الجريدة اليومية الأولى في البحرين


أخبار البحرين

الدكتور عبدالرحمن الفاضل:

إنه ليس اتحاد أرض وحدود.. إنه اتحاد أمة ووجود

تاريخ النشر : السبت ١٩ مايو ٢٠١٢



أكد الدكتور عبدالرحمن الفاضل خطيب جامع نوف النصار بمدينة عيسى في خطبته ليوم الجمعة أمس أن البحرين ومنطقة الخليج وعالمنا العربي يمر بواقع يحتم علينا أن نكون في كامل اليقظة والانتباه لما يجري عندنا من إرهاب، وما يدور من حولنا من أحداث مشبوهة. غارات أعداء متتابعة، قد صُوبت نصال سهامهم، وأُشرعت رماح حقدهم؛ نحو ديننا، وهويتنا، وعرضنا، وأرضنا؛ أغراهم بنا، وأطمعهم فينا، ضعفُنا وتفرقنا، وهاهم يطمعون في المزيد، فيبيتون من أنواع المكر والكيد والغدر والحيلة ما يمكنهم من إحكام سيطرتهم على الأمة. ولقد أصبحنا - ولا حول ولا قوة إلا بالله - نرى الفتن تطل برؤوسها، وتظهر بوجوهها المكفهرة الكالحة المعبرة عما تكنه قلوبها من النفاق والبغض لأهل الإسلام.
وإن ما يجري اليوم في بلادنا ما هو إلا مقدمة لخطط مستقبلية رهيبة، قد حذر منها العقلاء المخلصون ولا يزالون!! وكم نبهنا عن تصاعد الأحداث وتزايدها، ومدى تكالب الأعداء وتظاهرهم على الأمة، وقد دفعوا بعملائهم، وأذنابهم الخونة؛ ليكونوا كالخنجر المسموم تطعن به الأمة في خاصرتها غدرا وغيلة، وهاهم يُمعنون في باطلهم من أجل تمزيق بلاد العرب والإسلام أكثر مما هي فيه من تمزق وتشرذم، وليس أدل على خيانة القوم عندنا من اعترافهم عملياً بتبعيتهم لأسيادهم في الدولة الفارسية؛ ظهر جلياً في اعتراضهم على الاتحاد الخليجي الذي لا شأن ولا علاقة لهم به لا من قريب ولا من بعيد، فما الذي جرأهم على مثل هذا؟ وما الذي جعلهم يصرخون بكل تلك الوقاحة؟! إنهم بذلك يؤكدون وأذنابهم في البحرين ما كانوا يكررونه قبل الثورة المشؤومة وبعدها، إن البحرين محافظة من محافظاتهم! وهم أولى بها ولن تكون لقمة سائغة للسعودية! ماذا ننتظر بعد كل هذه التخاريف الصادرة عن كبار مسئولي ذلكم النظام الحاقد، والمعلنة صراحة من معبد كنيس طهران؟! وإن كنا لا نستغرب هذه التخاريف والترهات!! إلا أننا نستغرب ونعجب من ردود أفعالنا المعتادة التي لا تتجاوز في حدها الأعلى درجة الاستنكار والاستهجان لا غير! فهم إذاً يعدون عدتهم انتظارا للحظة الحسم المتفق عليها مع من نزعم ويزعمون بأنهم أصدقاء وحلفاء! وهم في الواقع والحقيقة هم الذين يسيرون رؤوس النظام الصفوي في طهران وجميع أذنابهم في البحرين والخليج وبلاد العرب!
فالقضية أو بالأصح المؤامرة بين أركان الكفر والشرك الثلاثة: الصليبية والصهيونية والصفوية لم تعد علاقاتها وارتباطاتها الوثيقة خافية بعد أن باتت مفضوحة! غير أنه من المحزن المؤلم لنا أن نرى أصحاب القرار في دولنا لايزالون يعولون على مواقف حلفائنا وأصدقائنا المزعومين!! وننسى أو نتناسى أن هؤلاء هم الذين غدروا بالأمة، وساهموا في تمزيقها واحتلال أراضيها، وسلب خيراتها، وقد سجلت صفحات التأريخ تلك الجرائم والخيانات التي ارتكبها أصدقاؤنا وحلفاؤنا المزعومون، والذين لايزالون يلعبون نفس ألاعيبهم القذرة، ويتخذون ذات الأساليب المدمرة، ولنسعف الذاكرة بمخازيهم: أليسوا هم من خدعوا واستغلوا بالأماني الكاذبة قادة الثورة العربية في تحقيق حلم الدولة العربية الكبرى من بعد أن أغروهم بقتال الدولة العثمانية لأسباب وغايات لا مجال لسردها هنا! أليسوا هم الذين اقتسموا بلادنا فيما بينهم وجعلوها دويلات بدلا من دولة واحدة! أليسوا هم من تآمروا على فلسطين من بعد أن غدروا بأهلها وسلموها للصهاينة اليهود يحتلونها ويشردون أهلها في الشتات منذ ما يزيد على ستة عقود من السنين؟! أليسوا هم من يُؤون الإرهابيين في بلادهم ويقدمون للمخربين الإعانات المادية والتأييد المعنوي؟ أليسوا هم الذين يديرون خيوط المؤامرة الكبرى في بلادنا وفي المنطقة اليوم بالتعاون والتعامل والتخابر مع إرهابيي وخونة الداخل والخارج من أجل احتلال بلادنا تمهيداً للوصول إلى أعظم مقدساتنا مكة المكرمة والمدينة المنورة لتدميرهما! أليس هذا هو الحلم والأمل والهدف الذي يعملون على تهيئة الظروف له من أجل تحقيقه وإنجازه؟! ولعل خيوط المؤامرة اليوم لا تخفى على أحد فقد ظهرت بكل تفاصيلها وافتضح أقطابها وعملاؤها، ولم يعد أمام دول الخليج إلا أن يحسموا أمر وجودهم قبل حدودهم مع عدو لا يرقب فيهم إلا ولا ذمة. ومن قبل أن يغدر بهم كما غدر بمن سبق ، فلا أمان لهم: « وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدلاونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقلا».
لا بد لنا إزاء هذا العداء الصريح من أخذ الحيطة والحذر وإعداد القوة، والتحلي بالتقوى، ولزوم الصبر؛ ليتحقق بعده النصر: «يَا أَيلاهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُواْ جَمِيعاً»، «وَأَعِدلاوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ».
تتداعى علينا كل قوى البغي والعدوان، أملا في أن يأخذ كل منها حصته من الغنيمة، وليشفي كل منها حقد قلبه وغليله، من الإسلام والمسلمين؛ فإنهم كما أخبر المولى -عز وجل- لن يرضوا عنا: «وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ»، وإنهم ألد أعدائنا: «لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ» ومن هنا لا يسعنا إلا أن نسلم بقين ومن دون تردد أو شك بأن قول الله تعالى هو الحق المبين. وأن هؤلاء أعداء بيقين؛ لا يمكن لأحد أن يجادل القرآن الكريم فيما قرره من عدواة الكفار والمشركين؛ من النصارى واليهود والمنافقين؛ الذين آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا، من بعد ما بدلوا دينهم وحرفوه، كل هؤلاء عداوتهم بينة وظاهرة لا يستطيعون إخفاءها، فنراهم يعلنون موقفهم العدائي الصريح، ويسجلون اعتراضهم الفاضح على ألا يكون هناك اتحاد عربي خليجي بين دول مجلس التعاون العربية. إن هذا يزعجهم ويقض مضاجعهم. ويرعبهم اتحادٌ خليجي حقيقيٌ قويٌ خشيتهم أن يفسد عليهم خططهم، ويكشف مكرهم، فيوقفهم عند حدهم، ويكون سداً مانعاً لهم من دخول أرض الحرمين التي إليها يهدفون! لأنها مهوى أفئدة المسلمين، وجهة قبلتهم الموحدة لهم، فلابد في اعتقادهم من إزالتها، وهم قد صرحوا مراراً بأنه ما دامت الكعبة قائمة فلن تستطيعوا القضاء على الأسلام والمسلمين! والرافضة الصفويون هم الأداة المنفذة التي تُستغل لتحقيق ذلك؛ والقوى الكبرى تقف من خلف الستار تُشرف على تنفيذ تلكم المخططات، وتحمي كذلك شراذم الذين مردوا على النفاق ممن نكصوا على أعقابهم، وارتدوا على أدبارهم، ممن ينتسبون إلى ملتنا، ويتكلمون بألسنتنا، وهم في الحقيقة ينفذون مخططات اليهودية العالمية؛ ولهذا نجد الحماية الكاملة لهؤلاء المجرمين، من خلال إيجاد التبريرات المتعددة لهم تحت مسميات شتى؛ كحق التعبير، والرأي، والحرية، وحقوق الإنسان كل هذه وغيرها تطرح كمسوغات لحماية الإرهابيين وإنقاذهم من تنفيذ العقوبات بهم؛ لأنهم يحققون أهداف تلك القوى الاستعمارية الكبرى، ويخدمون أغراضها، ويوفرون عليها جهودها.
إن الثالوث الصليبي الصهيوني الصفوي البغيض، بعضه أولياء بعض؛ بدليل ما نراه اليوم من الوقفة التضامنية القوية في الدفاع عن النظام النصيري الفاجر في سوريا، وكما ذكر ا?حفظه لله تعالى- قوله: بأن هناك اتفاقا بين النظام الفارسي والكيان الصهيوني على حماية النظام السوري من السقوط.. ولهذا أرسلت قوات من الحرس الثوري، وقوات من جيش المهدي ومن مقاتلي حزب الشيطان بكامل أسلحتها؛ لمساندة ذلك النظام الباغي، إنهم أعداء الأمة، تراهم يُساندون ويُؤازرون من قبل القوى الاستعمارية الكبرى، هذه هي الحقيقة التي لا يراد لنا ولأمتنا أن نراها، ومن أجلها تحول أنظارنا إلى سفسف الأمور وتوافهها.
واليوم قد انكشف أعداء الوطن في الداخل والخارج، ولم يعد بمقدور أحد أن يسترهم، من بعد أن تبينت نواياهم، وبرزت انتماءاتهم، وتأكدت ولاءاتهم لصالح العدو! فإنه ليس هناك من عذر للدولة أن تتراخى، أو تتهاون في اتخاذ ما يردعهم، فالأمور قد بلغت مداها، وخيانة الوطن والأمة والجرائم التي ارتكبت، جميعها شهودها الشعب بأكمله، والعالم بمجمله، جرائم توافرت فيها أركان الجريمة كاملة، فوجب فيها تطبيق العقوبة المستحقة على هؤلاء المجرمين.. لأنه لن يقف العنف والتخريب والإرهاب والترويع والاعتداء على رجال الأمن بالأسلحة القاتلة، وعلى الناس كافة؛ إلا بإنزال العقوبات الزاجرة، والجزاءات الرادعة.. فمتى يكون ذلك؟!
في هذه الأوقات الحاسمة من تاريخ خليجنا العربي، يتحمل قادة دول مجلس التعاون الخليجي العربية، أمانة المسئولية الكاملة أمام الله تعالى، ثم أمام شعوبهم وجميع أمتهم المسلمة، يتحملون مسئولية حماية هذا الجزء الغالي من عالمنا الإسلامي العظيم، والذي يقف اليوم في مواجهة تحديات كبرى من قوى الظلم والضلال، قد حيكت مؤامرات، ومخططات وضعت من أجل احتلاله والسيطرة عليه ونشر الضلال والشرك في ربوعه، ولهذا نعتقد أن الأمانة عظيمة، والمهمة كبيرة وجسيمة؛ ألا وهي إعلان الاتحاد الخليجي، الذي يعد فريضة شرعية واجبة التطبيق على الفور لا التراخي لما يمثل إعلانه من منعة وقوة ترهبون به عدو الله وعدوكم.
هذا الاتحاد ليس بدعة ولا ابتداعاً؛ وإنما هو أصل افتقدناه لزم الرجوع إليه وجوباً؛ لأن أمتنا أمة واحدة في الأصل متحدة في مبتداها، وأرضنا أرض واحدة في اتصالها، الشذوذ هو في تفريقها واختلافها وهو ما سعى إليه الاستعمار عندما احتل أرضنا ففرقنا وجعلنا شعوباً مختلفة، بل متنافرة متناحرة ليسهل عليه قيادنا والسيطرة على مقدراتنا واليوم نعود -بإذن الله تعالى- إلى اصل وحدتنا، وشعب مجلس التعاون العربي كله متحمس لهذا الاتحاد، والذي اصبح أمراً محتماً لا يمكن التنازل عنه لأنه اتحاد اوجبه الشرع علينا وامرنا به حتى لا تختلف قلوبنا واصل هذا التجمع والاتحاد في ديننا «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا» فهذا امر واجب الالتزام به «إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أمة وَاحِدَةً وَأَنَا رَبلاكُمْ فَاعْبُدُونِ» فإنه لا مناص اليوم أمام حكامنا إلا إعلان الاتحاد من أجل الدين ابتداء، ثم من أجل مواجهة التحديات والأخطار المحدقة بنا من جارة السوء وحلفائها! إننا أمام تحديات لا يعلم مداها إلا الله تعالى، وعلى حواف مخاطر تتربص بنا وهذه فرصتنا حكاماً ومحكومين، أن نبذل الوسع والطاقة من أجل قيام الاتحاد على أرض الواقع.. وإننا سنقف بالمرصاد في وجه كل المتآمرين المعترضين على الاتحاد العربي الخليجي؛ لأنه ليس اتحاد أرض وحدود؛ بل هو اتحاد أمة ووجود!