الثقافي
قضايا ثقافية
الثقافة في رحمة التاريخ
تاريخ النشر : السبت ١٩ مايو ٢٠١٢
عانت الثقافة العربية التشرذم مئات السنين وهو الأمر الذي أفرز لنا كما هائلا من الأكاذيب التاريخية على شكل روايات وقصص وأحاديث ما أنزل الله بها من سلطان وتحولت في أذهان المخلوقات البشرية إلى مناهج تربوية وثقافية نما عليها الصغير وهرم عليها الكبير.
إنه من الصعب جدا في هذا العصر أن تعيد عجلة التاريخ إلى الوراء، بعد أن ترسخت المعلومات الخاطئة في العقول وجرت في الدم كما تجري الرياح في الغابات، لكن من الممكن أن يكون الحوار الثقافي مبنيا على الثقة بين المتحاورين والحيادية في تناول المعلومات التاريخية الخاطئة وتصحيحها وفق الأدب المقارن الذي ساد في الغرب وحقق نتائج مذهلة وغيّر الكثير من الأنماط التاريخية والسلوكية البشرية.
من السهل علينا أن نشير إلى السبب الرئيس الذي يجعل صاحب القرار (السياثقافي) يقرر منع تداول الأحاديث النبوية الشريفة بعد (وفاة) الرسول الكريم على الرغم من أن النبي العظيم أشار إلى تدوين الحديث ونشره على الملأ وهو الذي قال سيكثر بعدي الوضاعون والكذبة كأنه يعلم أن التاريخ الذي يديره الرجال غير الراسخين في العلم، سيغيّرون ويبدّلون وفق أهوائهم وانتماءاتهم وأهدافهم السرية والمكشوفة.
هذا القرار أحدث هجمة قوية على الكلام النبوي الذي كان في تلك الفترة يُعد منبعاً من منابع الثقافة إلا أن رجال التاريخ الذين امتلكوا النفوذ حالوا دون أن تولد ثقافات جديدة من رحم الثقافات السابقة فالرجال أحدثوا عقماً كبيراً في العقول وسدّوا النوافذ والأبواب كي لا يتسرب ما يمكن أن يعالج ذلك العقم الشديد.
السبب كما قيل انهم لا يرضون أن يختلط كلام القرآن الكريم بالأحاديث النبوية الشريفة، وهو عذر أقبح من ذنب، كون السنة النبوية (قولا وفعلا وتقريرا) تختلف جوهريا عن سور وآيات القرآن الكريم ولا يمكن أن تختلط بالأحاديث لكن (السياثقافية) هي التي سيطرت فبعد الرسول العظيم جاءت التحولات الثقافية لأنه على مدى ربع قرن من الزمن تتالت الأحداث حتى جاءت السيطرة التامة للإمبراطورية الثقافية الأموية.
في تلك الفترة (80) عاماً، ماذا نتوقع أن يكون الوضع الثقافي العربي الإسلامي؟
أليس من حق تلك الإمبراطورية أن تفرض سيطرتها ونفوذها على كل ما يتعلق (بالسياثقافية)؟
إن فرض السيطرة لم يكن بالإقناع بل جاء بالقوة وبالتالي لابد أن تكون الثقافة تحت رحمة التاريخ الأموي، وأن تواصل هذه المرحلة ما أفرزه التاريخ السابق الذي وُلد بعد وفاة الرسول العظيم.
هل يمكن (للطلقاء) أن يعيدوا الحقيقة التاريخية الثقافية التي أرساها خاتم الأنبياء؟
سؤال كان يفترض أن يُوجه إلى مؤسس تلك الإمبراطورية ولو سمعه في حينه لأخذ السائل من رقبته، وأرسله وراء الشمس.
أليس من حق الإمبراطورية العباسية أن تسحق ما قبلها من ثقافة وتؤسس لثقافة العباسيين جيلاً جديداً؟
نحن اليوم أمام ركام هائل من الكتب والدراسات والأفكار التي تأسست بعد تلك المرحلتين التاريخيتين وما سبقهما من مرحلة بعد النبي وهي التي مهّدت لنشوء الإمبراطوريتين السابقتين، وهذا الركام الثقافي لا يمكن أن يفتته أعتى الأسلحة ولا حتى قنبلتا هيروشيما أو نجازاكي، لكن القائد البلشفي (لينين) أطلق الصرخة المدوية (ما العمل) ورغم أنها وحّدت الشعوب السوفيتية فانها كانت تخريبية ضيقة سرعان ما تفككت، لأنها تشابه القرارات التي صدرت بعد وفاة النبي فاغتصبت التاريخ شكلاً ومضموناً، فصارت الثقافة الإسلامية منذ تلك الفترة حتى اليوم كالقوميات السوفيتية تنتظر المنقذ الذي يعيد الحقيقة إلى مسارها التاريخي الثقافي الصحيح.