دراسات
أحمد بن بيلا.. تاريخ نضالي مشرف من أجل تحرير الجزائر ونهضة الأمة
تاريخ النشر : السبت ١٢ مايو ٢٠١٢
القاهرة ـ وكالة الصحافة العربية:
رحل أحمد بن بيلا (94 سنة) قائد الثورة الجزائرية وأول رئيس لجمهوريتها المستقلة، وكان أحمد سعيد مدير اذاعة صوت العرب في عهد عبدالناصر هو أول وجه قابله حينما جاء يستعين بالمسئولين في مصر لمساندة ثورة بلاده، إنها رحلة طويلة، يحكي لنا بعض ملامحها أحمد سعيد من خلال هذه الذكريات:
يقول الخبير الإعلامي أحمد سعيد: تعتبر شخصية أحمد بن بيلا جديرة بالدراسة، فمن ناحية الشكل كان طويلا عريضا، ملامح وجهه تشي بالطيبة والإحساس بالراحة رغم أن ملامحه تعطي لك ملامح «الجبل» في ارتفاعاته وانخفاضاته ونتوءاته وشقوقه بفعل الرياح، وما يعكسه ذلك من قلق، وكانت أول رؤيتي لـ«بن بيلا» وهو قادم من السفر لم يستقر بعد في مكان، وكان ذلك عصر الاثنين 31 أغسطس 1953، حينما قيل لي إن هناك من يطلب مقابلة واحد من صوت العرب ولم أكن معروفا حتى ذلك الوقت، وطلبت إليهم أن يأتوني به، شاب بسيط يرتدي قميصا وبنطلونا، وتظهر عليه علامات القلق ولكن مع عناد وإصرار وحماسة إلى درجة التعصب والعصبية، وإن كانت التجارب قد جعلته أكثر حكمة وهدوءا حينما زارني في منزلي قبل ثلاث سنوات ومضى حزينا بعد وفاة زوجته وأصابته الأمراض حتى غادرنا منذ بضعة أيام، لقد جاء إلى القاهرة حتى يتعامل مع حكومة عبدالناصر من أجل صناعة الثورة الجزائرية، لقد كان مؤهلا كقائد رغم بساطة تعليمه، فلم يحصل إلا على الشهادة الابتدائية ورسب في الإعدادية وكان حريصا على الاستزادة من المعرفة باللغة العربية التي لم يكن يعلم عنها شيئا، كان يحفظ بعض سور القرآن الكريم لأداء الصلاة، ووجد نفسه في القاهرة وسط مجتمع عربي مائة في المائة، والمطلوب منه أن يسترد للجزائر عروبتها والتزامها الديني، فبدأ يدرس اللغة العربية في حماسة لا يمكن توقعها من إنسان مشغول بهموم أخرى لصناعة ثورة بلاده، وهذا يدلك على أن شخصية بن بيلا لم تصنع بين يوم وليلة، ولكنها نتيجة خبرات ومعاناة وسجن، جعلت منه بطلا وزعيما لبلاده التي رأت فيه أحلامها بصرف النظر عن معاناتها، ورغم الانقلاب الذي قاده هواري بومدين وزير دفاعه وصديقه،فأن الجزائر ظلت سنوات تلهج بلسان بن بيلا وتدعو له لأنه جسد حلم الجزائريين بالاستقلال، وهو ما ترسب في أعماقه من خلال رحلة كفاحه من أجلهم، ولذلك كان من الصعب أن ينزع هواري بومدين اسم بن بيلا من قلوبهم وإن أسكته من ألسنتهم بفعل القبضة البوليسية التي حاولت أن تمحو اسم بن بيلا من تاريخ الجزائر.
فقد كان بن بيلا بطلا وزعيما وقائدا جيدا، ولكنه لم يكن حاكما جيدا، لأن للحكم أساليبه وألاعيبه، وهنا يدخل «ميكيافيللي» بكتابه «الأمير» ليؤكد أن الحكم ليس بطولة أو فدائية، بل احترافا بما يقتضيه من «الغاية تبرر الوسيلة» ولكن استقر في ضمير الشعب الجزائري وضمير العالم أن بن بيلا هو بطل الثورة الجزائرية، فالتشكيل الرئيسي الأول للتنظيم الثوري كان يضم مجموعة كان بن بيلا هو قائدها، حتى الحزب المدني الذي كانوا ينتمون إليه في فترة من الفترات كلفوا بن بيلا بالتنظيم السري لمقاومة الاحتلال الفرنسي ولم تكن صفات القائد قد تكونت لديه بين عشية وضحاها، فهو من مواليد 25/12/1918 من قرية «مغنية» على الحدود الجزائرية المغربية، والده فلاح فقير يستعين على الحياة بدكان صغير، وله أربعة إخوة منهم أختان، حصل على الابتدائية ثم ذهب إلى «تلمسان» أقرب مدينة إلى قريته للحصول على الشهادة الإعدادية لكن القريب الذي كان يقيم عنده وينفق عليه قد أفلس، فعاد إلى قريته، وقد وقعت له عدة حوادث كانت لها دلالتها في حياته، ففي قريته لم يشعر بوطأة الاستعمار الذي غالبا ما تخف قبضته عن الأطراف الحدودية البعيدة، ولكنه عندما كان في «تلمسان» بدأ يعاني الغطرسة الاستعمارية لدرجة أنه اصطدم بالمدرس الاسباني الأصل، الفرنسي الجنسية، وكان متعصبا ضد الدين الإسلامي لدرجة أنه سب النبي محمد صلى الله عليه وسلم مما استفز الصبي بن بيلا «12 سنة» وجعله يحتج عليه قائلا: «سيدي.. تستطيع أن تقول هذا للأطفال لأننا صغار ولا نفهم ولا نستطيع أن نقاومك أو نناقشك.. ولكن يجب أن تفهم أن محمدا نبي وله قدسية عندنا، وأنا أرفض هذا الكلام، ولا يليق بك وأنت أستاذ أن تقول هذا الكلام لأطفال» وعوقب بقسوة إلى درجة أنه أصيب بالمرض أسبوعين، واضطهدته المدرسة، وأحس بأنه سيرسب قبل الامتحان النهائي.
وحينما عاد إلى القرية كان مركزه في فريق الكرة لاعب خط الوسط، وأهل الكرة يعلمون أن هذا المركز بمثابة العقل لفريقه، فهو يجيد الدفاع والهجوم ويغذي فريقه بالكرة.
وكان عبدالقادر بركة هو من تعلم منه بن بيلا السياسة وكان يكبره بسنة واحدة فقد كانت جميع القيادات أعمارهم متقاربة، وقد تعلم بن بيلا العمل السري من خلال مدرسة قرآنية، وهي المدارس الوحيدة باللغة العربية المسموح بها في الجزائر، وأحيانا تتحول إلى مدارس سرية تحت ضغط الإرهاب الفرنسي، ولأن فرنسا كانت تعتبر الجزائر جزءا من أراضيها فقد تم إلحاق بن بيلا بالجيش الفرنسي حينما بلغ سن الخدمة العسكرية، وتم إلحاقه بفيلق يحمل اسم «الجبليين» رقم 141، كانت تلك نقلة كبيرة في حياة بن بيلا وهو يكن بالفضل لهذه الفترة رغم ما بها من مرارة خدمته تحت العلم الفرنسي، حين اشترك في الحرب العالمية الثانية وتحرير إيطاليا من موسوليني، حتى حصل على وسامين أحدهما سلمه له ديجول نفسه بطل فرنسا في الحرب العالمية، ولم يكن يعلم أن هذا الجندي الذي يقوم بتكريمه سيصبح رئيس جمهورية الجزائر، ويجبر ديجول على الاعتراف باستقلال بلاده.