فمنها): ان قيادتنا السياسية، مؤمنة إيمانا عميقا - كما أشرنا ووضحنا- بمبدأ الإصلاح كطريقة وغاية وهدف، وتسعى القيادة من هذا المبدأ إلى المساهمة في عملية التطوير والتحدث، ومواكبة المستجدات الديمقراطية والحقوقية، والالتزام بمواثيق الحقوق الدولية المعنية بحقوق الإنسان وصولا إلى دولة الحقوق والمؤسسات، كدولة مدنية ناهضة سياسيا وديمقراطيا.
(ومنها): استمرار باب الإصلاح، وعدم غلقه، وهذا قمة التفاني، وعظمة العقلية السياسية، ورأس الحكم الرشيد، وديدن السياسية الصالحة.
قال أبو منصور الثعالبي، إذا كان الملك واضح ميثم العدل، فارش مهاد الفضل باسط جناح البر، منبت نور المحبة، ممتد ظل الهيبة مالك عنان السياسية، فقد أرخ الزمان بحسن آثاره، وشق على الملوك شق غباره.
وقيل انه ينبغي للملك ان يعمل بخصال ثلاثة: (تأخير عقوبة المسيء)، و(تعجيل ثواب المحسن)، و(العمل بالأناة)، وبيان ذلك في الآتي، فإنه في تأخير العقوبة إمكانية (العفو) والعفو من سمات الملوك الكرماء العقلاء أصحاب العقول الرشيدة وفي تعجيل ثواب المحسن، فإنه يفتح الباب للعمل الكثير والتسابق بالمسارعة إلى الطاعة، وفي الأناة، انفساح الرأي واتضاح الصواب. راجع: (غرر الخصائص الواضحة وعرر النقائض الفاضحة، برهان الوطواط).
و(منها): المراجعة الشاملة لمجمل التشريعات والقوانين، والعمل على تطويرها باستمرار بما يلبي المستجدات، ويتواكب مع المتغيرات الحاصلة.
وتعد ديناميكية التغيير والتطوير في التشريعات القانونية والدستورية سنة حسنة ومطلبا أساسا، لاستمرار عجلة الحياة وتطورها.
ومنها تطوير صياغات في الدستور والتشريعات، بما يتواءم مع متطلبات الإصلاح والتطوير، لكي نلبي الطموحات المستقبلية، فكل شيء قابل للتعديل والتطوير، حتى (الدستور) - وهذه تسجل لنا بكل فخر، في التعديلات الدستورية- والذي لم يمض على الدستور الجديد أكثر من عشر سنوات.
هذا الإقدام في التطوير الإصلاحي، ينم عن شجاعة القيادة السياسية في اتخاذ قرارات مصيرية وبخاصة بهذا الشأن، وهذا كله في المحصلة نتاج العزيمة والإصرار في التنمية السياسية الشاملة.
نقطة أخرى في البحث، وقد نكون قد تناولناها في ثنايا بحثنا هذا، وهي الرغبة الأكيدة لقيادتنا السياسية في تطوير العملية السياسية، والدفع بها إلى الأمام، وكذا إعادة هيكلة وتنظيم المؤسسات الدستورية وتعزيز العلاقة بين السلطات، بما ينمي روح التعاون فيما بينها.
لقد جاءت هذه التعديلات، بمفاهيم وأطر جديدة، وبضوابط مستحدثة، وإعادة تغيير المواقع، ليس الهدف منها، عرقلة البناء النيابي، وتعقيده بل الاسمى من ذلك إذكاء العملية السياسية وتحقيق الرغبة الشعبية والإرادة الجماهيرية، وضمان قدر أكبر من المساحات الدستورية الموسِّعة للإصلاحات البرلمانية.
ومع هذا كله، فإننا نكرر دعوتنا إلى أنه يجب الجمع بين التطوير الديمقراطي، وأسس التنمية الشاملة فإنهما وجهان لعملية واحدة فما وجدت الديمقراطية الا للدفع بوتيرة التنمية والإصلاح الاقتصادي والاجتماعي.
وان كثيرا من الباحثين يرون أن الجدلية بين الديمقراطية والتنمية يجب ان تأخذ أبعادا كثيرة من التناغم والتلاقي.
تلازم التنمية الشاملة مع الديمقراطية، من السجالات الدائرة الآن في الأوساط المحلية والعربية، وقد أدلى المفكرون النهضويون العرب في هذا الشأن دلوهم عبر ندوات ومحاضرات ومؤتمرات ومقالات ودراسات، وهذه العلاقة هي محل سجال ونقاش، وقد حظيت باهتمام السياسيين والاقتصاديين والباحثين. راجع: (طريقنا الصعب إلى الديمقراطية، والتنمية أيضا، مسعود ظاهر)
.