قضايا و آراء
مخاطر الأفكار التحريفية في العمل السياسي
تاريخ النشر : الجمعة ١١ مايو ٢٠١٢
بعدما برز الكثير من الشخصيات الوطنية الكاريزمية القيادية من الماركسيين والشيوعيين العرب، والذين تبوأوا ويتبوأون أعلى المناصب الحزبية على مدى عقود خلت، كنماذج وطنية وأممية لجميع الشغيلة والشعوب قاطبة.. ورموز وطنية وتاريخية تحديثية وتنويرية بمواقفها النضالية والمبدئية، بل ارتقت بمرتبة القدوة المنهجية والمرجعية الفكرية.. يخرج (اليوم) بعض من تلك الشخصيات الماركسية القيادية على مرآى ومسمع (الرأي العالمي).. بأفكار تحريفية وانتقائية في (الموقف السياسي)، وأطروحات ديماغوجية ودوغمائية في (الموقف المبدئي).. أساءت إلى أصول الفلسفة الماركسية.. حسبما أثارت هذه (الأفكار التحريفية) تساؤلات قيادات الأحزاب الماركسية والتقدمية الملتزمة، ودهشة المناضلين الشيوعيين والتقدميين الحقيقيين العرب على طول الساحة العربية.. لقد تمثلت أنماط هذه (الأفكار التحريفية) في محاباة أصحابها الاستبداد السياسي والاستبداد الديني الثيوقراطي الطائفي والمذهبي للنظام السياسي والمستشري في بلدانها المعنية.. ولعل ما نود توضيحه في هذا الإطار.. هو إماطة اللثام عن الموقف المبدئي السلبي لأحد القادة الشيوعيين المعارضين السوريين.. وهو الأمين الأول للحزب الشيوعي السوري (الموحد).. (حنين نمر) الذي ذهب من خلال تبني هذا (الموقف التحريفي) إلى محاباة النظام السوري، بنفاق سياسي مكشوف، ذلك عبر أطروحاته تلك المبررات التسويغية وتقديم تلك الاسباب الديماغوجية، التي تكمن بجلاء في ازدواجية المعايير وتتجسد في الصورة النمطية الانتقائية القائمتين على المصالح البرجماتية والانتهازية والأساليب الانحيازية والتضليلية.. والبعيدة بل النقيضة لمبدأ الحيادية.. وهو حينما أطلق الأمين الأول للحزب الشيوعي السوري الموحد (حنين نمر) خلال مقابلة صحفية أجرتها معه (مجلة النداء) في 26 سبتمبر 2011م، تصريحات برر من خلالها بقاء النظام السوري مكتفيا بإجاباته الصحفية لإدخال إصلاحات سياسية عامة من وجهة نظر الشعب السوري، فإن هذه الإصلاحات لن تجدي نفعا بإدخالها على نظام سياسي استبدادي ظل جاثما طوال أربعة عقود على صدور مواطني الشعب السوري علاوة عن رفض هذا النظام الحوار مع المعارضة الوطنية أو الاعتراف بها أيضا.. وبالرغم من التعليق الذي أطلقه (حنين نمر) خلال المقابلة الصحفية معه، على الفريق القائل «إن الأزمة في سوريا داخلية».. وعلى الفريق الآخر القائل «إن الأزمة هي مجرد مؤامرة خارجية».. فإن (حنين نمر) قد أجاب الفريقين قائلا «إن الأزمة هي داخلية وخارجية في آن واحد».. إجابة قد وضع (حنين نمر) من خلالها النقاط على الحروف، وذلك فيما يتعلق بالأزمة الداخلية في سوريا حينما استرسل قائلا «وبمفهومنا فإن الديمقراطية السياسية ليست غاية في حد ذاتها فقط بل هي وسيلة لتمكين جماهير الشعب من الدفاع عن مصالحها ضد الفساد ونهب المال العام واستغلال القطاع العام».. ولكن عندما حاول توضيح تداعيات «الأزمة بأنها خارجية» مسترسلا بالقول «إن المطلوب من جميع القوى الوطنية ان تنتبه لخطر التدخل الخارجي فهو احتمال قائم ويجب ان يكون شعارنا الدفاع عن الوطن مع إدراكنا أن الدفاع عن الوطن يستلزم إجراء مصالحة وطنية شاملة مع كل القوى، بما فيها المعارضة الوطنية الداخلية، يستبعد منها فقط الجماعات المسلحة والقوى المرتبطة والمرتهنة للخارج».
إن هذه التصريحات التي أطلقها (حنين نمر) والمتعلقة بالخطر الخارجي على سوريا قد أطلقها من قبله وممن سبقوه من قوى المعارضة الوطنية بالخارج والمتمثلة بـ(المجلس الوطني) برئاسة المعارض الدكتور (برهان غليون).. و(هيئة التنسيق الوطنية) برئاسة المعارض الدكتور (هيثم المناع).. ولكن ما يؤسف له القول بهذا الصدد ان حنين نمر) أخذ يكيل الاتهامات جزافا إلى هذه المعارضة الوطنية من دون وجه حق.. عندما وصفها بـ«القوى المرتبطة والمرتهنة للخارج».. في الوقت الذي غض الطرف فيه عما قام به النظام السوري من وضع ورسم تلك الخريطة السياسية للتحالف الاستراتيجي ما بين النظام السوري وما بين «حزب الله» اللبناني الطائفي التابع لولاية الفقيه في إيران.. وما بين النظامين (السوري والإيراني) منذ أمد بعيد.. وما تمخض عن نتائج هذا (التحالف الاستراتيجي) ما بين الطرفين، من إرسال تلك الأساطيل من السفن والعربات المحملة بالعتاد والسلاح الإيراني إلى النظام السوري.. آخرها هو عملية إحباط محاولة تهريب أسلحة من إيران إلى سوريا بسفينة شحن ألمانية في طريقها إلى ميناء طرطوس السوري وسفينة شحن أخرى هي «اتلانتك كروزر» التي أخضعتها تركيا للتفتيش في مرفأ الاسكندرون التركي في يوم 18 إبريل 2012م «لاشتباهها في أنها تنقل أسلحة إيرانية».. وفي ذات السياق فإن ثمة أسئلة بالغة الأهمية تطرح نفسها أمام (حنين نمر).. لماذا يتبنى الأمين الأول للحزب الشيوعي السوري الموحد الصورة النمطية الانتقائية بإدانته التدخل الأجنبي الغربي والوصايا الدولية على سوريا.. بينما يغض الطرف عن التدخل الإيراني و«حزب الله» اللبناني بسوريا؟.. لماذا يوجه (حنين نمر) اتهاماته جزافا إلى مناضلين وطنيين ومفكرين شرفاء ينضوون تحت لواء المعارضة الوطنية بالخارج بالعمالة للخارج، بينما لم ينبس ببنت شفة، من خلال المقابلة الصحفية معه، حول المجازر والمذابح التي ارتكبها النظام السوري بحق الشعب السوري وبحق المعارضة الوطنية في الداخل؟.. لماذا يتجاهل (حنين نمر) التحالف الاستراتيجي ما بين النظام السوري من جهة وما بين إيران و«حزب الله» اللبناني من جهة أخرى الذي تداعياته ودلالته وقرائنه تجسدت بجلاء في مشاركة إيران وحزب الله اللبناني بتلك الحملات الهجومية العسكرية والحربية ضد الشعب السوري الأعزل؟... ويكفي استدلالا بهذا الإطار، تلك التوابيت التي شحنت مؤخرا في مطار دمشق لنقلها إلى ايران.. وتسلّم «حزب الله» اللبناني رفات أربعين جثة من النظام السوري في منتصف شهر إبريل 2012م.. هي جميعها شواهد وبراهين قطعية أكدت مشاركة إيران و«حزب الله» اللبناني الجيش السوري، بفرق عسكرية قمعية وعصابات ميليشيات الشبيحة كما أطلق عليها في سوريا.. في نهاية المطاف يمكن القول ان الأمين الأول للحزب الشيوعي السوري «الموحد» يظل عاجزا عن الإجابة عن تلك الأسئلة المهمة السالفة الذكر.. ولكن ثمة أطرافا أخرى استطاعت تقديم الإجابة عن تلك الأسئلة ذاتها بجلاء.. وهي القيادات الحرة والكوادر الشجاعة التي حافظت على مواقفها المبدئية والمنهجية.. إذ قدمت إجابتها لـ«حنين نمر) بحسم موقفها الآيديولوجي والوطني عبر انشقاقها عن الحزب الشيوعي السوري «الموحد» احتجاجا على سياسة الحزب الانتقائية والتحريفية.. وانحياز هذه الكوادر الوطنية انحيازا تاما ومطلقا إلى جانب الشعب السوري وإلى جانب المعارضة السورية (الوطنية والتقدمية) سواء أكانت في الداخل أم في الخارج.. وبالتالي سجلت هذه الكوادر الوطنية والمبدئية، موقفا وطنيا حرا وشجاعا في ضمير المعارضة الوطنية، وفي وجدان الشعب السوري على حد سواء.