الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٦٨ - السبت ١٢ مايو ٢٠١٢ م، الموافق ٢١ جمادى الآخرة ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

بعد تصريحات السفير الإيراني بالكويت:

العلاقات الخليجية ــ الإيرانية.. هل لا تشهد فعلاً أزمة حقيقية؟





مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية

في يوم ٥/٥/٢٠١٢ أدلى «روح الله قهرماني» السفير الإيراني في الكويت بتصريحات نفى فيها تدخل بلاده في الشأن البحريني، كما نفى وجود شبكات تجسس إيرانية في الكويت.. وادعى عدم وجود توتر في العلاقات الإيرانية بدول الخليج العربية، والأكثر من ذلك أنه زعم حرص طهران على أمن واستقرار المنطقة.

الغريب أن هذا التصريح جاء بعد مرور أقل من شهر على زيارة الرئيس الإيراني «محمود أحمدي نجاد» لجزيرة «أبوموسى» الإماراتية التي تحتلها إيران مع جزيرتي طنب الكبرى والصغرى، رغم علم الإيرانيين أن قضية هذه الجزر تعد قضية مركزية بالنسبة إلى دول الخليج العربية، وأن هذه الأخيرة لديها حساسية تجاه أي إجراء أو سلوك إيراني يمس سيادة الإمارات عليها، وتعتبر زيارة «نجاد» لأكبر جزرها من قبيل السلوك المستفز الذي يضر بعلاقات إيران الخليجية ولا يخدمها.. رغم حرصها (أي دول الخليج) على علاقات إيجابية ومستقرة مع الجار الإيراني.

وفي حقيقة الأمر لا يختلف السفير الإيراني بالكويت عن غيره من المسؤولين الإيرانيين في رؤيتهم العامة لواقع العلاقات الإيرانية ــ الخليجية، فغالبية هؤلاء المسؤولين عادة ما يلجأون إلى تسطيح الأمور فيما يخص هذه العلاقات ــ على الرغم من أهميتها لإيران بالتحديد في ظل الظروف التي تواجهها من حصار دولي وعقوبات ؟ بل التهوين من شأن أي إجراءات أو سياسات تلجأ إليها طهران في مواجهة الطرف الخليجي رغم علمها أن هذا الأخير سيصيبه الضرر من جرائها.

فكأن الإيرانيين يرون أنه لا توجد مشاكل أو أزمات أو توتر في علاقاتهم مع دول الخليج العربية، ولكن هذا النفي الدائم لوجود المشاكل والأزمات هو الذي يؤدي إلى تفاقمها في الوقت الذي يجب عليهم الإسراع في العمل على حلها وإزالة أسباب التوتر في العلاقات، لأن ذلك سيكون لمصلحة الطرفين لا محالة ولصالح إيران بصورة أكبر كما سبقت الإشارة.

فالثابت هو أن هناك العديد من الأزمات والمشاكل التي مازالت عالقة ومتفاعلة بين الجانبين وتلعب دورًا لا يمكن إنكاره في نشوء حالة عدم ثقة لدى الخليجيين تجاه إيران، فدول الخليج تقلقها سياسة إيران الإقليمية (سواء في عهد الشاه أو في النظام الإسلامي)، وتساورها الشكوك في حقيقة توجهات طهران نحوها وترى أنها تسعى بوسائل شتى لفرض الهيمنة عليها والتدخل في شؤونها، بل تصدير الأزمات إليها.

والمتابع للسياسة الإيرانية الإقليمية يلاحظ أنه منذ غزو واحتلال العراق في عام ٢٠٠٣ وسيطرة المحافظين على الحكم في الجمهورية الإسلامية في عام ٢٠٠٥، هناك تمدد في النفوذ الإيراني بالمنطقة، وأنه مع هذا التمدد تعاظم مستوى تهديدها لدول الخليج سواء بسبب تورطها في سياسات وأزمات تمس صميم أمن المنطقة أو تدخلها في الشؤون الداخلية لدولها وتسببها في إثارة الأزمات بها.

ولقد كان من بين السياسات والأزمات (أو أوجه التهديد) التي خيمت بظلال قاتمة على العلاقات الخليجية ــ الإيرانية، واسهمت في نشوء حالة من عدم الثقة لدى الطرف الخليجي تجاه إيران ما يلي:

- النفوذ الإيراني في العراق، فقد استغلت إيران سقوط نظام «صدام حسين» في العراق عام ٢٠٠٣ ؟ الذي خاض ضدها حربًا مدة ثماني سنوات ؟ وتفشي الفوضى في العراق لتوجد لنفسها موطئ قدم به، مستغلة علاقاتها القوية بأغلب القوى الشيعية التي سيطرت على الحكم في هذا البلد، حتى أصبحت هي (أي إيران) الطرف المسيطر، والأكثر من ذلك أنها لعبت دورًا كبيرًا في الفوضى الأمنية التي شهدها ومازال من خلال تقديمها الدعم بالمال والسلاح لبعض المليشيات الشيعية المسلحة، كفيلق بدر وجيش المهدي، التي مارست عمليات تصفية ضد رموز وأتباع الطائفة السنية، وهو الوضع الذي ظل يقلق دول الخليج أولاً لأنها ترفض استهداف السنة.. وثانيًا: لأنها قلقة من المخططات الإيرانية التي تهدف إلى حشد شيعة المنطقة تحت لوائها من خلال مشروع «الهلال الشيعي» وما يعنيه ذلك من زعزعة الوضع الأمني بدول الخليج.

- أزمة الملف النووي الإيراني، فالطموح النووي الإيراني يشكل هاجسًا مشتركًا لدول الخليج العربية وتهديدًا لأمنها، وخاصة أن حصول طهران على السلاح النووي سيؤدي إلى عدم استقرار المنطقة، ويسبب سباق تسلح بين دولها نظرًا لخطورة تحول إيران إلى دولة نووية تهيمن على محيطها الإقليمي.

ولعل ما يعزز من خطورة التهديد الذي تشكله أزمة هذا الملف هو الأسلوب المتعنت الذي تدير به الحكومة الإيرانية هذه الأزمة مع الغرب لجهة رفضها التجاوب مع مطالب الأخير بتجميد برنامجها لتخصيب اليورانيوم.

ومع أن المجتمع الدولي رد على ذلك بفرض حزم من العقوبات الاقتصادية والتقنية على طهران، إلا أن الخطر الأكبر يتمثل فيما يمكن أن يترتب على أي تطورات سلبية بشأن هذا الملف في ظل عدم استبعاد الولايات المتحدة وإسرائيل إمكانية اللجوء إلى الخيار العسكري، نظرًا لأن دول الخليج ستكون أحد الميادين الرئيسية والمتضرر الأول من أي حرب يمكن أن تنشب في المنطقة، في ضوء التهديد الإيراني باستهداف المصالح الغربية في المنطقة وإغلاق مضيق هرمز لتعطيل حركة تجارة النفط الدولية، وما يعنيه ذلك من اثار كارثية بالنسبة إلى دول الخليج.

ـ النشاط الاستخباراتي والتجسسي، فإلى جانب ما يثار عن وجود أذرع لحزب الله الإيراني في دول مثل الكويت والبحرين، ذكر دبلوماسي إيراني سابق أن الاستخبارات الإيرانية تقوم بتدريب شبكات سرية من العملاء عبر دول الخليج العربية، لمهاجمة المصالح الغربية والتحريض على إثارة الاضطرابات حال توجيه ضربة عسكرية ضد برنامجها النووي.

وفي السياق ذاته، أكدت مصادر غربية ما سبق حين كشفت يوم ٣/١٠/٢٠٠٩ أن عدد عملاء إيران في دول الخليج يتراوح ما بين ٢٠٠٠ و٣٠٠٠ مستعدين لاستهداف السعودية والإمارات والكويت، كما أن هناك عملاء إيرانيين يعملون في السفارات والقنصليات الإيرانية في الخليج تحت غطاء دبلوماسي، ويشرفون على تمويل الخلايا وتزويدها بالخطط المطلوب تنفيذها في حالة تعرض إيران لحرب بمشاركة خليجية.

وتشير تقارير استخباراتية إلى أن الخلايا الإيرانية في الدول الخليجية واعية تمامًا وليست نائمة، فهي تنشط في جمع المعلومات عن المنشآت الاقتصادية والعسكرية والبنية التحتية، حيث اكتشفت شبكتا تجسس تابعة للحرس الثوري بالكويت في مايو ٢٠١٠ وابريل ٢٠١١ تستهدف البنية الأساسية، هذا غير تفكيك خليتين إرهابيتين في البحرين في سبتمبر ٢٠١٠ وابريل ٢٠١١ كانتا تتآمران لقلب نظام الحكم، إضافة إلى اكتشاف خلية تجسس لصالح إيران يقودها بحريني مع إيرانيين حيث بدأت محاكمتهم في ابريل .٢٠١٢

- تعليق إيران القضايا الخلافية، فطهران مازالت ترفض حل القضايا الحدودية العالقة مع دول الخليج، وتستغلها لإثارة الخلافات معها، بدليل قضية الجزر الإماراتية التي تحتلها منذ مطلع السبعينيات والتي ترفض أي مقترحات من جانب الإمارات لحلها بالطرائق الدبلوماسية.. وكذلك قضية الحدود البحرية مع قطر والكويت والسعودية والبحرين، فرغم أن هذه القضية في متناول اللجان الفنية للبت فيها، فانها تواجه عثرات يصعب حسمها، كما أن الحدود الإيرانية مع العراق مرهونة بالوضع السياسي والدور الإقليمي لإيران على الساحة العراقية وقد يتحول إلى نقطة تأزم.

- وضع المخططات التي تستهدف دول الخليج، فقد كشفت المنظمة السنية الأهوازية عن تقرير استخباراتي يتضمن أبرز الخطوط السرية والمعقدة لاستعدادات إيران لحرب محتملة قريبة في المنطقة تهدف من خلالها إلى احتلال جنوب العراق وشمال الكويت والدفع بنحو ٤٠٠ ألف جندي في اتجاه السعودية، إضافة لشن هجمات على قطر والبحرين والإمارات.. ومن دلائل ذلك المخطط إشراف قائد حرس المرشد الأعلى على تنفيذ المخطط والوثائق والخرائط والرسائل العسكرية للحرس الثوري والجيش.. فضلاً عن تضخم عدد القوات النظامية غير المعلن إلى ١,٧ مليون جندي، إلى جانب مليوني عنصر من الباسيج، والإسراع بافتتاح العديد من خطوط إنتاج الأسلحة والمعدات العسكرية منذ عام ٢٠٠٥، واستدعاء كل الاحتياط في الجيش والحرس الثوري منذ فبراير .٢٠١٠

- استمرار ترديد الشعارات العنصرية، وذلك من قبيل الإصرار على مسمى الخليج الفارسي (حتى انها مؤخرًا دخلت في خلاف مع موقع «جوجل» الإلكتروني بسبب عدم مراعاته وصف «الفارسي» في خرائطه لمنطقة الخليج على موقع جوجل مابس)، بعد أن كانت الشعارات الإسلامية هي المسيطرة سنوات طويلة، كما أصبحت لغة القوة والتهديد هي الوحيدة التي تتحدث بها إيران من قبيل: التهديد بسحق الإمارات لو استمرت على مطالبتها بالجزر الثلاث، ودعوتها دول الخليج إلى مطالبة القوات الأمريكية بالرحيل من المنطقة لتنفرد هي بالسيطرة عليها.

- إغراق دول الخليج بالمخدرات، حيث أحبطت الدول الخليجية العديد من محاولات تهريب المخدرات القادمة من إيران، كان آخرها إحباط السلطات الإماراتية في نوفمبر ٢٠١١ عملية تهريب ٢١٣ كيلوجرامًا من المخدرات قادمة من إيران، وإعلان الأمن السعودي في ٢/٣/٢٠١٢ إحباط عملية تهريب ٥٠٠ كيلوجرام من مخدر الحشيش يقف وراءها شبكة إجرامية تتخذ من إيران محطة انطلاق لها، فضلاً عن إعلان مسؤول بإدارة مكافحة المخدرات بالبحرين في ٢٩/٤/٢٠١٢ إحباط عمليات تهريب لأكثر من ١٠٠ كيلوجرام من الحشيش متورط فيها ستة من الإيرانيين.

- التورط الإيراني في اليمن، حيث كان لطهران دور في دعم حركة التمرد الحوثي، وذلك من أجل إيجاد موطئ قدم لها في تلك المنطقة الاستراتيجية المهمة لحركة التجارة الدولية، فضلاً عن زرع مصدر قلق أمني بالقرب من الحدود الجنوبية للسعودية، وهو الأمر الذي تطور إلى عمليات توغل من جانب عناصر التمرد إلى داخل الأراضي السعودية.. وتؤكد شواهد أن التورط الإيراني في اليمن تجاوز حدود دعم الحوثيين في شمال اليمن وإلى إقامة علاقات مع قيادات جنوبية يمنية تستهدف العمل ضد دول الخليج والدولة اليمنية.

إن جميع ما سبق من سياسات إقليمية تدخلية وأزمات اسهمت إيران وتسهم في إيجادها والتورط فيها تعني ان إيران تشكل مصدر قلق وتهديد رئيسي لدول مجلس التعاون الخليجي، وأن العلاقات بين الجانبين تواجه بالفعل أزمة حقيقية.. وليست كما يدعي السفير الإيراني في الكويت بأنها خالية من التوتر، وبطبيعة الحال تتحمل طهران المسؤولية المباشرة عما وصلت إليه العلاقات في الوقت الحالي من تأزم من خلال رفضها الاعتراف أصلاً بوجود أزمة في العلاقات وإصرارها على أنها مستقرة.. وهو نوع من الاستخفاف غير المبرر وغير المفهوم.. ولا يهدف سوى إلى الاستمرار على تلك السياسات والإبقاء على هذه الأزمات بهدف ابتزاز دول الخليج وبناء مصادر قلق مستمرة بالنسبة إليها على الرغم من أنها كثيرًا ما أبدت ومازالت تبدي نياتها الصادقة في علاقات سليمة ومستقرة ومثمرة مع الجانب الإيراني.

ولا شك في أن مثل هذا السلوك الإيراني لا يستقيم معه القول إن طهران تسعى إلى استقرار المنطقة بل هي تسعى إلى فرض هيمنتها عليها وعلى مقدراتها تحقيقًا لحلمها الإمبراطوري الذي لم يتغير سواء في عهد الشاه أو في عهد الجمهورية الإسلامية.































.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة