الجريدة اليومية الأولى في البحرين


قضايا و آراء


ماذا وراء الحكومة الائتلافية
الموسعة في إسرائيل؟

تاريخ النشر : الثلاثاء ١٥ مايو ٢٠١٢



لقد فعلها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ثانية وهو المعروف بدهائه في حبك المناورات، فقبل لحظات فقط من انعقاد البرلمان الذي سيصدق على الدعوة لإجراء انتخابات مبكرة، أعلن حزب «كاديما» أنه استكمل المفاوضات مع بنيامين نتنياهو من أجل الانضمام إلى الحكومة، الأمر الذي سيتيح بناء أكبر حكومة ائتلافية في تاريخ إسرائيل حيث انها ستسيطر على 94 مقعدا من جملة مقاعد الكنيست الاسرائيلي البالغ عددها 120 مقعدا.
لقد أحدث هذه الإعلان ردود أفعال ترددت أصداؤها بعيدا عبر منطقة الشرق الأوسط وصولا إلى هنا في الولايات المتحدة الأمريكية وكثرت التخمينات عما يعنيه هذا القرار الذي أعلنه حزب كاديما.
خلال الأيام التي أعقبت هذا الإعلان، كان من المثير للاهتمام متابعة الآراء التي عبر عنها المحللون العرب والإسرائيليون والأمريكيون الذين كانوا يحاولون فهم هذا القرار والتوقف عند أبعاده العميقة.
لقد اعتبر الكثير من المحللين السياسيين العرب أن هذه «الزيجة» الإسرائيلية الجديدة تنطوي على خطر كبير وتؤذن بحرب إقليمية جديدة في منطقة الشرق الأوسط وقد قالوا ذلك بصريح العبارة.
لقد توقف المحللون السياسيون العرب عند سابقة تشكيل حكومة اسرائيلية موسعة قبيل اندلاع حرب الأيام الستة في يونيو 1967 حتى أن أحد المعلقين قد كتب يقول: «هذه حكومة ائتلافية حربية»، معتبرا أن الهدف من تشكيلها استهداف إما لبنان وإما إيران.
أما الصحافة الأمريكية - التي تطفق تهذي كلما تعلق الأمر بإسرائيل ؟ فإنها رأت في اعلان تشكل هذه الحكومة الإسرائيلية الموسعة تطورا إيجابيا، فالليبراليون اعتبروا أن هذه الحكومة الائتلافية ستعزز موقف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وتجعله يسعى الآن بأكثر ثقة من أجل التوصل إلى تسوية سلمية مع الفلسطينيين، قائلين: «في ظل حكومة بنيامين نتنياهو ستكون إسرائيل أقوى من أي وقت مضى».
أما وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون فقد علقت على الأمر قائلة ان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لن يزعم بعد اليوم بأن حكومته الائتلافية قد تسقط إذا ما أبرم اتفاقا للسلام مع الفلسطينيين. فقد أصبح اليوم - بعد هذه الخطوة - في موقف يسمح له، أو على الأقل يساعده على تقوية السلطة الفلسطينية لأن ذلك يصب في مصلحة إسرائيل.
أما الأمريكيون من المحافظين الجدد فقد اتفقوا مع العرب في موقفهم من الخطوة التي أقدم عليها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لكن مع بعض الاختلاف، فالكتاب العرب أبدوا تخوفهم من الحرب وعبروا عن خشيتهم من العواقب الوخيمة التي قد تنجم عن تشكيل مثل هذه الحكومة الائتلافية الإسرائيلية الموسعة. أما الصقور من المحافظين الجدد في الولايات المتحدة الأمريكية فقد راحوا يبدون تحمسا كبيرا في الحديث عن مثل هذه التداعيات المرتقبة.
أما المحللون السياسيون الإسرائيليون فقد كانت تعليقاتهم أكثر أهمية حيث انهم رأوا في المناورة التي أقدم عليها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو و«شريكه» الجديد زعيم حزب كاديما شاؤول موفاز علامة ضعف، لا قوة. هذا ما جعل العديد من الكتاب الإسرائيليين يرون أن الحكومة الاسرائيلية الجديدة محكوم عليها بالشلل لأن هذه «الزيجة» الجديدة لا توفر الأرضية الملائمة لاتخاذ القرارات الحاسمة.
يواجه بنيامين نتنياهو الآن تحديين داخليين فوريين كانا يهددان حكومته الائتلافية اليمينية، ففي غضون الأسابيع القليلة القادمة سيكون على الحكومة التعاطي مع قرارين قضائيين، فقد قضى الحكم الأول بعدم دستورية القانون الذي يعفي اليهود الأرثودكس من الخدمة العسكرية.
أما الحكم القضائي الثاني فقد أمهل حتى مطلع شهر يوليو القادم كي تخلي المستوطنات غير القانونية التي أقيمت فوق الأراضي المملوكة للفلسطينيين في شمال مدينة رام الله بالضفة الغربية.
لا شك أن تنفيذ كلا الحكمين القضائيين - أو حتى أحدهما - سيحدث تصدعا سياسيا وقد يجعل بعض أعضاء حكومة بنيامين نتنياهو الائتلافية يتمردون عليه.
أما الحزب القومي الذي يضم في صفوفه المهاجرين اليهود الروس بزعامة وزير الخارجية أفيجدور ليبرمان، والذي يمثل ثالث أكبر كتلة في الحكومة، فقد هدد بالانسحاب من الحكومة إذا ما فشلت في تغيير القانون الجديد حول الخدمة العسكرية، الأمر الذي يضع بنيامين نتنياهو في موقف لا يحسد عليه.
لقد نجح بنيامين نتنياهو - من خلال ائتلافه الموسع - في التخلص من تهديدات تلك المكونات التي كانت دائما تلوح بسحب تأييدها، حيث انه لم تعد لها القدرة على إسقاط الحكومة الاسرائيلية.
يبدو أن الدافع الوحيد الذي جعل بنيامين نتنياهو يقدم على هذه الخطوة هو البقاء وليس إعطاء حكومته قدرة أكبر على التحرك والعمل، فقد كتب أحد المحللين يقول ان ما قام به نتنياهو «ليس أكثر من مجرد محاولة لإطالة أمد حياته السياسية»، بل إن محللا سياسيا آخر قال إن نتنياهو «جبان يهاب الانتخابات ويخاف المستوطنين ويخشى سطوة اليهود الأرثودكس».
لذلك، فبدل أن يتولى بنيامين نتنياهو القيادة ويقدم على خطوة حقيقية حاسمة فانه يقبل بشريان الحياة الذي قدمه له زعيم حزب كاديما شاؤول موفاز، الأمر الذي سيمكنه من مواصلة الحكم من خلال ممارسة سياسة فرق تسد.
أما زعيم حزب كاديما شاؤول موفاز فيبدو أنه قد أقدم أيضا على هذه الخطوة بدافع ضمان بقائه السياسي فحسب، فقد تراجعت فرصه السياسية كثيرا منذ فوزه في الانتخابات لقيادة حزب كاديما الذي أسسه رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق ارييل شارون قبل أقل من عقد من الزمن، فقد أظهر أحدث استطلاعات الرأي أنه إذا ما أجريت انتخابات جدية فإن حزب كاديما قد يفوز بعشرة مقاعد من الكنيست، مقارنة بثمانية وعشرين مقعدا في الوقت الحالي.
يبدو ان الدخول في ائتلاف مع الرجل الذين سماه مؤخرا «الكذاب» بمثابة صمام الأمان لشاؤول موفاز حتى يتفادى الإهانة الانتخابية التي قد تلحق به. لقد اعتبر أحد المحللين في هذه الخطوة «محاولة لإطالة عمر حزب هش العود».
لقد كانت هيلاري كلينتون محقة فيما قالته: لم يعد بإمكان بنيامين نتنياهو أن يستخدم الذريعة الواهية نفسها التي ظل يتوكأ عليها على مدى سنوات، فقد أصبح يملك العدد الكافي - سواء داخل حكومته الائتلافية الموسعة أو خارجها - كي يصنع السلام. للأسف فإن الذين يعرفون بنيامين نتنياهو عن كثب كانوا أيضا على حق في موقفهم، فهو يجيد لعبة المناورات من أجل تكريس حالة من الشلل في الساحة السياسية وتفادي الجنوح إلى السلام بأي ثمن. لا أدل على ذلك من الطريقة التي تعامل بها مع القرار الذي أصدرته المحكمة والقاضي بإخلاء مستوطنة غير قانونية حيث انه عمد إلى طرح قانون جديد يضفي الصبغة «الشرعية» على ما ليس قانونيا. لذلك لا تتحمسوا كثيرا وتتوقعوا بالتالي أمورا كبيرة ؟ سيئة كانت أو جيدة ؟ من هذه الحكومة الاسرائيلية الموسعة الجديدة. يجب أن نتوقع أن يستمر الوضع على ما هو عليه، من دون أي تغيير.
* رئيس المعهد العربي الأمريكي