الجريدة اليومية الأولى في البحرين


أفق


الشيخ يوسف القرضاوي
والوعي بالديمقراطية (2-2)

تاريخ النشر : الثلاثاء ١٥ مايو ٢٠١٢

عبدالله خليفة



يتوجه فضيلةُ الشيخ يوسف القرضاوي إلى الاهتمام بالعناصر الديمقراطية الجنينية الأولى التي أطلقها الإسلامُ في فضاء البشرية، مثل الدور الايجابي للخلفاء الراشدين وتعاملهم الإنساني مع المواطنين، لكن الشيخ يقف عند هذه العناصر ويعود للتراث ليستشهد بنصوص، وليس بتحليلاتٍ تبينُ أهمية هذه العناصر وظروفها وأهمية تطورها لاحقاً، فهذه العناصرُ لم تتطور لتغدُو مؤسساتٍ منتخبةً وتشريعية، أو يتطور دورُ أهلِ الحل والعقد ليغدو مؤسسةً منتخبةً مشرعةً قيادية تصدر عنها القراراتُ في الخلافة الراشدة، وخاصة في القرارات المصيرية كالحروب وتملك الأراضي العامة والتصرف بها ومنع تحولها إلى ملكياتٍ خاصة مُلحقةٍ بالدول فيما بعد عهد الحلفاء الراشدين كما جرى بالفعل.
ركز الشيخُ على العناصر الفردية والقولية الحكيمة، ولم يتطرق إلى العناصر التأسيسية في القرآن حول الدولة الشعبية وطبيعة المُلكيات فيها، وطبيعة السلطة المؤسَّسة على هذه الأملاك الشعبية الحرة السائدة.
ولهذا فإنه مع غيابِ سلطة الخلفاء الراشدين وتغير طبيعة الأملاك العامة العائدة للناس، ولم تعد كذلك، فإن تلك العناصر الديمقراطية لم تستمرْ بل أُلغيت.
ويقدمُ لنا القرآنُ طبيعةَ السلطة المُقامة على أساسِ قيادة الناس، عبر التحالف الاجتماعي بين التجار والعاملين، وعلى أساس تلك المُلكيات الصغيرة الواسعة الانتشار والحرة.
إن العناصرَ الديمقراطية في الإسلام جاءتْ من وجود مُلكيات كثيرة للفقراء، وللتجار بطبيعة الحال، ولكن حين تتركز المُلكية في قبيلةٍ ودولةٍ وجماعة واحدة، فإن تلك العناصرَ الديمقراطية تخبو، وتتحول الدولةُ إلى دكتاتورية.
تنامى توزيعُ الثروة على الجمهور، وكان يُنتظر أن يتوسعَ من خلال أراضي الفتوح ولكن ذلك لم يحدث كما نص القرآن، وكان سيوسعُ من تلك العناصر الديمقراطية، وهذا التوزيع هو الذي أوجد الجماعات والقوى الشعبية التي استطاعت هزيمة الإمبراطوريتين، وهذا التوزيع للأراضي الزراعية من الكنيسة والإقطاع في فرنسا هو الذي أسس الدولةَ الديمقراطية فيها، وهو الذي جعل الحكم السوفيتي رغم دكتاتوريته ينتصرُ على قوى التدخل الأجنبية.
إن استشهاد الشيخ يوسف بالسنة النبوية إضافة للقرآن ودورهما في تعرية الظالمين ونقد الفساد وتجبر الحكام ونقد الشعوب الساكتة عن حقوقها كذلك، كلامٌ صحيح وجميل، ولكن الركائز التي وُجدت من دور المُلكيةِ الخاصة الشعبية أو دور المُلكية العامة القائدة للعدالة والتطور الاقتصادي، هي الدعائمُ للتحول الديمقراطي في العصرين القديم والراهن.
إن فضيلة الشيخ يصل إلى نتيجة مغايرة لبداية مقالته:
(لقد قرر الإسلام الشورى قاعدة من قواعد الحياة الإسلامية، وأوجب على الحاكم أن يستشير، وأوجب على الأمة أن تنصح، حتى جعل النصيحة هي الدين كله، ومنها: النصيحة لأئمة المسلمين، أي أمرائهم وحكامهم).
لكن مجمل المقالة تعطينا لمحة مهمة عن مستوى فهم بعض الجماعات الدينية للديمقراطية، فالمسألة ليست النصيحة فقط ولكن أساساً إدارة المؤسسات العامة من قبل الأحزاب الفائزة في الانتخابات وقيامها بتنفيذ برامجها، ورؤية تراكم تجارب المسلمين وأسباب ضعفها وكيف تجاوزها بناءً على كل هذه التجربة الثرة.
لهذا فإن تجربة الاخوان المسلمين وما يصدر حالياً عن الفقهاء والسياسيين المتأثرين بهذا التيار، يتوقفون عند أساسيات عامة للديمقراطية كما تفضل الشيخ القرضاوي، فيما أن المعضلة أكبر وأعمق، فحتى حين تُذكر التجربةُ التركية يُعرضون عنها، دون تحليلها، وكيف أنها قامت على أساس قريب من التجربة الإسلامية الأولى وإن كانت بيد خصوم وقوى علمانية متطرفة، فظهور طبقة وسطى حرة ذات مشروعات ومصانع ومزارع وقوى عاملة متطورة مما شكل تقارباً اجتماعياً توحيدياً وطنياً نهضوياً أمكن بعده الرجوع لجذور الشعب الدينية فيحدث تخط للعلمانية المتطرفة، ونمو للحداثة وللديمقراطية وللتعددية الحقة من جانب آخر.
ولهذا فإن تجربة الإخوان المسلمين في مصر المناهضة لهذا التوحيد على أسس رفض الإصلاح الزراعي وعدم إنقاذ القرى والفلاحين كما جرى في السابق والذي يجب أن يُعاد النظر فيه ويُصحح، كذلك من الضروري تغيير طبيعة حياة العمال المتردية، والتركيز على أحداث تحول صناعي كبير في بلد تشكل فيه الصناعة الصغيرة والمتوسطة 80%، من دون ذلك يستحيل حدوث تطور موضوعي وتتوجه الأمور لجوانب ذاتية.
إن دور فضيلة الشيخ القرضاوي على التجديد الديني وتأييد الثورات العربية وإعادة النظر في جوانب من الفقه هي مهمة لتطور المسلمين في هذا العصر، وهو يعبرُ بهذا عن نخبة صغيرة مؤثرة في حراك الملايين نحو إزالة أنظمة متكلسة.
إننا نرى ضرورة متابعة المسائل الاجتماعية والفكرية للعصر وعدم الانسياق وراء رأسماليات حكومية باذخة استهلاكية وعدم توسيع الاقتصادات الطفيلية، بعد الرفض الحاد للقطاعات الاقتصادية العامة الذي جرى، بل من الضروري تشكيل جبهة تحديثية من قوى الإنتاج المختلفة العامة والخاصة لإحداث الثورات الانتاجية وما يتشكل معها من تحولات ثقافية واجتماعية هي جزءٌ من تصحيح المسار في تاريخنا وإعادة هذه الأمة إلى قلب الحضارة العالمية، غير تابعة ولا مُنتزعة من تراثها