الجريدة اليومية الأولى في البحرين


عالم يتغير


خليجنا واحد ووحدته حتمية

تاريخ النشر : الاثنين ١٤ مايو ٢٠١٢

فوزية رشيد



} لقد قيل الكثير عن ضرورة وحتمية ظهور الاتحاد الخليجي، وانتقال دوله من صيغة التعاون إلى صيغة الكتلة الواحدة، وبما يتناسب مع استثنائية وضعه في العالم كله، من حيث ثقله الاقتصادي، وموقعه الاستراتيجي بل حتى تاريخه الحضاري القديم، منذ زمن ما قبل كتابة التاريخ، وحيث الجزيرة العربية كانت كتلة واحدة، وحيث يعود المؤرخون والاثريون اليوم إلى تقديم قراءة جديدة لهذه المنطقة بالبدء بتاريخ العرب البائدة، واللغة العربية القديمة (السريانية) التي هي أم اللغات في العالم كله، وحيث الأقمار الصناعية التي اكتشفت النهرين الممتدين على طول الجزيرة العربية منذ عشرات آلاف السنين، وحيث دراسات تشير إلى أن الهجرات البشرية بدأت منها لتشكل لاحقا الحضارات العربية القديمة كالسومرية والفينيقية والدلمونية والفرعونية وغيرها، وعلى عكس ما حاول المستشرقون الانتقاص من الأهمية الحضارية والتاريخية لكامل هذه المنطقة، وحيث القرآن يقول الكثير بما لم يتم التمحيص فيه بعد او اكتشافه كما ينبغي.
} اليوم والتسمية التي استقرت في المعجم المعاصر (الخليج العربي) وحيث «الأحواز» وهويتها الجغرافية العربية، فلا توجد تسمية أخرى للتعريف بها، فان المنطلق الأساس في الاتحاد هو كون «السعودية» هي العمود الفقري التي تشد أزر الأعضاء في الجسد الخليجي الواحد، وحيث «أهل الخليج» كما قلنا سابقا لا يجمع بينهم التاريخ أو اللغة أو العادات والتقاليد أو الأعراف أو المصالح الموحدة، بل اليوم تجمع بينهم تحديات الراهن ومستقبل الأجيال القادمة ومصير الخليج ووحدة الوجود الخليجي، باعتبارها وحدها القادرة على مواجهة هذا المستقبل وأشكال التحديات كافة بعد مواجهتها في الراهن.
} وسواء بدأ الاتحاد الخليجي باتحاد السعودية والبحرين أولا وانضمام الامارات والكويت بعدها، ثم التحاق عمان وقطر بالركب الذي لا نوافق «رئيس الوزراء القطري» حين صرح مؤخرا (بأن صيغة مجلس التعاون هي الأنسب)، فالكل يعرف من أهل الخليج صغيرهم وكبيرهم، أن خليجنا واحد، وأن الاتحاد فيه قد تأخر كثيرا رغم وجوده في اللائحة الداخلية لدول التعاون كطموح مستقبلي قادم، فاذا به يتأخر أكثر من ثلاثين عاما، زادت فيها التحديات، واستشرت المطامع الاقليمية والدولية، وتعقدت الظروف الداخلية بفعل تلك المطامع واستخدام العامل الشيعي، فخرج اليوم من أبنائها فئة تحارب الصيغة الاتحادية بين البحرين والسعودية، لأن هواها السياسي والاستراتيجي والعقدي في مكان آخر، لا ينتمي إلى هوية الخليج العربي ولا إلى أرضه ولا إلى دينه ولا إلى عاداته وتقاليده ولا إلى حضاراته منذ زمن (العرب البائدة). هؤلاء اليوم وتحت مسمى المعارضة التي هي للأسف طائفية حتى النخاع، يقولون ان الاتحاد بين البحرين والسعودية (هو التفاف على مطالبهم) فاذا طالبنا بتفسير لذلك لم يروا في الوحدة الا التفسير اليتيم حول التحالف الأمني، الذي هو موجود أصلا سواء قام الاتحاد أو لم يقم، أما كل الضرورات الأخرى لقيام الاتحاد فهؤلاء لا يرونها، لتتلاقى مخاوفهم مع ما هو مستبطن في الأجندة المعمول عليها من جانبهم ومن الجانبين الايراني والأمريكي، ليكون الاحتجاج الوحيد هو من الأطراف الطائفية في البحرين والخليج، وليس من غيرهم أبدا، وهؤلاء خليجيا هم (الأقلية) التي يجب أن تنصاع لارادة الأغلبية من أهل الخليج شعوبا وحكاما، حتى بالنسبة إلى قطر وعمان فان عدم ابداء الرغبة حاليا في الدخول في الاتحاد هو رسمي وليس شعبيا، وسيأتي اليوم القريب الذي يتحرك فيها شعبا البلدين الخليجيين لفرض الدخول في الاتحاد الخليجي كإرادة شعبية.
} اليوم يجتمع المسؤولون الخليجيون في الرياض، ولا نعرف ان كان الاتحاد بين السعودية والبحرين سيتم إعلانه أم لا، ولكننا واثقون أنهم جميعا باتوا يدركون أهمية قيامه ليأخذ الخليج العربي ثقليه الاقليمي والدولي اللذين يستحقهما، ويليقان بدوره استراتيجيا واقتصاديا في العالم كله، ونتمنى أن دراسة الجدوى من الاتحاد قد اكتملت، وآلية الاتحاد قد اتضحت، حتى في إطار استثنائي يتناسب مع استثنائية ونمط النظم والعلاقات وخصوصيتها في هذه المنطقة، وبما يتناسب أيضا مع حجم ونوع الطموحات التي تجمعها للحفاظ على دورها العالمي وتعميقه، والدفاع عن هويتها وجغرافيتها وانتماء شعوبها، وترسيخ العمق الاستراتيجي لكامل دوله، باعتبارها جزءا من جسد واحد، النشاز فيه هو تبعثر أجزائه، والصحيح فيه هو عودتها والتمامها حول بعضها بعضا بصيغة اتحادية فاعلة، وليس بمجرد صيغة تعاونية كما هي الآن.
} اليوم من يرفع صوتا ضد هذا الاتحاد، سواء من بعض فئة داخلية، أو بعض شخصيات رسمية في احدى دول الخليج، أو من دولة اقليمية ودول أخرى خارجية تضمر الرفض، وكلها لا يخيفها شيء بقدر خوفها من «الاتحاد الخليجي» لأن مجرد قيامه بالصيغة العملية الفاعلة، هو اضعاف لكل أجنداتها وسيناريوهاتها، التي رسمتها لابتلاع هذه المنطقة المهمة من العالم، وبالتالي من يرفع صوتا ضد قيام هذا الاتحاد وأيا كان، فلأنه لا تسعده القوة الخليجية التي تقبر أهدافه الخبيثة، أو طموحاته للاستيلاء أو الهيمنة، وهذا في حد ذاته أكبر دافع ليدرك المسئولون الخليجيون المتوافقون على الاتحاد، وأن يعرفوا أين تكمن قوتهم الحقيقية، ولماذا اتحادهم يخيف مرضى النفوس وأصحاب الأجندات والمشاريع الخبيثة، وليصروا على قيام هذا الاتحاد مهما كانت التحديات، ونتمنى في أعقاب اجتماع اليوم اعلان الوحدة السعودية ـ البحرينية، الذي سينير الدرب ليس فقط لبقية دول الخليج نفسها، وانما لكل الدول العربية، ولا عزاء لمن سيتلقى صفعة قوية إثر هذا الاعلان اليوم أو لاحقا.