الثقافي
أسرٌ مضطربة في (همسات نافذة) لنورا بوغيث
تاريخ النشر : السبت ١٢ مايو ٢٠١٢
افتتحت القاصة الكويتية نورا بوغيث مجموعتها القصصية (همسات نافذة)، الصادرة عن دار سندباد للنشر والإعلام في القاهرة بطبعتها الأولى عام 2010، بالعلاقات الأسرية التي تشوبها حالات الاضطراب، وعدم توافق بين الأفراد أنفسهم، حيث منيرة ليست مع وفاق مع أمها، في الوقت الذي تحاول مريم مد جسور العلاقة الاجتماعية بين منيرة وأمها، لكن الحزن الذي استطاع أن ينخر قلب الأم بوفاة ابنتها جعلها في حالة غير مستقرة حتى لو تظاهرت بغير هذا، وهذا ما ظهر في قصة «إجباري» التي تشير إلى الخلل في العلاقات نفسها، المتمثل في علاقة الفتاة غير السوية بجدتها أم الأب، بل وصل الجفاء إلى جرأة الفتاة برفع الصوت والصراخ من دون أدنى احترام أو تقدير للمكانة والسن وصلة القرابة.
وتستمر القاصة في كشف ترهلات العلاقات الإنسانية والاجتماعية بين أفراد المجتمع حيث كشفت في قصة (جدار مهترئ) عن صفات اجتماعية وأمراض يتلذذ المرء بممارستها، مثل: الكذب والنفاق، وإعطاء الذات تلك المكانة المزيفة، كما هو في شخصية القصة التي تتباهى وتتظاهر بالتدين، وتتجمل بالنفاق أمام صديقاتها، وترفض حضور حفل زواج لأن الموسيقى ليست على الطريقة الإسلامية، في الوقت الذي كانت تجلس مع الأخريات في حفلات غنائية صاخبة، وهذا ليس غريبا على المجتمع الخليجي الحامل للتناقضات، التي قد تكون رد فعل أو صدمة أو حالة، لذلك يكون اللجوء إلى التدين بلباس النفاق، حيث بعض نساء المجتمع الخليجي يتبرجن ويبالغن في وضع المساحيق حتى لو كن مغطيات، ويدافعن عن تشريعات، وينادين بالالتزام الشرعي، ويدعون إلى ارتداء الحجاب. بل يصل الأمر إلى محاولة بعض الفتيات لفت أنظار المارة في الطرق والمحال التجارية وأمكنة الدراسة كما كانت تفعل شذا شخصية قصةِ (تدافع) التي تصاب بالانتشاء حين تفرض على حذائها إصدار الصوت وهي تنزل أو تصعد عتبات السلم في الجامعة.
وقد يكون الخلل في العلاقات الأسرية بسبب فقد أحد الوالدين أو رحيله عن محيط الأسرة، مما يؤدي إلى تفاقم سوء العلاقة، كما هو في قصة (الحاضر يتكلم)، أو يصل الأمر إلى تغير تصرفات الأبناء والبنات بعد زواجهم جميعًا، وإبقاء الأم وحدها، مما يصر أبناؤها على إيداعها في مركز رعاية العجزة ليكون مقرها الدائم وهي على الكرسي المتحرك، أما قصة (صحوة) فقد تناولت إفساد العلاقة الزوجية نتيجة الشك في أخلاق أحدهما، والغيرة الشديدة التي توصل المرء إلى نهاية مأساوية، أو يصل الأمر في العلاقات الإنسانية إلى محاولة الشاب مضايقة الشابة من خلال موقف معين قد لا يكون منسجما مع بعض العادات والتقاليد كما هو في قصة (ثمن مدفوع)، فبعد مضايقة هذا الشاب تلجأ الفتاة إلى التخلص منه ومن حياتها من خلال الانتحار، أما قصة (يحدث أحياناً)، فنرى الفتاة التي تحلم بفارسها وزوج المستقبل، تفاجأ حين يعرفها الشاب إلى خطيبته.
وفي الوقت الذي كانت المجموعة تتناول قضايا أسرية وعائلية، فإنها طرحت بعض قضايا المجتمع، مثل: الغنى الذي قد يفسد على الإنسان حياته، ويؤدي به إلى الموت كما حدث لوالد شذا الذي جاء خبر وفاته وهو في إحدى شققه خارج الكويت بسبب جرعة زائدة من المخدرات، وكذلك ضاري في (قصة إغفاءة)، الذي كان يعيش حالة مأزومة مع زوجته نفسيا واجتماعيا، مما فرضت عليه الظروف من دون أن يعي تلك النتائج، ليكون أحد ضحايا تناول المسكرات والكحوليات، بل إنه في بعض الأحيان أن الفقر وضعف الوازع الأخلاقي والديني يسهمان في هذا اللجوء، لذلك نحن بحاجة إلى تأهيل فئات المجتمع وطبقاته وشرائحه لكل ما يفتك بالوطن والأفراد والكائنات الحية، وتوعية المجتمع بأهمية المحافظة على كل المقدرات. أما اللجوء إلى التوبة فلا تكون إلا إذا كان المرء صادقا مع نفسه أولاً، وأن يكون الوعي بأخطارها نبراسا.
كما طعمت القاصة المجموعة بقصة عنونتها بـ (بين الجموع) لتتناول حالة فيلم يجمع فتاة وشابا، لكن الزلزال ومحاولة الاثنين التخلص من المأزق والنجاة، جعلا الفتاة تنحشر بين الصخرة وتبقى منادية بالنجاة، لينتهي الفيلم بنجاة الاثنين.
وعبر هذه المجموعة نلحظ أن القاصة ركزت في مجموعتها في المرأة كأنها الثيمة الرئيسة في محور هذه المجموعة، وإن جاء الرجل بين ثنايا النصوص، إلا أن حضوره تأكيد ما تعانيه المرأة من سطوة الرجل، وسلطة المجتمع الذي لا يرحمها، ولكن هذا لا يلغي ما لديها من موهبة قصصية، والبحث عن موضوعات تراها ذات أهمية في المجتمع، لكن التجربة بحاجة إلى الابتعاد عن قفل النص القصصي، حيث تعطي القاصة نصها خاتمة مغلقة، لا يتطلب من القارئ أن يبحث عن نهايات، وبخاصة أن النص كلما كانت نهايته مفتوحة أعطى فرصة التأويل والتحليل والتفسير من قبل القارئ الذي مطلوب منه أن ينتج نصا آخر على النص الأول، كما أن هناك بعض الأخطاء اللغوية والإملائية.