الجريدة اليومية الأولى في البحرين


الثقافي

الباحثة: ضياء الكعبي:

لا أحبُ أن أنتمي إلى الأوساط الثقافية الموبوءة

تاريخ النشر : السبت ١٢ مايو ٢٠١٢



حاورها: علي الستراوي
نواصل الحوار مع الناقدة البحرينية المرموقة ضياء الكعبي.
ما هي الإشكالية التي تعترينا عندما نتحدث عن الأدب العربي مقارنة بالأدب الأجنبي؟
{ الآداب الأجنبية الحديثة وصلت إلى العالمية بفعل المركزية الغربية التي وضعتها في المركز وجعلت سواها في منطقة الظل أو التوابع والهوامش وكان ذلك إبان الخطاب الكولونيالي أمّا الآن في عهد ما بعد الكولونيالية فكثير من الآداب الأجنبية أصبحت هجينة بفعل انتماء عدد كبير من كتابها إلى أصول آسيوية أو إفريقية. وبالتالي أرى أنه لا يوجد الآن هذا التقابل الحاد بين أدب أجنبي حديث وآخر عربي في ظل هذه الهجنة لهويات أدبية مختلطة. فهناك أدباء عرب يكتبون بلغات أجنبية مثل أمين معلوف والطاهر بن جلون وإيتيل عدنان وأهداف سويف وآسيا جبّار وغيرهم وأدبهم يلقى رواجاً كبيراً عند المتلقي الغربي والعالمي.
- ما هي الموانع التي تقف امام الإبداع في الوطن العربي وفي وطننا خاصة؟
{ قليلة هي المؤسسات العربية التي تُعنى بالإبداع الأدبي؛ ولذلك نجد المبدع العربي في أوضاع بائسة مقيتة يجاهد لكسب لقمة العيش. ومعظم المبدعين العرب ينتمون إلى طبقات مسحوقة ومهمشة اجتماعيا وربما كان ذلك هو السبب وراء تدفق إبداعاتهم؛ فالإبداع وليد المعاناة. حصل الشاعر اليمني المرحوم عبدالله البردوني مرة على جائزة عربية فاضطر لبيع بقرتين هما رأسماله الوحيد لشراء تذكرة سفر، يحصل هذا في الوقت الذي يحصل فيه المطربون والمطربات والراقصات على آلاف الدولارات في حفل واحد، وأتساءل كم عدد القنوات الفضائية الثقافية العربية وكم نسبتها مقارنة بقنوات الرقص وهز الوسط؟ والمؤسسات الثقافية العربية تعاني هي أيضاً النخبوية والفئوية الإقليمية فهل تصدق أن تقرير التنمية الثقافية الثالث الخاص بالوطن العربي والصادر عن مؤسسة الفكر العربي خلا من أسماء مثقفين خليجيين يساهمون في إعداد التقرير؟ كأنَّ الخليج العربي خارج عن دنيا الثقافة العربية ومختزل في ثقافة البترودولار، ولا توجد فيه عقول ثقافية فاعلة.
- يقال إن الشاعر العربي مظلوم في السيرة الثقافية لشعوب العالم، فهل تتفقين مع هذا الرأي؟
{ الشاعر العربي حصل على نصيبه وافراً في الثقافة العربية التي كانت فيها مركزية الشعر هي المركزية الغالبة قياساً بالنثر. عندما نقول إن الشاعر العربي مظلوم فإنّ هذا القول قاصر لأنَّ المثقف العربي بصورة عامة يكاد يكون مغيّباً من ساحة الإبداع العالمي وليس حاضراً إلا من خلال تراجم أو مشاركات محدودة، ومع ذلك فإن هذه التراجم عرفت الآخر الغربي بنتاجنا الشعري الإبداعي. وأقول بدلاً من البكاء على اللبن المسكوب علينا أن نتحرك بوصفنا فاعلين حضاريين ونشارك ونتواصل عالميا لإسماع أصواتنا الأدبية، أمَّا أن نبكي على الأطلال وندعي المظلومية فهذا عجز وقصور علينا تجاوزهما للانطلاق إلى آفاق العالمية.
- بعض من شعرائنا يرى نفسه أكبر من المتنبي، ويعتبر المتنبي جسراً متهالكاً مرت عليه السنون فأعطبت عجلاته، فماذا تردين على هذا الشاعر؟
{ المتنبي واحد من أعظم شعراء العربية، وقد خلّد طموحه في شعره الخالد، ويكفي أنَّ أبا العلاء المعري أُعجب به إعجاباً جعله يطلق على شرحه لديوان المتنبي تسمية «معجز أحمد». ولنتأمل هذه التسمية في مدلولاتها وحمولاتها. والمتنبي شاعر أنتجته سياقات عصره السياسية والاجتماعية والثقافية ولو وجِدَ في عصر آخر لربما تغير مساره الإبداعي. ورغم إعجابي الشخصي الشديد بشعر المتنبي فاني أرفض تقديس الأشخاص وتحويلهم إلى أبقار مقدسة كما أني في الوقت نفسه أرفض الغرور والادعاء المتضخم لأدباء يسوقون نتاجاتهم بمركزية الأنا المتضخمة؛ فالمنجز الإبداعي يحكم عليه الآخرون فهم الخصم وهو الحكم، أمّا غير ذلك فليس سوى إفلاس وترهات، وهذا الخطاب ليس ردا على شخص أجهله لأني أرفض الردود الشخصية إنما هي قناعة عامة أردت إيصالها من خلال سؤالك.
- الخطاب الثقافي العربي يمر بأزمة أخلاقية أكثر منها تاريخية، فهل ترين مخرجاً يوحد هذا الخط{ أولاً قوة أي خطاب في تنوعه وتعدده وهذا ينطبق على الخطاب الثقافي العربي الذي ينبغي أن يضم الأطياف الثقافية كافة. يتداخل العاملان التاريخي والأخلاقي إلى جانب السياسي في أزمة الثقافة العربية اليوم. فالتاريخ أحدث توتراً في علاقة المثقف العربي بالسلطة السياسية وكذلك علاقته بالسلطة الدينية وهي إشكالية كانت ولاتزال موجودة وستبقى إلى قيام الساعة؛ فالحذر والريبة يشوبان العلاقة بين هذين الطرفين في البلاد العربية. أمّا الأزمة الأخلاقية فالفساد الثقافي العربي يأتي في اعتماده على المحسوبيات وعلى العلاقات الشخصية وخاصة مع بعض المثقفين والمثقفات العرب الذين غيّبوا عقولهم واختزلوا أنفسهم في علاقات شخصية موبوءة، وما يقوم به البعض هو تشويه للثقافة العربية التي يجب ألا تبتذل أبداً.
- المؤلف البحريني كثيراً ما يشتكي من أزمة تعتري إصداراته، فليس له المقدرة على طباعة كتبه وان طبعت تكدست على رفوف المكتبات، فأين يقع الخلل حسب وجهة نظرك؟
{ يجب أن يدعم نتاج المؤلف البحريني من خلال وزارة الثقافة. وسابقاً كان هناك مشروع النشر المشترك لتشجيع إصدارات المؤلف البحريني ولا أعلم إن كان هذا المشروع لايزال قائماً. وأقترح مشاركة القطاع الخاص في تمويل مشروع الإصدارات البحرينية وسرعة إصدارها كي لا تتكدس على الأرفف.
- ما هي أنجع الحلول بحسب وجهة نظرك في علاج واقعنا الثقافي؟
{ لابد من وجود حوار ثقافي تعقده وزارة الثقافة وتحضره الأطياف الثقافية البحرينية كافة مع عدم إهمال المثقفين المستقلين لتحقيق شمولية التمثيل، ولأن هؤلاء المثقفين يمثلون جانبا كبيرا ومهما في المشهد الثقافي البحريني ولكنهم للأسف مغيبون لأنهم غير مدعومين من مؤسسات وجمعيات. وكنت أرجو أن يضم حوار التوافق الوطني محورا مستقلا خاصا بتطوير العمل الثقافي البحريني، فالثقافة مكوّن رئيس لا يمكن تجاهله في أي دولة من الدول، ولا تقل أهميته عن المحور السياسي أو الاجتماعي أو الحقوقي أو الاقتصادي. والحوار الذي أقترحه مهم جدا وأرجو أن تبادر إليه وزارة الثقافة كي لا تترسخ قطيعة بين المثقف البحريني والوزارة، وهي قطيعة ستكلف العمل الثقافي البحريني الكثير من الخسائر الثقافية. وأرجو من وزارة الثقافة أن تشرك المثقف البحريني في كل الفعاليات وألا يكون صفراً على هامش الثقافة.
- أخيرا لتقرأ ضياء الكعبي سيرتها النقدية والأكاديمية وما هي مشاريعك القادمة؟
{ أشتغل منذ سنوات على تفكيك السرديات العربية القديمة والحديثة وفقاً لاشتغالات النقد الثقافي إلى جانب المقاربات التأويلية وهو مشروعُ كتابٍ أعملُ فيه بدأب مستمر وأخضعه باستمرار لمراجعة دائمة، وقد حرصت فيه على تسليط الضوء على مناطق مسكوت عنها في الثقافة العربية، وأستكمل حاليا بعض الأبحاث المكملة له لنشرها بعد عام من الآن بمشيئة الله تعالى. كما أن لدي الآن مشروع كتاب مشتركا مع بعض الزملاء والزميلات في نطاق التخصص من المغرب، ولدي والحمد لله قائمة طويلة لمشاريع قادمة منها مشروع تحقيق بعض المخطوطات التي حصلت عليها أثناء الإعداد لرسالة الدكتوراه، وهي مخطوطات تبين لي بعد البحث والاستقصاء أنها لم تنشر بعد، وهناك مشروع آخر أجمع مادته الآن لتأليف كتاب أعده مشروع حياتي الذي سأبذل فيه أقصى جهودي للخروج به على أكمل وجه ممكن من الإتقان البحثي خدمة للحضارة العربية الإسلامية.