الاتحاد الخليجي.. تأجيل مدروس خير من تعجيل مرتبك
 تاريخ النشر : السبت ١٩ مايو ٢٠١٢
بقلم: د. عبدالرحمن عبدالله بوعلي
ليس سراً أن التأجيل الذي أعلنته القمة التشاورية الخليجية الأخيرة لبحث مسألة الاتحاد الخليجي قد أنتج قدراً واسعاً من الإحباط لدى الملايين من أبناء دول المجلس، وربما نفس القدر من الغبطة والتشفي لدى شريحة محدودة من بعض الخليجيين، وخاصة الذين تتحرك بوصلتهم دائماً باتجاه طهران..! غير أن منطق الأشياء وحساسية مثل هذا القرار الكبير وتبعاته، ربما تبعث على قبول التبرير الذي صدر عن القمة التشاورية بحاجة الأمر إلى «المزيد من الدراسة في قمة استثنائية لاحقة». ونحن وكثير من أبناء دول المجلس نفضل تأجيلاً محدوداً يفضي الى اتحاد متماسك وقوي ومتوافق داخليا، على قرار متسرع يفضي تالياً إلى بروز معطيات خلافية، ومشكلات اجرائية ووجهات نظر متعارضة هي بكل المقاييس أكثر خطورة وتهديداً من تأجيل قصير المدى.
هناك إجماع شعبي خليجي على أن فكرة الاتحاد ليست فكرة مبتدعة أو قراراً ارتجالياً تفرضه ضغوط أمنية أو سياسية، وقادة دول مجلس التعاون الخليجي يدركون هذه الحقيقة التي تشهد تجسيداً تاريخياً متواصلاً منذ نحو قرنين من الزمان، تنامت فيه علاقات شعوب هذه المنطقة وتقاطعت مع بعضها بحيث لم تعد تفصل بينهم سوى حدود افتراضية صنعتها في الأصل دول استعمارية، وحان أوان إعادة النظر فيها، وتجاوزها، على النحو الذي يرضي الجميع ويكفل لكل دولة خصوصياتها وامتيازات أبنائها فيها، وبحيث يكون الاتحاد مظلة تلتقي تحتها المصالح المشتركة لدول وشعوب المجلس، لمواجهة تحديات هي في الواقع مشتركة بينهم، وتهديدات لن تخص شعبا من دون آخر ولا دولة خليجية من دون أخرى.
من حق شعب أي دولة خليجية أن يـُكوّن لديه قناعته الخاصة بجدوى وأهمية الاتحاد، الذي يبدو خطوة طبيعية وحتمية للغاية بعد أكثر من ثلاثة عقود ناجحة من التنسيق الكامل وتوحيد الكثير من المؤسسات والقوانين والانظمة. وهذا بالطبع إلى جانب معطيات وثوابت وحدوية تاريخية وجغرافية وسكانية لا حصر لها، راكمتها دول وشعوب مجلس التعاون على مدى سنوات عمر المجلس ومن قبله على مدى عقود وقرون من الوحدة الطبيعية التي يؤكدها التاريخ وتحرسها الجغرافيا وعلاقة الدم والنسب.
أما الذين يصفون توافق قادة دول المجلس في قمة الرياض السابقة على مبدأ الانتقال من مرحلة التنسيق والتكامل إلى مرحلة الاتحاد، بأنه كان خطوة متسرعة، فهم بالتأكيد لا يُعبرون عن قناعات عقلية ومنطقية بقدر ما يُعبرون عن أحلام وأمنيات ومخاوف سلبية لطالما أرقتهم فكرة الاتحاد الخليجي باعتبارها تجهض أحلاماً واجندات خاصة لهم وللقوى والدول التي تحركهم أو ينتمون إليها روحياً وولائياً..!!
فكرة الاتحاد بين دول الخليج.. هي أمر واقعي وحاجة سياسية وشعبية وحتمية وجودية، وليست مجرد سؤال محكوم لفوائد اقتصادية أو تمثيلية. وهذا ما يدركه قادة مجلس التعاون بنفس قدر إدراك شعوب المجلس. وبما أن الاتحاد المطروحة فكرته هو اتحاد كونفدرالي، فليس ثمة مبررات لتغول نظام حاكم على آخر وليس ثمة معطيات تهدد سيادة أي نظام على حساب آخر. أما الذي يطرحه بعض المتثاقفين من أن العائق الأبرز أمام الاتحاد هو عدم تجانس المنظومات السياسية الخليجية، فهو ليس أكثر من ثرثرة و(فذلكة) ساذجة للغاية، لأن الرد الأبرز والاكثر واقعية عليها، هو أن هذه المنظومات نفسها استطاعت ان تنجز مجلساً للتعاون والتكامل والتنسيق العميق هو الأطول عمراً على المستوى العالمي والأكثر انجازاً على المستوى الاقليمي.. ونحن هنا لا نحاول الرد على هذا النوع من التفسيرات الواهمة و(المتفذلكة) بقدر ما نريد أن نشير إلى مدى سذاجتها وتعويلها على اطروحاتها المتهافتة التي يجري طرحها ليس على أرضية بحث فكرة الاتحاد بل على ارضية خوفهم الشديد من قيام الاتحاد وما يعنيه بالتالي من إجهاض لأطماع الجهات والقوى التي تحركهم الآن وسوف تحرقهم غداً على مذبح مصالحها وأطماعها.
في الشأن الوطني:
من فمهم ندينهم..!
من أعجب وأجمل ما طرحته جمعية الوفاق على لسان متحدثها الرسمي، وهي تدلي بأسباب رفضها لمبدأ الاتحاد الخليجي، أن هذا الاتحاد «يزعج الجمهورية الاسلامية»..!!..ونحن بدورنا لن نعلق على هذا الطرح بأكثر من أن نقول للجمعية ومتحدثها الرسمي وأمينها العام: شكراً.
.