الاقتصاد الخليجي
 تاريخ النشر : الاثنين ١٤ مايو ٢٠١٢
بقلم: عدنان أحمد يوسف
في دراسة حديثة له حول اقتصاديات الدول الخليجية، يتوقع معهد التمويل الدولي أن يتجاوز حجم الاقتصاد الخليجي ١,٥ تريليون دولار عام ٢٠١٣، وإذا ما تواصل النمو المطرد لهذا الاقتصاد خلال السنوات العشر القادمة، حيث تشير أغلب التوقعات إلى نمو الاقتصاد الخليجي بمعدل يتراوح ما بين ٥ و ٧% وهو أسرع من المتوسط العالمي، فإننا نتوقع أن يتقدم الاقتصاد الخليجي ليكون واحدا من بين اكبر عشر اقتصاديات في العالم بحجم يناهز ٣ تريليونات دولار.
وما نريد التنويه إليه هنا هو أن النفط يمثل بالفعل جانبا أساسيا من عوامل النمو، ولكنه ليس جميعها، حيث تشير التوقعات إلى حدوث زيادة في القدرة الإنتاجية لدول مجلس التعاون الخليجي من النفط والغاز، ويمكن أن ترتفع هذه الزيادة أكثر من ذلك بحلول عام ٢٠٢٠، لكن من المرجح أن تتم إدارة هذه المصادر الرئيسية بطرق مختلفة، حيث إن هناك اتجاها مرجحا يتمثل في سعي دول مجلس التعاون الخليجي إلى تصدير نسبة ضئيلة من النفط الخام، بسبب انخفاض القيمة المضافة لهذه السلعة، وهو ما يوفر فرص عمل قليلة. وستتجه دول مجلس التعاون الخليجي إلى تحويل المزيد من النفط إلى منتجات مكررة، أو مواد بتروكيميائية، واستخدام موارد النفط والغاز كمواد أولية للصناعات التي تكون ذات قيمة مضافة كبيرة، وتوفر مزيدا من فرص العمل لمواجهة تحدي توظيف العمالة الوطنية. ومن المتوقع أن يزيد حجم البضائع المتداولة مع دخول مشروعات صناعية جديدة، مثل البتروكيماويات والألومنيوم وغيرها من الصناعات القائمة على الموارد في طور الإنتاج.
والجانب الآخر أن دعائم الاقتصاد الخليجي الكلي باتت أكثر جاذبية، ومن شأنها ضمان معدلات نمو اقتصادي متسارع خلال الأعوام المقبلة، يضاف إلى أن هناك فائضا كبيرا متراكما بفضل السياسات الحكومية الحذرة خلال سنوات الازدهار، والتي كان لها دور مهم في التخفيف من وطأة التباطؤ من دون خلق احتياجات كبيرة لقروض جديدة.
ان دول مجلس التعاون الخليجي أصبحت أكثر مهارة في الاستفادة من الموقع الجغرافي كمركز عبور بين الأسواق الناشئة في آسيا والاقتصاديات الصناعية في الغرب، في الوقت الذي ترتكز فيه آفاق النمو في الاقتصاديات الخليجية على أسس قوية في المدى الطويل.
كما أن الاقتصاديات الخليجية باتت في وضع يؤهلها لقيادة موجة النمو العالمي الجديدة، وذلك في مؤشر يعكس التحول الهيكلي الجاري في موازين القوى الاقتصادية والمالية على مستوى العالم، حيث إن دول الخليج العربي ستكون أحد أهم المستفيدين من هذا التحول، مدعومة بآفاق نمو إيجابية وسياسات حكومية سليمة بالإضافة إلى عوامل تحفيز هيكلية.
كذلك من المرجح أن تنمو دول مجلس التعاون الخليجي كوجهة جاذبة للاستثمار بالنسبة للمستثمرين الأجانب في ظل وجود مشاريع بنية تحتية كبيرة، وتنامي قطاع الخدمات المالية، في الوقت الذي تزداد فيه أهمية الشراكة بين الاقتصاديات الناشئة في آسيا وعلى رأسها الصين والهند مع الشركاء التجاريين لدول مجلس التعاون الخليجي.
كذلك لا بد من الإشارة إلى تصاعد جهود التكامل الإقليمي في العقد الجاري والمقبل، والتي يعتبر «الاتحاد النقدي الخليجي» أبرزها، وهو مؤشر قوي على توجه دول التعاون إلى خلق كيان اقتصادي قوي قادر على المنافسة دوليا.
كما تبرز الميزانيات الخليجية التزاما أساسيا وتاما بالتحول الاقتصادي الطويل المدى، حيث لا تزال قطاعات التعليم والصحة في قمة أولويات الإنفاق لتعزيز وتطوير الموارد البشرية، وينصب اهتمامها على الإنفاق الرأسمالي على المدى الطويل. وتشير التوقعات أيضا الى أن تصبح دول مجلس التعاون الخليجي مركزاً مالياً عالميا خلال السنوات العشر القادمة له الأهمية ذاتها كتلك التي تحظى بها سنغافورة في آسيا. ويعدّ التمويل الإسلامي أحد المجالات التي يُتوقع أن تشهد نموا كبيرا، وسوف تسهم مساهمة فعالة في إبراز ذلك الموقع.
كذلك من المتوقع أن تتطور دول مجلس التعاون الخليجي لتصبح مركزا هاما للتكنولوجيا، حيث سوف توفر بيئات للبحث والتطوير، وستفتح مراكز بحث جديدة، وستطور تقنيات زراعة وريّ جديدة تلائم المناخ الجاف.
وبالنسبة إلى جبهة الاستثمار الخارجية، تشير التوقعات إلى أن صناديق الثروة السيادية لدول مجلس التعاون الخليجي ستظل تلعب دوراً هاماً وسوف يناهز حجمها ٣ تريليونات دولار، ولكن سيعتمد مدى نموها اعتمادا كبيرا على مسار مستقبل أسعار النفط، وكذلك على قرارات الاستثمار الخاصة بها، حيث نجحت هذه الصناديق في إنشاء الكثير من الأصول المنتجة، نتيجة للطفرة النفطية الأخيرة، حتى إنها أخذت في اعتبارها ما حدث في السوق من خسائر أثناء الأزمة العالمية، وباتت استراتجيات عملها تخضع لمزيد من قواعد الشفافية والحوكمة.
} رئيس إتحاد المصارف العربية
.