الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٧٢ - الأربعاء ١٦ مايو ٢٠١٢ م، الموافق ٢٥ جمادى الآخرة ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

قضايا و آراء


الصِداميون





الصِداميون (صفة للذين ينزعون نحو التصادم مع الدولة) وهم مجموعة مناوئة للحكم في البحرين تنحو نحو المواجهة بكل شدة وحدّة تصل إلى حد العنف بجميع اشكاله في مواجهة النظام وقد بينت الأحداث الأخيرة في البحرين تنامي دور هؤلاء وزيادة ثقلهم الميداني وخاصة في أوساط الشباب المحبط واليائس الذين لديهم القابلية لاعتناق فلسفة العنف ومنهج المواجهة، مستندين فيها إلى بعض الفتاوى المرجعية على طريقة «اسحقوهم»، التي أخذت منحاً طائفياَ عدا الشعارات المباشرة التي تعج بها حيطان القرى وبعض مناطق المدن ، مثل الشعب يريد اسقاط النظام.

وهذا يعني مرحلياً تراجع دور قوى الاعتدال والواقعية واستمرار التازيم السياسي من دون وجود أفق لحلحلة الوضع وانفراج الأزمة السياسية.

إن زيادة جُرَع العنف لا يخدم بأي شكل من الأشكال تطور الحركة السياسية والإصلاحية في البلد. فاستمرار رمي المولوتوف وحرق الإطارات وسكب الزيت في الطرقات لم يُفضِ إلى نتيجة وإلى حل مجدٍ.

فالطرف الصِدامي من جهة يحوّل القرى إلى ساحات للمعارك الليلية والنهارية ويحول بعض المناطق والشوارع إلى اكتظاظات وازدحامات مرورية وتحيل الهواء إلى غازات سامة تنبعث من الاطارات المحروقة ومن خزانات المياه (الفايبر كلاس) وحاويات القمامة المحروقة، وبالمقابل تلجأ قوى الأمن في تعاملها وتصديها لهؤلاء إلى إطلاق غازات مسيلة للدموع .

واصبح هذا الوضع هو المعتاد منذ أحداث فبراير ومارس من العام المنصرم. إن لعبة القط والفار هذه لم تؤدِ إلى الوصول إلى بر الأمان وإلى مرحلة يمكن أن تتوج بجلوس الفرقاء إلى طاولة الحوار الجاد والمنتج.

فالواضح ان الطرفين ولغاية الآن لم يستنفذا ما لديهما من اسلحة وذخيرة ولم يصلا إلى حالة التعب والارهاق. فالدولة بالرغم من بعض الضغوط الدولية التي مورست عليها فانها في وضع مريح، لا تتأثر كثيرا بما يجري من حولها، وهي ليست في وارد فتح باب الحوار الان بعد أن تمكنت خلال الأشهر الأخيرة من ترجيح كفة الميزان لصالحها، بالعصا تارة وبالجزرة تارة أخرى، ربما لأنها تعتقد أن الوقت لم يحن بعد، أو ربما لأن سقف مطالب المعارضة من وجهة نظرها عالٍ. وعموماً فقد تبين الآن السقف الذي يمكن للدولة أن تقبل به في التعاطي مع المطالب السياسية والدستورية فالخطوط الحمراء واضحة تماماً، بحيث لا يخطأ الحصيف التمييز ما بين الخيط الأبيض والأسود في موقف الدولة مما يجري في البلد لذلك فإن حدود التغيير لا يتخطى كثيراً التعديلات الدستورية التي أجرتها السلطة التشريعية مؤخراً، والاطار الواضح لتنفيذ توصيات بسيوني في حدود ما يسمح به الوضع وبتدرج.

وهذا في اعتقادي أمر طبيعي، فقد جرت مياه كثيرة من تحت الجسر بعد أحداث فبراير ومارس ولم تعد موازين القوى لصالح المعارضة بل على العكس فالميزان يرجح كفة النظام ولصالحه. فقد تم تفويت الفرصة يوم كانت المعارضة في الدوار وخارجه، أما الآن فالصورة مغايرة تماماً. حيث تمكنت الدولة من الإمساك بخيوط اللعبة وإدارتها لصالحها ولصالح توجهاتها. فلا الضغط الداخلي بالقوة التي تجبرها على التراجع وتقبل بشروط المعارضة ومطالبها، ولا الضغط الدولي والإقليمي يمكن ان يدفع الدولة إلى تقديم التنازلات . كذلك فإن الوضع الاقتصادي لم يتأثر كثيراً بشكل يهدد استقرار الأمن الاقتصادي للدولة بجناحيه العام والخاص، بل إن الدولة ضخت عبر بنك التنمية وغيره من المؤسسات مما مكن أفراداً وجهات كثيرة من الاستفادة من مشاريع تلك الجهات بحيث ساهمت في وجود سيولة كافية للسوق تنعشها وتنعش الآمال بتحسن أكثر للوضع الاقتصادي لفئات وشرائح تأثرت من الأحداث في خضم التوترات السياسية في البلد.

أما على مستوى المعارضة فإن الخيارات لديها أصبحت تضيق أكثر فأكثر، والمساحة التي كانت تتحرك فيها بحرية أصبحت تنكمش رويداً رويداً. فبعد أن خسرت رهان الدوار وخرجت من البرلمان أو أخرجت نفسها باستقالة أعضاء الوفاق بأكملهم، فلم يعد المتاح مريحاً ولا مناسباً لها، والحركة الاحتجاجية التي تنتهي عادة بالعنف والتصادم مع قوات مكافحة الشغب، لم تعد مؤثرةً ولم تفض إلى نتيجة ملموسة، وقد حاولت الوفاق وأخواتها في الجمعيات الأخرى استنباط وسائل أخرى إلا أنها لم تفلح حتى الآن، لذلك فإن من يحكم الشارع هم «الصِداميون» وليس «الصدّاميون» (نسبة إلى صدام حسين). فهؤلاء سوقهم رائجة لأنهم يتبنون شعارات تدغدغ مشاعر الشباب، معتقدين أن التوازنات الداخلية والدولية والإقليمية لصالحهم.

وللأسف فإن هذه القراءة المبتسرة للأوضاع تؤدي إلى الزج بهؤلاء الشباب في معارك غير متكافئة مما يؤدي إلى مزيد من الخسائر وأحياناً إلى السجن أو إزهاق الأرواح. ولأن هذه السوق هي الرائجة فإن بعض قوى الاعتدال والواقعية في الشارع لا تجرؤ على الإفصاح عن مواقفها ولا تنبس ببنت شفة في تقديم النصح لهؤلاء الداعين إلى التصادم والمواجهة أو حثهم على تغيير تكتيكاتهم، بحيث يتم تقليل الخسائر للصِداميين ولعامة الناس التي بدت غير مقتنعة بجدوى مثل هذه الوسائل العنيفة لكنها تخشى من بطش الجماعة أو ما يعرف بإرهاب الجماعة.

وأمام هذا الوضع وأمام تراجع القوى الخارجية مثل الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي بانحيازهم رويداً رويدا إلى جانب مصالحهم الكبرى في البحرين والمنطقة برمتها والتخلي الواضح عن دعم الحركات المعارضة العنيفة وربما السلمية منها أيضاً، فإن المطلوب الشجاعة الواقعية من قبل الجمعيات التي لديها القدرات والإمكانيات لإعادة قراءة الوضع السياسي في البحرين على ضوء المتغيرات العديدة، وتغيير الخطاب التصادمي إلى خطاب آخر أكثر واقعية وأكثر عقلانية، يهدّئ الوضع، ويقلل الخسائر والمتاعب عن العباد قبل البلاد ويمد الجسور في مسعى جاد وحقيقي نحو المصالحة الوطنية عبر حوار وطني جاد ومنتج يبحث عن توافقات مقبولة مع الدولة وحلفائها فيما هو متاح وممكن كخطوة أولى نحو لمّ الشمل وتعزيز الوحدة الوطنية.

وأعتقد أنه في الجانب الآخر، فإن على الدولة ألا تتصرف على نحو يدفع الميؤوسين والمحبَطين إلى ردود أفعال قوية غير محمودة العواقب، بل عليها أن تحتضن الجميع وتحاول قدر الإمكان محو أثار ما جرى ويجري، وتطلق العنان للمبادرات التي تبنتها مؤسسات المجتمع المدني لتطويق الأزمة وتبارك لها تحركاتها نحو رصّ الصفوف وردم الفجوة وبناء جسور الثقة نحو ردم أبدي للخنادق الطائفية البغيضة، وإغلاق أبواقها النشاز.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة