قضايا و آراء
64 عاما على النكبة الفلسطينية
تاريخ النشر : الثلاثاء ١٥ مايو ٢٠١٢
في خطاب ألقاه في مؤتمر هرتسيليا الأمني في عام 2003 قال رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو «إذا كانت هناك مشكلة ديموغرافية تواجه إسرائيل، فهي بالفعل تلك المشكلة التي مع العرب الإسرائيليين المتمتعين بالجنسية الإسرائيلية، لأنه إذا فاقت نسبة العرب حملة الجواز الإسرائيلي 20%، فلا يمكن لإسرائيل أن تحافظ على أغلبية ديموغرافية يهودية».
وفي المؤتمر الأمني نفسه الذي جمع كبار المسئولين الإسرائيليين واليهود من دول العالم، اقترح وزير الخارجية الإسرائيلي الحالي المولديفي الأصل الذي عمل سابقاً حارساً في ملهى ليلي، مبادلة العرب الفلسطينيين بالداخل مع المستوطنين في الضفة الغربية من أجل أن يحافظ الكيان الصهيوني على هويته اليهودية.
وكأنها وصفة مأخوذة من أحد الكتب النازية، اقترح الدكتور الصهيوني اسحاق رافيد وهو مسئول حكومي في فترة التسعينيات، محاربة ارتفاع نسبة الخصوبة ونسبة المواليد لدى الفلسطينيين العرب في مناطق الـ48 من خلال تطبيق سياسة صارمة وحازمة تحدد النسل لديهم.
ومن المعروف انه لا يمكن الحفاظ على أغلبية عرقية لعرق ما على حساب عرق آخر إلا من خلال الكبت والظلم الجماعي للعرق الآخر، وهذا ما ولد لدى إسرائيل هاجساً كبيراً للمحافظة على النوع العرقي اليهودي، وهذا الهاجس يعتبر مصدرا أساسيا للسياسات الأمنية العنصرية التي تمارسها إسرائيل تجاه الشعب الفلسطيني، وتجلت لاحقاً بهوس وفوبيا أمنيين أنتجا جدار الفصل العنصري، والاحتلال العسكري، ومحاولة إسرائيل الدائمة لتطوير ترسانة أسلحتها، كي تتفوق امنيا وعسكريا على جميع دول الجوار والمنطقة، وهذا ما أدى إلى تعثر وخروج مسيرة السلام في منطقة الشرق الأوسط عن مسارها المرسوم لها.
ولحسن الحظ أن جميع المشاريع العنصرية السابقة تكللت بالفشل، كتجربة ألمانيا وجنوب إفريقيا وغيرهما من البلدان، إلا أن المشروع الألماني الهتلري أنتج لنا قبل انهياره مذبحة المحرقة اليهودية «هولوكوست»، وأنتج لنا المشروع العنصري الصهيوني الحالي النكبة والتطهير العرقي للشعب الفلسطيني في 15مايو1948م.
ومنذ ذلك الحين وفي التاريخ نفسه يواظب الفلسطينيون على إحياء ذكرى نكبتهم الأليمة التي حلت بهم في منتصف مايو 1948 بسبب احتلال أرضهم والترحيل الجماعي القسري لهم تحت تهديد السلاح وارتكاب المجازر وتهجيرهم من بيوتهم وقراهم ومدنهم التاريخية التي ولدوا على أرضها، إن الهوس الأمني الذي يرافق الفكر الصهيوني لم يكن وليد اللحظة بل كان شعوراً غامراً لديه قبل ولادة إسرائيل بزمن بعيد منذ ولادة الحركة الصهيونية في أواخر عام 1800م بهدف إثارة الرأي العام الدولي وتهيئته للمساهمة في إقامة دولة ذات طابع يهودي على أي بقعة من العالم، قبل أن يرسو الاختيار على ارض فلسطين لأهميتها الجغرافية والتاريخية.
ففي عام 1896م أنبأ مؤسس الحركة الصهيونية ثيودور هيرتسل أن الدولة اليهودية القادمة سوف تقوم بطرد السكان الأصليين خارج موطنهم الأصلي بطريقة مبرمجة وذكية دونما أن يشعر بهم أحد.
وبعد تصويت الأمم المتحدة على قرار تقسيم فلسطين في نوفمبر1947م بين سكانها الفلسطينيين الأصليين والمهاجرين اليهود القادمين من أوروبا، أعلن مؤسس دولة إسرائيل الجديدة بن غوريون في خطاب له أمام حزب العمل الإسرائيلي في ديسمبر1947م أنه بناءً على قرار التقسيم فإن العدد السكاني للدولة اليهودية عند تأسيسها سوف يصل إلى مليون نسمة يتضمن تقريباً 40% من غير اليهود، مضيفاً أن هذه التركيبة السكانية لا تضمن الاستمرارية للدولة اليهودية، منوهاً بأنه لا يمكن إقامة دولة يهودية قوية مادام عدد السكان اليهود لا يتعدى 60%.
وما خرج من الأرشيف السري عن فترة مراحل إقامة دولة إسرائيل يؤكد أن سياسة الحركة الصهيونية كانت مبرمجة من اجل إقامة دولة يهودية مبنية على النقاء العرقي اليهودي، ومن أجل تحقيق هذا النقاء العرقي فقد شنت التنظيمات الصهيونية العسكرية مذابح إرهابية منظمة بقيادة ما تسمى في حينه «هيئة الترحيل»، التي كانت بقيادة بن غوريون شخصيا، وبقصدٍ أو عن غير قصد أطلقت تلك الهيئة أسماء على حملاتها العسكرية بحق الفلسطينيين مضمونها يشير بشكل واضح إلى سياسة التطهير العرقي، مثل عملية مكنسة، وعملية التطهير، وعملية التمشيط، وغيرها من العمليات الإجرامية، وهذا ما كتب عنه في مذكراته جوزيف وايتس الذي كان يرأس المؤسسة الدولية لدعم اليهود، في الأربعينيات، التي قال فيها: «يجب ألا نبقي هناك على أي قرية أو قبيلة فالترحيل يجب أن يكون باتجاه العراق وسوريا أو حتى باتجاه الأردن».
وجاء المؤرخ الإسرائيلي إيلان بيبي ليؤكد هذه السياسة المبرمجة في بحث أصدره في كتاب أطلق عليه اسم «التطهير العرقي في فلسطين» مقتبساً فقرة من مذكرات بن غوريون حينما كتب فيها «نحن بحاجة إلى ضربهم من دون رحمة وهوادة ومن دون تمييز بين نساء أو أطفال أو شيوخ، وماعدا ذلك فلن يكون مؤثراً أو ذا فائدة، وأثناء هذه العملية يجب ألا نميز بين المذنب وغير المذنب».
إن إنشاء دولة إسرائيل في الـ48 توج بالترحيل والتهجير القسريين لأكثر من 800 ألف فلسطيني وبتدمير 531 قرية وبالاستيلاء على 92% من الأراضي الفلسطينية، ومن تبقى من السكان في مناطق الـ48 من الفلسطينيين هم 150 ألف فلسطيني اجبروا قسراً على حمل الجنسية الإسرائيلية، فيما اعتبرت إسرائيل من لم يسجل في تلك الفترة ويحصل على الجواز أنه مقيم بشكل غير قانوني، ومن أشهر هؤلاء الذين اعتبرتهم إسرائيل لا يتمتعون بالصفة القانونية في دولتهم الوليد، الشاعر الفلسطيني الكبير المرحوم محمود درويش، عندما واجه درويش القاضي اليهودي المهاجر الذي اتهمه بأنه غير قانوني في هذه البلاد، قال له محمود: «ان الله خلقني على هذه الأرض قبل أن تخلق دولتكم في الأمم المتحدة».
من الجدير بالذكر أن أكثر من 50% من الفلسطينيين الذين هجروا من ديارهم وأصبحوا لاجئين تم ترحيلهم من بيوتهم عندما كانت فلسطين تحت حماية الاستعمار البريطاني.
وتوقعت دراسة لوزارة الخارجية الإسرائيلية حول وضع اللاجئين الفلسطينيين بعد حرب الـ48 ان اللاجئين سوف يكونون قادرين على التأقلم في بلاد الشتات ضمن المعطيات الجديدة، فمنهم من سيموت ومنهم من سيندمج كجزء من طبقات المجتمع العربي الأكثر فقراً، على حد تعبيرهم.
اليوم فإن صمود الشعب الفلسطيني الذي استمر طوال السنوات الـ64 الماضية منذ نكبة الـ48 افشل النظرية الصهيونية واثبت بطلانها بشكل يقطع الشك باليقين، حتى ان الإسرائيليين أنفسهم أصبحوا يعترفون بهذا الصمود، ووصل هذا الاعتراف إلى حد دعا الكاتب الإسرائيلي داني روبنشتاين، إلى وصف الفلسطينيين في كتابه قائلاً: «كل شعوب العالم تعيش بداخل أوطانها إلا الفلسطيني فإن الوطن يعيش بداخله».
* كاتب وباحث فلسطيني