الجريدة اليومية الأولى في البحرين


المال و الاقتصاد


إعادة رسم المشهد الصناعي في دول الخليج

تاريخ النشر : الاثنين ١٤ مايو ٢٠١٢



بقلم: ألان روبرتسون
لقد لاحظنا خلال الأشهر الماضية اهتمامًا كبيرًا من المستأجرين والمستثمرين في القطاع الصناعي لسوق العقارات بدبي وعلى مستوى دول مجلس التعاون الخليجي بشكل عام. ويُعزى هذا الاهتمام إلى عوامل من بينها النمو المستمر للتدفقات التجارية والتغيرات التي طرأت على عملية اختيار المواقع من قِبل المصنِّعين والمنتجين الذين يفكرون في إعادة رسم أنماطهم التجارية.
وقد تأثرت دبي بهذه التغيرات التي تمر بها المنطقة حاليا. لقد كان ارتفاع مستويات التدفقات التجارية أحد أهم الأسباب وراء ما سجله إجمالي الناتج المحلي الحقيقي في الإمارات من نسبة نمو بلغت 3% عام 2011. وهناك تنبؤات بأن يشهد مستوى التدفقات زيادة أخرى خلال عام 2012 نظرًا لوجود توقعات بأن تتراوح نسبة النمو بين 4% و5%. ويمر معظم هذا التدفق التجاري الكبير عبر ميناء جبل علي، حيث أعلنت شركة دبي العالمية للموانئ مؤخرًا عن زيادة في التدفقات التجارية خلال الربع الأول من عام 2012 بلغت نسبتها 5,8%، بحيث تجاوز عدد الحاويات التي تمر عبر ميناء جبل على 3,2 مليون حاوية خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2012.
ومن المتوقع أن تؤثر ثلاثة عوامل أساسية على قرارات اختيار المواقع من قِبل المصنِّعين خلال السنوات المقبلة. وتتناول هذه المقالة هذه العوامل، كما تبحث في تأثيرها على القطاع الصناعي لسوق العقارات في دبي وعلى مستوى المنطقة بشكل عام.
ارتفاع تكاليف الطاقة: تبلغ نسبة الإنفاق على عملية النقل 50% من كُلفة التشغيل التي يتحملها المصنِّع، ومن ثم يلعب عنصر النقل دورًا كبيرًا في تحديد الموقع. وقد ارتفع متوسط أسعار النفط ليصبح 72 دولارًا خلال الأعوام الخمسة الماضية بعد أن كان 30 دولارًا في مطلع العقد الأخير من القرن العشرين، بحيث زادت الأسعار الآن عن 120 دولارًا للبرميل.
وهذا يعني باختصار أن ارتفاع أسعار النفط يؤدي إلى تفكير المصنعين ومقدمي الخدمات اللوجستية في مواقع جديدة، ونظرًا لما يتمتع به الشرق الأوسط من موقع استراتيجي فهو يجذب اهتمامًا كبيرًا لتسهيل العمليات الصناعية والتخزين في المنطقة.
إعادة التوازن مع الصين: ظلت الصين على مدار العقود الماضية مقصدًا للمصنِّعين على مستوى العالم. إلا أن النمو الاقتصادي المدهش الذي شهدته الصين مؤخرًا أدى إلى ارتفاع تكاليف العمالة والإنتاج، في محاولة لتحصيل مقابل للميزات المالية التي يتمتع بها من يستخدم الصين كمصدر للإنتاج. علاوة على ذلك، ونظرًا لارتفاع تكاليف الطاقة والضغط المتزايد الذي يُمارس على الشركات للالتزام بمعايير بيئية واجتماعية، تحولت الأنظار نحو بلدان أخرى يمكن اعتمادها لممارسة النشاط التجاري لا تتعدى للصين فقط.
ونظرًا لأن الشركات الأمريكية والأوروبية لا تميل كثيرًا إلى إسناد عملياتها الإنتاجية للصين، فهناك فرصة كبيرة أمام شركات الإمارات العربية المتحدة وشركات الشرق الأوسط التي تستطيع من خلالها جذب هذه الأنشطة، نظرًا لما تتمتع به من موقع استراتيجي وانخفاض في كُلفة الطاقة.
أهمية الاستدامة: لا يمثل التركيز المستمر على الاستدامة اتجاهًا عابرًا، بل يؤكد أهميته كحركة شعبية ذات جذور عميقة تؤثر على الحكومات والمؤسسات التجارية على حد السواء. الاستدامة باقية سواء أكنت مدفوعًا بمخاوف فعلية على البيئة أم مدفوعًا بأمل تحقيق انخفاض في التكلفة أم مضطرًا للالتزام بتشريعات حكومية.
من المتوقع أن تتعرض قطاعات الخدمات الصناعية واللوجستية لموقف أكثر عرضة للمخاطر نظرًا لتقلبات الأسعار وإمدادات النفط المستمرة على مستوى العالم إلا إذا تم تحسين كفاءة الطاقة وتم التوصل إلى مصادر وقود بديلة. ومن المقرر أن تشكل هذه العناصر مجتمعة تأثيرًا على صناع القرار فيما يتعلق بكيفية التوصل إلى استراتيجيات توزيع حديثة تساعد على الحد من الآثار البيئية. أما المواقع الأخرى مثل الإمارات العربية المتحدة، فهي تتمتع بإمكانية الوصول إلى أسواق آخذة في النمو وبنية أساسية ذات جودة عالية، كما أنها المواقع المثالية التي تساعد على الحد من طول مسافة طرق التوزيع ومن التأثيرات البيئية.
ونستطيع القول بإيجاز أن الإمارات العربية المتحدة تعد مكانًا مثاليًا للاستفادة من العوامل الثلاثة السالفة الذكر والتي من المتوقع أن يكون لها تأثيرها على المشهد الصناعي. ولذلك، فنحن نترقب استمرار الطلب على هذا الموقع سواء من قِبل المستأجرين أو المستثمرين فيها. ومن المرجح أن يؤدي هذا إلى زيادة في المعاملات كما حدث مؤخرًا عند بيع مبنى CEVA في المنطقة الحرة بجبل علي لبنك أركابيتا. ومن بين أهم ما يميز السوق الصناعية أنه يتم تصميم معظم المشروعات لتشغلها جهات بعينها، ولذلك لا يعاني السوق من مستوى تعرض النشاط لاحتمال زيادة التجهيزات كما هو الحال في القطاعين الإداري والسكني. ولذلك يعد القطاع الصناعي أكثر جذبًا لهؤلاء المستثمرين الذين يسعون للحصول على أصول تدر دخلاً ويمكن تأجيرها بأمان.
لقد شهدت مناطق البناء الاستثماري، المصممة على نطاق واسع وخطة رئيسية، زيادة كبيرة في طلب مساحات من قِبل المستأجرين كما هو الحال في مدينة دبي الصناعية «يزيد عدد الشركات التي تعمل في هذا المشروع الآن على 150 شركة». وتجدر الإشارة إلى أن نسبة الإيجار في المناطق الصناعية الأكثر ثباتًا في دبي (مثل القوز) تعد أكثر ارتفاعًا في الوقت الحالي، على الرغم من انخفاض جودة المخزون. ومن المتوقع بمرور الوقت أن تتحول عمليات التشغيل من هذه المناطق القديمة إلى المناطق المصممة لأغراض جديدة مثل مدينة دبي للإنترنت ومدينة كيزاد في أبو ظبي.
علاوة على ذلك، سيساعد في نمو القطاع الصناعي زيادة طلب المستأجرين عليه ممن يرغبون في خفض تكاليف الطاقة وزيادة الكفاءة وتقديم حلول مستدامة وبنية أساسية متطورة، حيث تدرك الجهات الحكومية في الإمارات العربية المتحدة وعلى مستوى المنطقة بأسرها ما يمكن أن يوفره قطاع الخدمات الصناعية واللوجستية من تنوع في اقتصادياتها.