شرق و غرب
إشكالية القيادة في العالم العربي
تاريخ النشر : الاثنين ١٤ مايو ٢٠١٢
بقلم: توماس فريدمان
لقد سافرت كثيرا عبر العالم العربي ما بعد الصحوة. لقد دهشت كثيرا لأن التحولات السياسية البركانية التي هزت العالم العربي لم تفرز إلا عددا محدودا من القادة السياسيين الجدد. أنا لا أقصد بعبارة «القادة السياسيين الجدد» فقط أولئك السياسيين الذين يفوزون في الانتخابات، بل أعني «القادة» بأتم معنى الكلمة: رجالا ونساء يتمتعون بالشرعية اللازمة كي يقولوا لشعوبهم الحقيقة وينجحوا في بناء التحالفات اللازمة التي تمكن شعوبهم من النهوض من جديد والتقدم إلى الأمام.
لقد ناقشت هذه المسألة مع بعض الأصدقاء العرب. لقد قلت لهم ان بلادي الولايات المتحدة الأمريكية تعاني أيضا المشكلة نفسها أي قلة القادة الجدد من دون الحديث أيضا عن النقص الفادح للقيادات في أوروبا.
إن العالم بأسره يشكو على ما يبدو من فراغ فادح في القيادات، غير أن هذه الإشكالية تطرح بأكثر حدة في العالم العربي اليوم وخاصة أنه يمر بمرحلة حساسة جدا من تاريخه. يجب على كل دولة من دول «الربيع العربي» التي تعيش صحوة أن تحقق الانتقال من صدام حسين إلى توماس جيفرسون، لا أن تتخلص من صدام حسين فقط كي تسقط بين مخالب الخميني.
لماذا أفرز الربيع العربي هذا العدد القليل من القادة الجدد؟
يعود هذه الأمر جزئيا إلى طبيعة النظام الانتخابي الذي لايزال يطبق من دون أدنى تغيير يذكر في كل من مصر واليمن. أما في بقية البلدان العربية فإن هذا المسار الانتخابي لم يبدأ أصلا، مثل ليبيا وسوريا.
هذه تفاسير تقنية. هناك عدة عوامل أخرى أكثر عمقا، من بين هذه العوامل التاريخية الجوهرية الهوة السحيقة التي تواجهها أغلب المجتمعات العربية. من سيصارح الشعب بحجم الوقت الذي أهدر حتى الآن؟ من ذا الذي سيصارح الشعب بأن الأنظمة التي حكمته على مدى الأعوام الخمسين الماضية قد فشلت في منوال التنمية؟
لا شك أن الأنظمة الدكتاتورية غير مرغوبة غير أن الأنظمة الشمولية والدكتاتورية في بلدان شرق آسيا ؟ مثل كوريا الجنوبية وتايوان ؟ في إطار استغلال سلطتها الفوقية من أجل بناء نظم اقتصادية دينامية تركز في التصدير وتعليم الشعوب على نطاق واسع من دون أي تمييز بين الرجال والنساء.
لقد نجحت هذه البلدان الآسيوية أيضا في بناء طبقات اجتماعية وسطى ضخمة وميسورة وقوية أفرزت بدورها قادة جددا تولوا إدارة عملية الانتقال الصعب من الحكم الاستبدادي إلى البناء الديمقراطي.
من المؤسف حقا أن الأنظمة الدكتاتورية العربية لم تفعل الشيء نفسه ولم تنسج منوال بلدان شرق آسيا نفسه، فقد وظفوا كل سلطتهم من أجل إثراء طبقة صغيرة وإلهاء شعوبهم عن مشاكلها الحقيقية بأشياء نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر إسرائيل وإيران والناصرية.
لقد تم كنس الدكتاتوريين الآن كنسا، غير أن الأحزاب الإسلامية تسعى الآن إلى ملء الفراغ، فمن ذا الذي سيقول للشعوب ان الاسلام دين عظيم غير أنه لا يمثل «الجواب» لتحقيق النهضة العربية؟
إن العلوم الرياضية هي الضرورية لتحقيق النهضة. لقد ظلت إيران حبيسة الخمينية لأنها تزخر بالنفط الذي يمكنها من شراء كل التناقضات. كذلك الأمر بالنسبة إلى الدول الخليجية والدول العربية المنتجة للنفط.
إن مصر وتونس لا تملكان الكثير من النفط كما أن كلتا الدولتين في حاجة للحصول على القروض من صندوق النقد الدولي، وحتى يتسنى لتونس الحصول على القروض اللازمة من صندوق النقد الدولي يجب على رجال السياسة الإسلاميين أن يخفضوا من الدعم ويرفعوا من الضرائب، فهل يستطيع الساسة الاسلاميون القيام بذلك؟
من سيقول للشعوب ان الرأسمالية التي جاءت إلى العالم العربي خلال الأعوام العشرين الماضية لم تفرز سوى الفساد والمفسدين؟ غير أن الحل لا يتمثل اليوم في العودة ثانية إلى الاشتراكية العربية لكن الرأسمالية، إذا ما أحسن تطبيقها، هي التي ستكون أكثر فائدة للدول والشعوب العربية: اقتصاد السوق، تعزيز الصادرات مع تكريس سيادة القانون والعناية بالفئات الاجتماعية.
من ذا الذي سيقول للشباب العربي ان ما يتمتعون به من كفاءة ومؤهلات يضاهي ما يتمتع به الشباب في مختلف مناطق العالم من كفاءات ومؤهلات؟ انظروا إلى التيارات التي أحدثتها هذه الانتفاضات التي قادها الشباب العربي في مختلف أنحاء العالم، غير أن أغلب الشباب العربي يفتقرون إلى الأدوات التعليمية اللازمة التي ستمكنهم من المنافسة على شغل الوظائف في القطاع الخاص، الأمر الذي يحتم عليهم الاجتهاد في الدراسة والنهل من العلوم والتقنية الحديثة لأن أيام الوظائف الحكومية السهلة قد ولى وانتهى.
هناك شرخ بين السنة والشيعة في كل من سوريا والبحرين والعراق إضافة إلى وجود شرخ بين الفلسطينيين والبدو في الأردن والمسلمين والمسيحيين الأقباط في مصر. إن هذه الانقسامات الطائفية حالت دون ظهور قيادات جديدة. لكن يستطيع أي نيلسون مانديلا عربي أو أي مارتن لوثر كنج عربي أن يظهر من تحت ركام هذه الانقسامات والتصدعات التي تشق هذه الدول العربية. في غياب مثل هؤلاء القادة فإنه لا توجد ثقة كبيرة في إمكانية تحقيق الانجازات الكبيرة والصعبة. إن هذه المجتمعات العربية في حاجة ماسة إلى القيام بالأمور الصعبة معا، وفي كنف الوحدة.
من ذا الذي سيقول لهذه الشعوب انه لم يعد بإمكان المجتمعات العربية إهدار وقتها في مثل هذه الانقسامات وحالات الاستقطاب الطائفية التي تجعل كل طرف يعيش فيما يشبه «الجيتو» المعزول أو يخرج من المنطقة برمتها؟
لقد ظل العالم العربي يخسر تدريجيا ما يمتاز به من تنوع. يقول حسن فتاح، رئيس تحرير صحيفة «ذا ناشيونال»، أفضل الصحف الصادرة في أبوظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة: «لا يمكن تكريس التسامح إذا قضي على مظاهر التنوع في المجتمعات».
إذا انتهت سمة التنوع فإنه سيكون من الصعب على المجتمعات العربية أن تتفتق عن الأفكار الجديدة المبتكرة. لعل الجيل الجديد من الأمراء في المغرب والأردن ودولة الإمارات العربية المتحدة - الذي يتمتع بالشرعية كي يرص صفوف الشعب ويقود التغيير - هم الأكثر قدرة في المنطقة اليوم. لقد أوضحت دراسة نشرت مؤخرا أن أغلب الشباب العربي يرغب في العيش في دولة الإمارات العربية المتحدة أكثر من أي دولة عربية أخرى نظرا للنجاح الكبير في تحويل دبي وأبوظبي إلى مراكز تجارية عالمية وماكينات لتوفير فرص العمل. إن مسألة القيادة الفعالة على درجة كبيرة من الأهمية، فالإصلاحيون المختصون في مجال التربية سيقولون لك ان ثلاث سنوات متتالية من التعليم السيئ من شأنها أن تدمر مستقبل الطلاب سنوات عديدة غير أن سنة واحدة من التعليم الممتاز من شأنه أن يسهم في تحسين مستوى الطلاب بشكل كبير.