الجريدة اليومية الأولى في البحرين


قضايا و آراء


هل يواكب إعداد المعلمين التحديات المستقبلية للتعليم؟

تاريخ النشر : الجمعة ١٨ مايو ٢٠١٢



يعد المعلم الحجر الأساسي في العملية التعليمية، وينظر اليه انه الدعامة الأساسية والكبرى، لصناعة الأجيال، وتربية النشء، ونهضة الشباب وتقدمه.
وغالبا، ما تتكفل باعداد المعلمين في الوطن العربي، (معاهد المعلمين)، و(كليات التربية) و(كليات المعلمين) كجهات أساسية، يتخرج منتسبوها للعمل وللالتحاق بسلك التعليم العام في الوطن العربي.
وقد بذلت ؟ ولاتزال ؟ الجهود الحثيثة، لتربية وصناعة المعلمين، ليقوموا بدورهم المنوط بهم لتربية الاجيال ومدهم بالثقافة والعلم.
في مصر، هناك كليات التربية، تتبع اكثر جامعات مصر، مثل كلية التربية بجامعة الأزهر، وبجامعة أسيوط، وبجامعة طنطا، وبجامعة المنوفية، وبجامعة الزقازيق، وغيرها.
وكذا في السعودية والكويت والأردن وغيرها من البلدان.
وتهدف هذه الكليات والمعاهد في المقام الأول، لاعداد المعلمين المؤهلين تأهيلا علميا وتربويا وثقافيا للقيام بالتدريس في مراحل التعليم المختلفة.
الى جانب تبني افضل الطرائق، واكثرها ايجابية، في اعداد المعلمين المهرة، إلى جانب أيضا العناية بالبحث العلمي والدراسات، في حقول المجالات العلمية والتربوية والنفسية المختلفة.
الا انه مع حالة التوسع هذه، في انشاء المزيد من هذه الكليات، فانه قد يكون لاتزال التقليدية هي الصبغة الطاغية، كعمل اكاديمي، وادارة تربوية، في اغلب كلياتنا ومعاهدنا.
اننا اذا أردنا ان نحسن من اعداد المعلمين، من الناحيتين الكمية والكيفية، فلابد من تطوير المدخلات لهذه المعاهد والكليات، من النواحي الاكاديمية والنوعية والكمية وغيرها، فمثلا، ان يعمل بها، ويستقطب لها، اساتذة ومتخصصون ممتازون، ومشهود لهم بالكفاءة والعلمية والتخصص، وكذا تحسين قواعد القبول بحيث لا يقبل من الطلبة الا من تتوافر فيهم الصفات، وأولاها الرغبة الصادقة للالتحاق بهذه المهنة الكبيرة.
إن اكثر كلياتنا ومعاهدنا في وطننا العربي، تعاني كثيرا من اوجه القصور، سواء في المباني الاكاديمية والمعامل والمختبرات، وقاعات المحاضرات، والمكتبات الجامعية المتخصصة، وتوافر المصادر والمراجع والدوريات المتخصصة، وغيرها من اوجه القصور.
وانه قد يرجع إلى جملة من اسباب هذا القصور، قلة الابحاث والدراسات المعنية بتطوير استراتيجيات النهوض بهذه الكليات والمعاهد، او ان هذه المؤسسات قد تكون منعزلة عن الابحاث والاتجاهات العامة للتربية والتعليم (أزمة التعليم في عالمنا المعاصر، ف كومبز، ص 75).
وكما قلنا في بداية بحثنا هذا، ان المعلمين، هم رسل الثقافة والعلم، ودعاة الاصلاح والتطوير، وطلائع التجديد والابتكار.
ومن هذا الاساس، كان اهتمام الدول والحكومات والمجتمعات، بمعلميها اعدادا وتدريبا وتوجيها واشرافا، وقد بذلت كل ما في وسعها لجعلهم رواد التنوير والتثقيف والتعليم، والاصالة والتجديد والابداع، اذ عليهم يتوقف تقدم ونهضة الأمم والمجتمعات، وبصلاحهم ينمو المجتمع ويتقدم.
لذا بات من الضروري جدا الآن، وبخاصة في هذا العصر، عصر التقنية والتكنولوجيا والانترنت والتقدم الالكتروني، العناية جدا بمسألة (اعداد وتدريب المعلمين) قبل واثناء الخدمة، ويعد هذا الجانب من اهم وابرز واعظم المقومات الرئيسية للتخطيط التربوي الناجع، (اتجاهات جديدة في التخطيط التربوي في بلادنا العربية، د. عبدالغني النوري).
وحقيقة ان معظم القضايا التربوية، ومشكلاتنا التعليمية، مردها في الأساس، لافتقار المدارس إلى مربين قديرين، ومعلمين اكفاء، لكون المعلم الكفء الحاذق، هو الأول والأساس، وقبل اي شيء آخر، فالبناء المدرسي المتكامل والمنهج الدراسي المطور، ومراكز مصادر التعلم، والمختبرات والورش، ووسائل تكنولوجيا التعليم... الخ، كلها لا تجدي نفعا من دون المدرس الناجع والمدرب بكفاءة عالية.
في توصية لأحد المؤتمرات التربوية الامريكية، لإعداد المعلمين وتطويرهم اثناء الخدمة، تقول التوصية: «إن شخصيات المعلمين وصفاتهم تعود بصورة مباشرة، إلى التدابير الفعالة، التي تتخذ لتربيتهم، وحسن اعدادهم، فتحسين تربية المعلمين، هو تحسين للتعليم، وتحسين التعليم هو تحسين المدارس، وتحسين المدارس هو تقوية الجيل الطالع، الجيل الطالع هو واجب اجتماعي من الطراز الأول» (رائد التربية العامة واصول التدريس، عبدالحميد فايد ص 432).
من زاوية اخرى، فانه قد ظهر حديثا ما يسمى «التعليم الالكتروني»، كرافد كبير، لحركة التقدم السريع، في مجال تكنولوجيا المعلومات، من جهة، وحقل تكنولوجيا التعلم والتعليم، من جهة اخرى، فلابد من الاخذ بالحسبان هذه المستحدثات، على معايير اعداد المعلمين، لذا فانه بات من المؤكد اعادة النظر واعادة صياغة جديدة لبرامج اعداد المعلمين، بكليات التربية، لتواكب هذه المستحدثات في عالم التربية والتعليم.
(التعليم الالكتروني وإعداد المعلم، د. إسماعيل محمد).
ويعاني نظامنا التعليمي عيوبا ونقائص، شكلت بذلك، ازمة حقيقية.
فالأسس التقليدية الجامدة القائمة على التلقين والحفظ، وغياب التفكير الابداعي، والمناهج المحددة الجامدة التي تقتل روح البحث والاستقصاء، ونظم الامتحانات الموروثة من القرون الوسطى، التي ثبت قصورها في قياس قدرات الطلاب الحقيقية، وفقدان الرغبة الحقيقية للتعلم، وان حصلت فأغلبها، هدف الطلبة من وراء ذلك الحصول على المؤهل الجامعي للمباهاة والمفاخرة، والمظهر الاجتماعي، بينما الاصل في العلم والتعلم كحاجة انسانية، وعشق وشغف.
هذا قليل من كثير من اوجه ازمة التربية في عالمنا المعاصر، والاسباب الحقيقية لتدهور نظامنا التربوي (ازمة التعليم المعاصر وحلولها الاسلامية، د. زغلول راغب النجار، ص 234 ؟ 236).
وبناء عليه، فان منظومة التعليم العربية، بحاجة إلى اصلاح وتطوير مستمرين، وهذا لا يتأتى الا بتوحيد الجهود من المختصين والتربويين، لوضع صياغة جديدة متطورة، لسبل الاصلاح التعليمي الشامل.
وكذا الأمر ينسحب على كليات التربية، فلابد من وضع فلسفة تطويرية شاملة، لمجمل العمل الاكاديمي بالكلية، المقررات الجامعية، اهداف الكلية، قواعد القبول، مقررات البحث العلمي، ادخال تكنولوجيا التعليم الالكتروني، الجودة التعليمية، تقنيات ومهارات الابتكار والابداع.
والخلاصة، ان غياب استراتيجيات التربية الواضحة المعالم، لتطوير التعليم، ولتطوير مؤسسات اعداد المعلمين، قد يكون السبب فيما نحن عليه من مشكلات التعليم وازماته، وعليه فانه على القائمين بأمور التربية في وطننا العربي، ان يشمروا عن سواعدهم، في وضع استراتيجيات بعيدة المدى لتحقيق الاهداف المرجوة.