الجريدة اليومية الأولى في البحرين


خاطرة


قارب إطعام الطعام

تاريخ النشر : الجمعة ١٨ مايو ٢٠١٢

عبدالرحمن فلاح



قد يبدو للنظرة الكليلة المتسرعة أن إطعام الطعام للمحتاجين أمرٌ لا قيمة له عند الله تعالى، وأنه لا يرقى إلى مستوى الأعمال الخيرية الأخرى مثل الزكاة والصدقة، وأنه لا يصل إلى المكانة التي يحبها الله تعالى ويحض عليها، ويثيب عليها الأجر الجزيل، وهذا غير صحيح، فإن إطعام الطعام من الأعمال المبرورة عند الله تعالى، وهو من الطاعات التي قد تكون سبباً في دخول الجنة، بل الخلود فيها، ولقد دلت الآيات القرآنية على ذلك، وأوضح مثال على ذلك ما جاء في سورة الإنسان عندما بسط الحق تبارك وتعالى الحديث عن صفات الأبرار، ووصفهم بأنهم هم الذين يشربون من كأس كان مزاجها كافورا، ثم يتحدث عن وفائهم بالنذر، وإطعامهم أهل الحاجة من المساكين اليتامى والأسرى قربة إلى الله تعالى، وخوفاً من يوم عبوس قمطرير، قال تعالى:} إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا (5) عيناً يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا(6) يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شره مستطيرا(7) ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيرا (8) إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكورا(9) إنا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريرا(10) فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقّاهم نضرة وسرورا(11) وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا(12) متكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمساً ولا زمهريرا(13) ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا(14){ سورة الإنسان.
ثم يفيض الحق تبارك وتعالى في وصف الجنة، وما فيها من متع خالدة، ونعيم مقيم، ثم يعقب على ذلك بقوله تعالى: }إن هذا كان لكم جزاءً وكان سعيكم مشكورا{ الإنسان.
فانظر عزيزي القارئ كيف صار إطعام الطعام للمحتاجين سبيلاً إلى الجنة، وإلى نعيمها الدائم، وكيف حاز هذا الإنسان الذي لم يكن شيئاً مذكورا كما قال الله تعالى في مفتتح السورة على هذه المكانة، وقلده الله تعالى هذه الأوسمة العظيمة التي لا تعادلها من أوسمة الدنيا شيء.
إنها أوسمة الشرف الذي لا يدانيه شرف، انها أوسمة العرفان بالجميل حين التفت هذا الإنسان إلى هذه الفئات الضعيفة في المجتمع وسارع إلى نجدتهم، وتقديم المساعدة إليهم مما يحبه من طعام وشراب، ولقد كافأه الله تعالى بأن وقاه شر ذلك اليوم الذي يخشاه، واستقبله بالبشر والترحاب، وبشره بالفوز في الدنيا والآخرة، ولم يكتف بهذا بل شكره على رؤوس الأشهاد، وحياه، وجعله نموذجاً يحتذى به بين الناس،
وكأن من دلالات السورة التي جعل الحق تبارك وتعالى الإنسان عنواناً عليها، كأن من دلالاتها أنه لا يستحق وصف الإنسان ولا اسمه من لم يتصف بهذه الصفات، بل لا يستحق أن يكون له شرف الانتماء إلى الإنسانية إلا من رق قلبه، وصفت نفسه، وشعر بمعاناة المساكين واليتامى والأسرى الذين فقدوا العائل، وانفض من حولهم الأعوان، فكان من كمال إنسانية هذا الإنسان أن سارع إلى نجدتهم، ومد يد العون إليهم.
هذا الإنسان وأمثاله هم أصحاب قارب إطعام الطعام، وهم المؤهلون وحدهم لامتطاء صهوته، وهم وحدهم دون سواهم الذين يستقبلهم قائد القارب بأجمل كلمات الترحيب، وينزلهم المكانة التي يستحقونها، ويهيئ لهم من أسباب الراحة، والتكريم ما هم له أهل، كل ذلك لأنهم قدموا لأنفسهم من الأعمال الخيرة، ومن الرعاية الطيبة التي أسدوها إلى أهل الحاجة، فكان جزاؤهم عند مولاهم سبحانه وتعالى من جنس عملهم المبارك.
يقف قائد قارب إطعام الطعام يستقبل القادمين إليه ووجهه يتهلل فرحاً وبشراٍ، فهو يحمل معه أناساً استحقوا عن جدارة هذه المنزلة،وهم من المبشرين بالجنة من الذين سخرهم الله تعالى لإطعام المساكين واليتامى والأسرى، وهم أصناف في المجتمع المسلم لا يجدون من يُعنى بهم، ويقدم لهم يد المساعدة، ولكن المجتمع المسلم لا يعدم أناساً تتلهف نفوسهم إلى البذل والعطاء، وهم ركاب هذا القارب المبارك الذي لا يحمل غيرهم، ولا يرحب بسواهم، فاركبوا باسم الله مجريها ومرساها.