الجريدة اليومية الأولى في البحرين


هوامش


الوعود النظرية ليست الحل

تاريخ النشر : الأربعاء ١٦ مايو ٢٠١٢

عبدالله الأيوبي



ليس صعبا أن تبيع أي كمية من الأسماك وهي في البحر وأن تعد بما تشاء من أصناف الطيور وهي تحلق في الفضاء، فهذه وعود سهلة الإطلاق، ومن السذاجة بمكان، وخاصة في العمل السياسي التمسك بالمثل الفرنسي القائل «ان الملزم بالإيفاء بالوعود هو من يصدقها»، فنجاح العمل السياسي لأي حزب يتوقف على مدى قدرته على الإيفاء بما يعد به جماهيره وتحقيق ولو جزءا يسيرا من الوعود التي يطلقها خلال عمله الجماهيري، سواء كان ذلك خلال الحملات الانتخابية التي يخوضها أو من خلال عمله السياسي الجماهيري، فحين يكون الحزب خارج السلطة أو خارج دائرة الفعل المباشر والتأثير الفعلي في القرارات فإنه يكون خارج المحاسبة والمراقبة الجماهيريتين، أما عندما يتغير موقعه على الساحة فإن النظرة إلى أدائه وأفعاله تكون مختلفة تماما، سواء من قبل جماهيره أو من قبل شرائح المجتمع كافة.
فالوعود النظرية تكون في غاية البساطة، ومن شأنها أن تكرس صورة نرجسية حول الحزب وسط الجماهير المؤيدة له أو حتى «المحايدة»، ولكن هذه الأخيرة تريد من الحزب الذي أعطته ثقتها وسلمته مصير خياراتها حين يكون في موقع صنع القرار أو المساهمة بأي قدر من النسب في التأثير عليه، أن يثبت الحزب لها عمليا، وليس نظريا، صحة تلك الوعود وإمكانية تحقيقها وترجمتها إلى أفعال على أرض الواقع، لأن الوعود أيا كانت جميلة لا يمكن أن تكون هدفا ومبتغى للناس الذين تهمهم بالدرجة الأولى مصالحهم الفردية في إطار الوعاء الوطني الجامع.
مشكلة بعض القوى السياسية، وخاصة في الدول الحديثة التجربة السياسية والعمل النيابي الديمقراطي، أنها تحيط نفسها بهالة من الكمالية بحيث توهم الجماهير بشيء جميل، وجلها في هذه الدول، هي جماهير بسيطة وتنساق في معظم الحالات وراء الوعود الرنانة والجميلة التي تشبع عواطفها ومشاعرها التواقة نحو واقع جديد يختلف عن الواقع الذي تعيشه، هذه الأحزاب معظمها، بل يمكن القول جميعها بالنسبة إلى واقعنا العربي، لم تخض تجربة السلطة العملية وبالتالي فإنها لم تذق طعم المسئولية القيادية لمجتمع متعدد الأذواق السياسية والاجتماعية، وليس لمجتمع الحزب الواحد الذي يمكن جمع أفراده حول مفاهيم نظرية لذيذة الطعم موسيقية السمع.
لا تكمن المشكلة فقط في اعتقاد مثل هذه الأحزاب وقناعتها بقدرتها على تغيير الواقع واستخدام مفاهيمها النظرية كآليات لإحداث مثل هذا التغيير، فتلك من حقوق القوى السياسية التي تؤمن بهذه النظرية أو تلك، ولكن المشكلة في اعتقاد مثل هذه الأحزاب أو بعضها أن نظريتها ومفهومها للحكم هما مفتاح الحل السحري للمعضلات التي تواجه المسيرة الوطنية، وفي هذه المفاهيم تكمن أدوات حل أشكال المشاكل كافة، سواء الاقتصادية منها أو الاجتماعية أو السياسية.
إن تغلغل مثل هذه المفاهيم في عقلية القيادات الحزبية يؤكد أن النظرة الشمولية هي المسيطرة على تفكير تلك القيادات، والأخطر من ذلك أن هذه العقلية تتحول إلى جماعية حزبية حيث تصر وتؤكد قواعد هذا الحزب أو ذاك صحة ما تطرحه قيادتها، وبالتالي تقع في محظور رفض الآخرين وبالتالي رفض التعددية التي لا يمكن إلغاؤها من أي مجتمع بغض النظر عن اتساع القواعد الجماهيرية لهذا الحزب أو ذلك، ففي المجتمعات التي تؤمن قياداتها الجماهيرية بالتعددية الحقيقية فإنها تطرح مفاهيم الأغلبية والأقلية جانبا حين تريد حقا أن تترجم هذه الفسيفساء إلى صورة غير مشوهة.
في هذه الحالة ربما نجد أحزاب قوى الإسلام السياسي في الدول العربية تحديدا، خير معبر عن مفهوم الشمولية من منطلق امتلاك هذه الأحزاب «نظرية» قادرة على التصدي وحل مشاكل المجتمع الذي تعمل فيه، وخاصة أن هذه الأحزاب تعيش في الوقت الحاضر ربيعها السياسي في أعقاب التغيرات السياسية التي طالت العديد من الدول العربية في ظل ما اصطلح على تسميته الربيع العربي الذي أطاح بسلطتين سياسيتين في دولتين عربيتين تمتلكان أكبر رصيد غني من التجربة السياسية الجماهيرية، وهما مصر وتونس، فيما تترنح دولة أخرى لا تقل أهمية وهي سوريا تحت وطأة حراك لا يختلف من حيث أهدافه عما حدث في مصر وتونس.
فمثلما آل مصير القيادة السياسية الفعلية في تونس إلى حزب الإسلام السياسي (النهضة)، فإن مصر ينتظرها المصير نفسه، وإن كان هناك اختلاف شكلي وغير جوهري، في نظرية الحكم بين إسلام تونس السياسي وشقيقه المصري، فإن كلتا القوتين السياسيتين المتأسلمتين، تؤمن بامتلاكها العصا السحرية لحل مشكلات المجتمعين المصري والتونسي، وترفض مبدئيا، وليس شكلا مؤقتا، الاعتراف بحق الآخرين في طرح البدائل التي تراها صالحة للتطبيق في المجتمعين المصري والتونسي، فحزب النهضة التونسي أو جماعة الإخوان المسلمين في مصر، يؤمنان وبقناعة مطلقة غير قابلة للنقاش بأن «الإسلام هو الحل»، والسؤال الذي يطرح نفسه هو الآلية التي ستلجأ إليها قوى الإٍسلام الحاكمة لترجمة ذلك وهل هي مستعدة لأن تقبل نتيجة الإخفاق الحتمية في ترجمة ذلك إلى أفعال ناجحة؟ أم أنها ستلجأ إلى خيار الفرض الجبري على قبول نظريتها؟
لا أستبعد أن يكون الخيار الثاني هو خطوتها المستقبلية.