أحدث دراسات مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية تناقش:
«هيومن رايتس ووتش» وكيفية تعاملها مع قضايا حقوق الإنسان العربية
 تاريخ النشر : الأربعاء ١٦ مايو ٢٠١٢
لندن - خاص:
تقوم منظمات حقوق الإنسان الدولية بدور مهم في حماية حقوق الإنسان والدفاع عنها في مختلف دول العالم، وهي في مهمتها تلك تقوم بتسليط الضوء على ما يقع من انتهاكات حقوقية سواء جماعية أو فردية، وتحاول منح ضحايا هذه الانتهاكات الوسيلة المناسبة للكشف عما تعرضوا له من مظالم.
وإذا كانت هذه المنظمات يُحمد لها القيام بهذه المهمة إذا كان هدفها فعلاً حماية حقوق الإنسان والدفاع عنها، فإن هناك بحكم الواقع منظمات حقوقية تمارس الانتقائية في نشاطها، وفيما يصدر عنها من تقارير وبيانات، وذلك من خلال التركيز فيما تصفه بانتهاكات حقوق الإنسان في دول معينة من دون أخرى.
تلك المنظمات التي تمارس الانتقائية أو سياسة «الكيل بمكيالين» في نشاطها الحقوقي تقوم في واقع الأمر بدور خطر من خلال نقلها صورة غير واقعية وفيها الكثير من المبالغة عن أوضاع حقوق الإنسان في بلد معين، وهو الأمر الذي قد يؤدي إلى إثارة قلاقل اجتماعية على مستوى الداخل، لا تخدم الإنسان، بل تتسبب في معاناته، والإساءة إلى سمعة بلده على مستوى الخارج.. في وقت تغض هذه المنظمات نفسها الطرف عمدًا عن انتهاكات حقيقية لحقوق الإنسان في بلد آخر، فتسهم بذلك في إفلاته من المحاسبة.. بل إنها تساعده بهذا التجاهل المتعمد على المزيد من الإمعان في انتهاك حقوق الإنسان.
وتبدو السياسة الانتقائية التي يمارسها بعض المنظمات الحقوقية بوضوح في تعاطيها مع أوضاع حقوق الإنسان في العالم العربي وفي إسرائيل، فحين يتعلق الأمر بدولة عربية تتحرك هذه المنظمات لتدين وتشجب وتصدر البيانات والتقارير التي تشهّر فيها بهذه الدولة، ولا تتردد في مخاطبة الملوك ورؤساء الدول، بل إنها قد تحرض القوى الكبرى على التدخل، بينما حين يتعلق الأمر بإسرائيل وانتهاكاتها لحقوق الإنسان الفلسطيني فكأن شيئًا لم يحدث.. ويتحول البكاء والنحيب على حقوق الإنسان إلى صمت مخزٍ ومريب رغم أن حقوق الإنسان واحدة ولا تختلف باختلاف الأشخاص والزمان والمكان، ويتطلب التعاطي معها بحيدة وتجرد، ولعل التعامل الحالي مع إضراب الآلاف من الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي خير دليل على ذلك.
ومن رصد مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية لأداء بعض المنظمات الحقوقية الدولية التي تتسم بازدواجية في المعايير أو «الكيل بمكيالين»، قامت وحدة التقارير الدولية في المركز، بإشراف «د.عمر الحسن» وآخرين، بإعداد دراسة حول أداء وأسلوب منظمة «هيومن رايتس ووتش» في التعاطي مع قضية حقوق الإنسان الفلسطيني من خلال التطبيق على حالة الأسيرة الفلسطينية «هناء شلبي» (التي اعتقلت إداريٌّا من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلية من دون أن تحاكم أو يوجه لها اتهام رسمي وتم إطلاق سراحها بعد ٤٥ يومًا من الإضراب ليس إلى بلدتها في الضفة الغربية ولكنها أبعدت لغزة وفي هذا جريمة إنسانية أخرى) وذلك للكشف عما يتسم به تعاطي هذه المنظمة من عدم توازن أو حياد؛ حيث إنها لم تتطرق لحالتها ومعاناتها أبدًا، وهو ما يثير علامة استفهام كبيرة حول موقف هذه المنظمة من قضايا حقوق الإنسان.. وهل هي فعلاً معنية بها أم أن لها أهدافا سياسية معينة؟
ويكفي للحكم على غياب تعاطي «هيومن رايتس ووتش» مع حالة إضراب «شلبي» عن الطعام أنها لم تصدر أي تقارير أو بيانات ولم توجه أي رسائل لزعماء ورؤساء دول تحثهم على التدخل لدى قوات الاحتلال الإسرائيلية للإفراج عنها كما تفعل في حالات مشابهة.
وهو ما يعني أن «هيومن رايتس ووتش» لا تجرؤ على التعرض لإسرائيل بكلمة واحدة فيما يخص أوضاع حقوق الإنسان الفلسطيني عامة والأسرى في سجونها بصفة خاصة.
وقد خلصت الدراسة، التي يمكن من خلالها تقييم أداء المنظمة عبر متابعة بعض مواقفها، إلى الملاحظات التالية:
أولاً - لم تختلف «هيومن رايتس ووتش» عن معظم المنظمات الغربية الحقوقية أو المؤسسات الإعلامية، فهي لم تتردد في التحرك عندما يتعلق الأمر بوضع حقوق الإنسان في أية دولة عربية؛ حيث تصدر التقارير والبيانات وتوجه الرسائل والإملاءات من أجل مناصرة ودعم من تعتبرهم ضحايا حقوق الإنسان في الدول العربية، بينما عندما يتعلق الأمر بإسرائيل يصيبها الخرس والصمم، ولعل قضية إضراب الأسيرة الفلسطينية «هناء شلبي» عن الطعام التي تجاهلتها، تؤكد أن المنظمة في إطار نهجها المنحاز، لم تجرؤ على تناول حالة «هناء شلبي» التي تجسد معاناة ٤٧٠٠ أسير فلسطيني في السجون الإسرائيلية منهم ١٦٠٠ أسير مضرب عن الطعام منذ ١٧/٤ منهم ٢١ أسيرًا في حالة خطرة، وقد يفارق بعضهم الحياة بين لحظة وأخرى.
ثانيًا - أدى تجاهل «هيومن رايتس ووتش» حالة إضراب «هناء شلبي» عن الطعام ؟ مدة ٤٥ يومًا ؟ إلى النيل من مصداقيتها كمنظمة حقوقية يفترض أنها تدافع عن حقوق الإنسان بموضوعية وتجرد، علمًا أن إسرائيل تمارس مختلف صور الانتهاكات بحق «الشعب الفلسطيني» التي تتجاوز اعتقال الآلاف من دون محاكمات سنوات إلى القتل الممنهج ومصادرة الأراضي، وتدمير المزارع، وإقامة المستعمرات، وهدم المساجد والإساءة إلى المقدسات.
ثالثًا - تتهم المنظمة القوى الكبرى (أمريكا والاتحاد الأوروبي) بأنها تمارس ازدواجية المعايير في تعاملها مع قضايا حقوق الإنسان، وأنها تتجاهل انتهاكات حقوق الإنسان في بعض البلدان في الوقت الذي تبدي اهتمامًا بها في دول أخرى.ورغم أن المنظمة قد تبدو محقة فيما يتعلق بممارسة القوى الكبرى لسياسة المعايير المزدوجة في سياستها بمنطقة الشرق الأوسط، فإن ذلك لم يكن لصالح العرب، وإنما كان لصالح إسرائيل. وعلى ما يبدو، فإن المنظمة لا تلتفت إلى أنها هي نفسها تمارس - كما رأينا - سياسة المعايير المزدوجة حين تهتم بحالة إضراب البعض بما يخدم أغراضها، من دون أن تهتم بحالات إضراب الأسرى الفلسطينيين عن الطعام ومنهم «هناء شلبي».
رابعًا - ما أبدته وتبديه هذه المنظمة أو غيرها من ازدواجية في المعايير عند تعاملها مع قضايا حقوق الإنسان الفلسطيني لهو أمر يثير الشكوك بشأن وجود أهداف سياسية لهذه المنظمة من وراء شنها هجومًا شرسًا وظالمًا ضد قيادات عربية وبشكل ممنهج، يصل أحيانًا إلى درجة التهديد وتوجيه الاتهامات والإدانات، في الوقت الذي لم تجرؤ ولا تجرؤ هذه المنظمة على إدانة إسرائيل على اعتقالها لآلاف الفلسطينيين منذ سنين من دون محاكمات وانتهاكاتها اليومية التي ترتكبها ضد الشعب الفلسطيني، وحصاره على أرضه.
خامسًا - يعاب على منظمة «هيومن رايتس ووتش» أنها عادة ما تستقي معلوماتها عن حقوق الإنسان من مصادر تمثل طرفًا واحدًا من دون الطرف الآخر، وهو ما يؤدي إلى نقل صورة غير صحيحة عن الأوضاع، مما يقود إلى نشر معلومات غير دقيقة، وقد تهدد السلم الاجتماعي والأمن والاستقرار.
وبناءً على ما تقدم، أوصت الدراسة أن تقوم الدول العربية من خلال قرار تتخذه الجامعة العربية بمقاطعة هذه المنظمة هي ومن يتبع أسلوبها غير المتوازن، والتركيز فقط في التعامل على مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة وغيره من المنظمات الإنسانية والحقوقية الجادة والمهنية التي تهدف في تقاريرها إلى مساعدة الإنسان العربي على الحصول على حقوقه السياسية والاقتصادية والاجتماعية بطريقة حضارية وحيادية بعيدة عن الإملاءات وبدون التطاول على القيادات.
.