قضايا و آراء
التعديلات الدستورية: المعارضة تستمر في تفويت الفرص
تاريخ النشر : السبت ١٢ مايو ٢٠١٢
أنجزت القيادة في مملكة البحرين ما وعدت به الشعب عندما أطلق عاهل البلاد المفدى حوار التوافق الوطني بعد الأزمة التي عاشتها البحرين، وانتهى ذلك الحوار المطول الذي شاركت فيه أغلب شرائح المجتمع البحريني وقواه الوطنية والاجتماعية والمهنية إلى وضع العديد من المرئيات البارزة، وفي مقدمتها المرئيات المتعلقة بالتعديلات الدستورية التي تكرس تلك الإرادة الشعبية في ثلاثة مستويات على الأقل:
الأول: تكريس الإرادة الشعبية من خلال المجلس المنتخب في الرقابة على عمل السلطة التنفيذية.
الثاني: منح المجلس المنتخب السلطة اللازمة في مجال التشريع والرقابة شكلا ومضمونا.
الثالث: جعل السلطة التشريعية أكثر قدرة على التحرك في اتجاه خدمة المجتمع وخاصة في مستوى برنامج عمل الحكومة وفي مستوى مناقشة وإقرار الميزانية.
ولذلك يعد تصديق عاهل البلاد على التعديلات الدستورية بعد ان تم إقرارها من مجلسي الشورى والنواب حدثا بارزا في تاريخ الإصلاح في البحرين، إذ طالما كانت هذه التعديلات في مقدمة المطالبات التي يكررها الجميع ويطالب بها الجميع منذ عام 2002، وقد كانت هذه التعديلات التي صدق عليها جلالة الملك منسجمة مع التطوير الطبيعي للديمقراطية في البحرين ولمستوى تطور الإصلاح الذي هو سنة الحياة في مملكة البحرين، والإصلاح مثلما ـ أكد عاهل البلاد ـ حركة مستمرة لا تتوقف عند حد، ولم يكن الإصلاح في يوم من الأيام مغلقا أو منتهيا مثلما يرى البعض.
وبالرغم من أن هذا الحدث يشكل مفصلا مهما لتكريس الإرادة الشعبية تفعيلا لمرئيات الحوار الوطني فإن بعض المعارضة التي تعيش خارج سياق التاريخ وخارج إطار الوعي والتحولات وتعيش على إيقاع التآمر الذي نسج خيوطه عدة أطراف منذ 2011، هذه المعارضة عبرت عن رفضها وضيقها من هذه التعديلات الدستورية، وهو أمر في منتهى الغرابة من جانبين على الأقل:
الأول: ان أغلب هذه التعديلات تطالب بها هذه المعارضة نفسها وقدمت مسودة بخصوصها خلال السنوات القليلة الماضية، ولما تبناها حوار التوافق الوطني ومجلسا الشورى والنواب وصدق عليها عاهل البلاد أصبحت من وجهة نظرها غير مناسبة.
الثاني: وهو في اعتقادي يدعو إلى الاستهزاء والضحك من رؤية كهذه، وتفكير كهذا تمثل في قول هذه المعارضة إن هذه التعديلات لم ترق إلى مستوى وثيقة المنامة كأنما وثيقة المنامة أصبحت مرجعا وطنيا ودستوريا تسير عليه هذه المعارضة كل أمورها.
والحقيقة التي سوف يثبت التاريخ صحتها أن القيادة قد أوفت بما وعدت منذ البداية، وهو أن الدستور ليس وثيقة نهائية ومطلقة ومقدسة، وهو قابل للتعديل وفقا للإرادة الشعبية والمصلحة الوطنية في ذات الوقت ولذلك فإن المعارضة كعهدنا بها تفوت الفرصة تلو الفرصة، وتبقى تكرر مطالبها الفئوية التي تتعارض مع أغلب شعب البحرين، وهي المطالب الواردة في وثيقة المنامة التي تكرر السيمفونية نفسها التي دأبت المعارضة على عزفها بمناسبة وغير مناسبة والتي مللناها، وهي حكومة منتخبة ومجلس كامل الصلاحيات وصوت لكل مواطن ودوائر انتخابية عادلة، وغير ذلك من المطالب التي تم الزج بها في وثيقة المنامة التي ترفعها المعارضة اليوم في وجه شعب البحرين وحكومته.
والذي غاب ويغيب عن هذه المعارضة انها خرجت بإرادتها السياسية العرجاء عن المحطات الرئيسية التي كان بإمكانها من خلالها أن تؤثر في التوجهات السياسية لمخرجات الحوار، والمحطة الأولى محطة الحوار الوطني الذي دعا إليه سمو ولي العهد وقد أفشلته تلك المعارضة بتشددها وضيق أفقها وارتباطها بالمصالح الخارجية، وهي اليوم تتشدق بمبادئ دعوة سمو ولي العهد بعد ان كانت أول من طعن في هذه المبادئ.
المحطة الثانية: إنها خرجت من العمل البرلماني بإرادتها واختارت أسلوب الابتزاز للحكومة والشعب البحريني بدلا من العمل الدستوري المحترف الذي كان مفتوحا أمام هذه المعارضة، وفضلت أن تخرج من تحت سقفه لتمارسه في الشوارع بدلا من أن تمارسه داخل المؤسسات الدستورية والشرعية.
المحطة الثالثة: ان هذه المعارضة العرجاء قد خرجت من حوار التوافق الوطني الذي كان فرصة حقيقية للوصول إلى إجماع وطني حقيقي، ولكنها عندما أدركت انها لا تشكل أغلبية فضلت الخروج والهروب ومواصلة الصراخ عبر الشارع، وبذلك تكون هذه المعارضة هي من أفشل كل الفرص والمناسبات التي كانت متاحة لتكون من خلالها فاعلة ومؤثرة، ولذلك تكرر اليوم أسلوب إثارة الفوضى في الشوارع وأسلوب الابتزاز.
إن هذه التعديلات في تقديرنا سوف تسهم في بناء توازن حقيقي بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، الأمر الذي سينعكس على المجتمع ونتوقع أن يكون برنامج العمل الحكومي من هنا فصاعدا أكثر تعبيرا وطموحا في ارتباطه بالإرادة الشعبية، أما قول بعض المعارضة السخيفة إن التعديلات لم تأت بجديد للناس فهو كذب وافتراء تدركه المعارضة قبل جمهور المواطنين، وإذا كانت هذه المعارضة قد اختارت دائما أن تكون في الصف الخاسر فهذا أمر يخصها، فهي كمن وضع حدا لطموحها من داخل العمل المؤسسي بانضمامها إلى الشارع ورفضها التوافق الوطني والحوار الوطني.