مقال رئيس التحرير
قصــة نجـــاح
تاريخ النشر : الجمعة ١١ مايو ٢٠١٢
أنور عبدالرحمن
بينما كان السير دونالد تشارلز ماكجيليفاري، المندوب السامي البريطاني الأخير في ماليزيا (1954 - 1957) يهم بركوب الطائرة مغادرا، سأله صحفي: «كيف ترى مستقبل الشرق الأقصى بعد الجلاء البريطاني».
أجاب الدبلوماسي المخضرم في كلمات كانت أشبه بالنبوءة: «أكاد أرى مستقبل العالم ينمو في رحم الشرق الأقصى».
لم يطل بالسير دونالد العمر ليرى نبوءته تتحقق، ولكنه توقع توسعا في عملية التنمية ربما لا يكون قد عاش ليشاهده بنفسه، بيد أن العالم ظل بالتأكيد، عاما بعد عام وعقدا بعد عقد، منذ ذلك الوقت مأخوذا بالتقدم الهائل الذي حققته أمم الشرق الأقصى.
واليوم تخوض شعوب الشرق الأقصى سباقا كبيرا ليس لتحقيق المزيد من الإنجازات فحسب، وإنما لتكون لها الريادة أيضا بين كل الأمم. وقد نجحت هذه الشعوب خلال نصف القرن الماضي، في أن تحوّل بلادها إلى تجمعات صناعية ضخمة، ارتقت بصناعات الإنشاءات والحاسبات والطرق الجديدة والنقل وتقنية المعلومات إلى مستويات أصبحت مثار إعجاب وغيرة دول أوروبا الغربية.
فعلى سبيل المثال كانت شركة سامسونج العملاقة الشهيرة قد بدأت نشاطها قبل 40 عاما بنحو 37 موظفا فقط، في حين صار عدد موظفيها يربو الآن على الـ220 ألف موظف!. وهي شركة واحدة من بين المئات من قصص النجاح المماثلة في كل القطاعات الإنتاجية وفي مناحي الحياة كافة.
الواقع أن كوريا الجنوبية، موضوع حديث اليوم، كانت قد أقدمت على خطوة شجاعة، بإدخال تعليم تقنية المعلومات إلى مستوى رياض الأطفال للمرة الأولى في العالم. ونستطيع نحن في الشرق الأوسط أن نتعلم من تجربة هذه الدولة، وفي إطار ذلك جاءت زيارة صاحب السمو الملكي ولي العهد لكوريا الجنوبية، ليقف بنفسه على تجربة نهوض هذا الشعب البناء من تحت رماد الحرب الكورية، ليصل إلى الذروة التي بلغها اليوم.
كان جدول أعمال هذه الزيارة، التي استمرت ثلاثة أيام، حافلا بالعديد من الزيارات الميدانية. وفي خطاب ألقاه خلال حفل عشاء استضافه رئيس وزراء كوريا الجنوبية قال صاحب السمو الملكي: «أنا هنا لأرى بنفسي كيف تعاملتم مع مصير وأقدار شعبكم. لقد استفدتم كأمة من وقتكم إلى أقصى حد. ويبدو أن التخطيط المدعوم بجهود مراكز الأبحاث قد تمت برمجته بدقة، لتحقيق الإنجازات الاقتصادية مع توفير التدريب المتميز للشباب. وعلى ذلك، فإنني أتطلع إلى إقامة علاقات قوية تؤسس لقاعدة راسخة من التعاون في مجالات التجارة والاقتصاد لمصلحة البلدين. كما أن من شأن هذه العلاقات أن تعزز من تطلعاتنا نحو السلام، مع العزم على تحقيق التقدم الذي سيسهم بدوره في الارتقاء بالإنسان».
وقد شعرت، بوصفي عضوا في الوفد الإعلامي المرافق، بمدى الجدية التي أخذ بها المسئولون الكوريون مقترحات سمو ولي العهد، لأنهم موقنون أن تقدم شرق آسيا يمكن أن ينعكس أيضا في تطور غرب آسيا، لأن الأمم المقتدرة وحدها هي التي تستطيع أن تساعد بعضها بعضا على المضي قدما بطريقة بناءة.
وعلى ذلك، يتوقع أن تسهم جمعية الصداقة البحرينية الكورية، التي أعلن تأسيسها خلال الزيارة، في إرساء قاعدة صلبة للمزيد من التعاون في المستقبل، وخاصة أن مجلس التعاون لدول الخليج العربية يعتبر اليوم واحدا من أكبر خمسة شركاء تجاريين لكوريا الجنوبية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن مفاهيم التفكير والتقاليد الكورية، وهيكل الأسرة، وصلة القرابة مماثلة للأنماط الاجتماعية السائدة في هذا الجزء من العالم. ومن شأن ذلك وحده أن يقرب بين التكوين العقلي للشركاء التجاريين، لأن التفاهم الثقافي والاحترام المتبادل سينعكسان بدرجة كبيرة على سلوك الأفراد وعلى تعاملاتهم اليومية.
وتمهد زيارة صاحب السمو الملكي ولي العهد الطريق أمام القطاع الخاص للدخول في العديد من المشاريع المشتركة والصناعات التي نحن في أمَسّ الحاجة إليها في البحرين، وتتيح فرصة عظيمة يجب أن نرحب بها بصدر مفتوح.
كما أن إنجازات كوريا الجنوبية تعتبر مثالا بليغا في القدرة على التغلب على المكاره، التي قد يبدو أنه من غير الممكن تجاوزها، حيث استطاعت هذه الأمة، رغم ما تواجهه من مشاكل ونزاعات، أن تخرج منتصرة بقوة عزيمتها.
استطاعت كوريا الجنوبية أن تنجز كل ذلك، بينما هي واقعة تحت تهديد مستمر بالغزو من جانب جارتها الشمالية، وهو خطر يجبرها على زيادة نفقاتها الدفاعية.