المال و الاقتصاد
مجموعة QNB: ارتفاع أسعار الغذاء العالمية
تدفع الأسعار في مجلس التعاون الخليجي إلى الأعلى
تاريخ النشر : الأحد ١٣ مايو ٢٠١٢
لا تزال أسعار الغذاء في أسواق السلع العالمية بالقرب من أعلى مستوياتها التاريخية رغم التراجع الطفيف الذي شهدته خلال شهر إبريل الماضي. كما أن أسعار الغذاء في أسواق التجزئة في دول مجلس التعاون الخليجي تواصل ارتفاعها. وترى مجموعة QNB أن أزمة الغذاء العالمية التي بدأت في عام 2007 ما تزال تراوح مكانها.
شهدت أسعار الغذاء العالمية، طبقاً لبيانات منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو)، استقراراً نسبياً خلال الفترة بين عامي 1990-2005. وحتى عندما ارتفعت أسعار الغذاء في تلك الفترة لم يتجاوز هذا الارتفاع نسبة 15% عن متوسط أسعار الغذاء خلالها. علاوة على ذلك، وعلى أساس الأسعار الثابتة، فإن أسعار الغذاء في عام 2005 كانت منخفضة بنسبة 50% عن أسعار الغذاء في عام 1975 نتيجةً لزيادة الإنتاج وارتفاع النشاط التجاري في السلع الغذائية.
لكن بحلول عام 2007، ظهر مسار جديد في أسعار الغذاء العالمية، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة 25% خلال ذلك العام. كما واصلت الأسعار ارتفاعها لتبلغ ذروتها في يونيو من عام 2008، لتصل إلى ما يقارب ضعف مستويات الأسعار في عام 2005.
وقد أدت الأزمة المالية العالمية إلى عملية تصحيح قوية في أسواق الغذاء العالمية خلال فصل الخريف من عام 2008، حيث تراجعت الأسعار بمعدل الثلث. وطوال الثمانية عشر شهراً التالية، تعافت الأسعار بشكل تدريجي حتى أغسطس عام 2010. جاءت عقب ذلك موجة صاعدة أخرى لترتفع الأسعار إلى مستويات تاريخية جديدة في فبراير عام 2011 حيث تجاوزت المستويات المرتفعة السابقة في عام 2008 بنسبة 6%.
ورغم أن الأسعار تراجعت خلال بقية عام 2011 بنسبة 10%، إلا أنها عاودت الارتفاع مع بداية عام 2012، إلى أن تراجعت بشكل طفيف (1.4%) خلال الشهر الماضي, ومن المبكر جداً تحديد ما إذا كان هذا التراجع هو مجرد تذبذب في الأسعار أو مسار جديد هابط في الأسواق. ومن المتوقع أن يؤثر مسار أسعار الغذاء خلال العام المقبل على الأمن الغذائي في كثير من الدول، بل وحتى سيكون له تأثير على الاستقرار السياسي في بعضها.
ساهمت عوامل كثيرة في ارتفاع أسعار الغذاء وتذبذبها خلال السنوات الخمس الماضية، بما في ذلك العوامل المتعلقة بالطلب مثل ارتفاع دخل الطبقات المتوسطة على مستوى العالم مما جعلها قادرة على طلب المزيد من اللحوم، بالإضافة إلى العوامل المتعلقة بالعرض مثل حالات الجفاف والفيضانات.
هناك عاملان لهما أهمية خاصة. أولهما، تحويل المحاصيل الزراعية إلى وقود حيوي مما أدى إلى تقليص إمدادات الغذاء. وحالياً يتم استخدام أكثر من ثلث محصول الذرة في الولايات المتحدة (والتي تنتج 40% من المحصول العالمي) لإنتاج الإيثانول، مقارنة مع 6% فقط من محصولها في عام 2000. ويأتي هذا بسبب سياسات أمن الطاقة التي تتطلب إضافة الإيثانول إلى البنزين - ويمثل حالياً ما يقارب 10% من الوقود المستخدم في الولايات المتحدة - كما قدمت دعم هائل للمزارعين.
وتعتبر الذرة أكبر محاصيل الحبوب على مستوى العالم، حيث تمثل حوالي ثلث الإنتاج السنوي العالمي من الحبوب والذي يصل إلى 2.5 مليار طن. وفضلاً عن إمكانية تناولها مباشرة، فإنها تستخدم أيضاً في إنتاج زيت الذرة وكعلف للماشية. ونتيجة لذلك، فإن تراجع المعروض من الذرة يمكن أن يؤثر في أسعار أربعة قطاعات من قطاعات الأغذية في مؤشر الغذاء التابع لمنظمة الفاو وهي: الحبوب وزيت الطعام واللحوم ومنتجات الألبان، بالإضافة إلى قطاع خامس وهو السكر.
أما العامل الثاني فهو المضاربات في عقود السلع الآجلة، حيث أعطت عمليات تحرير الأسواق منذ تسعينات القرن الماضي المضاربين القدرة على الاستثمار بمعدلات أكبر في الكثير من السلع. ودفعت انهيارات أسواق الأسهم في عام 2000 وعام 2008 المضاربين إلى تنويع استثماراتهم في أصول مختلفة. وكانت السلع، بما في ذلك الأغذية، وجهة لهذه الاستثمارات، حيث تُعتبر منخفضة الارتباط بالأسواق الأخرى. كما أن ارتفاع معدلات السيولة نتيجة لانخفاض أسعار الفائدة، ومؤخراً نتيجة لبرامج التخفيف الكمي، أدت إلى ارتفاع الاستثمارات التي تتجه إلى صناديق الاستثمار في مؤشرات السلع.
هناك اختلافات هامة في تحليلات الاقتصاديين حول تأثيرات هذه العوامل وعوامل أخرى على أسعار الغذاء. فقد وجد تحليل صدر مؤخراً عن معهد نيو انغلند للأنظمة الدقيقة أن زيادة إنتاج الإيثانول يمكن أن يفسر بدقة المسار الصاعد طويل الأمد في أسواق الغذاء، في حين أن المضاربات تفسر التذبذب في الأسعار خلال الفترة الماضية. وهذا التحليل يتوافق بشكل كبير من النتائج التي توصلت إليها عدة أبحاث صدرت عن البنك الدولي.
يبدو هذا التحليل غير مقنع تماماً وبالتالي سيستمر النقاش، لكن من المرجح أن ارتفاع أسعار الغذاء جاء نتيجة لتزامن عدة عوامل مع بعضها. على أية حال، ترى مجموعة QNB أن أهمية هذين العاملين تنبع من ارتباطهما الوثيق بالسياسات الحكومية. وبالتالي من الممكن إدارتهما لمنع أزمات غذاء في المستقبل، وليس مثل الأحداث الطبيعية أو تفضيل المستهلكين بين الأغذية.
وفي حال استمرت أسعار الغذاء عند المستويات المرتفعة الحالية، أو ارتفعت مجدداً للمرة الثالثة في عام 2013، فإن ذلك سيؤدي إلى صعوبات جمة في الدول الفقيرة وإلى اضطرابات.
من المحتمل أن يلعب انتهاء دعم الحكومة الأمريكية للايثانول هذا العام دوراً ايجابياً في تجنب ارتفاع جديد في أسعار الغذاء، وتتوقع وحدة معلومات الايكونومست انخفاض أسعار الذرة. لكن على النقيض، يمكن أن يؤدي ارتفاع أسعار النفط الخام إلى زيادة الطلب على الوقود الحيوي.
كما أنه ليس بالضرورة أن يؤدي تراجع أسعار الغذاء في الأسواق العالمية إلى انخفاض أسعار الغذاء في أسواق التجزئة. فأغلب الأغذية التي يشتريها المستهلكون هي أغذية مصنعة، وبخاصة في الدول الغنية، وبالتالي فإن أسعار الغذاء في الأسواق العالمية تمثل جزءا من سعر المنتج النهائي. كما أن إجراءات التحكم في الأسعار والدعم يمكن أن تؤدي إلى فروق بين توقيت انتقال الارتفاع في أسعار الغذاء العالمية إلى الأسواق المحلية.
في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي ككل، يمثل قطاع الأغذية (بالإضافة إلى المشروبات) 20% من متوسط أوزان سلة البضائع والخدمات التي تحدد معدلات التضخم. ويتراوح وزن القطاع من 13% في دولة قطر إلى 30% في سلطنة عمان، الأمر الذي يعكس الاختلافات في استهلاك الأسر والدعم الحكومي وإجراءات التحكم في الأسعار.
وقد شهدت أسعار الغذاء في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي ارتفاعاً كل عام خلال العقد الماضي. وهذا الثبات يعني أنه بالرغم من ارتباط الأسواق الخليجية بالأسواق العالمية، إلا أنها أقل في التذبذبات. فقد ارتفعت الأسعار في المنطقة بنسبة 15% في عام 2008، لكنها لم تتراجع في عام 2009 بل ارتفعت بمعدل أبطأ. وواصلت أسعار الغذاء الارتفاع خلال عامي 2010-2011 وتتوقع مجموعة QNB أن ترتفع أسعار الغذاء في المنطقة بنسبة 4,1% خلال عام 2012.