الجريدة اليومية الأولى في البحرين


في الصميم


القضية أكبر من طيبة قلبها!!

تاريخ النشر : السبت ١٩ مايو ٢٠١٢

لطفي نصر



النائب النشيطة والمجتهدة والحريصة على تحقيق الخير للمواطنين جميعا: ابتسام هجرس غير راضية عن قرار مجلس النواب زيادة رواتب الموظفين ومعاشات المتقاعدين بنسبة 15%.. هذا القرار الذي اتخذه المجلس في جلسة الثلاثاء الماضي.. وتقول: ليست هذه النسبة هي المطلوبة.. وان منح الموظفين زيادة بالنسبة المذكورة لا يحقق الهدف المنشود!
ما تقوله النائب ابتسام هجرس صحيح.. حيث كان الاقتراح بقانون المعروض على مجلس النواب يقضي بمنح موظفي الحكومة الخاضعين لقانون الخدمة المدنية زيادة بنسبة 30% من آخر راتب يحصل عليه الموظف.. ولكن السادة النواب اقترحوا خفض هذه النسبة إلى 15% حتى «تمشي» وحتى يكون هناك أمل في أن توافق الحكومة على هذا الاقتراح بقانون.. كما أصروا في مقابل ذلك ان تزاد معاشات المتقاعدين بنفس النسبة وهي 15%.
المهم كل الموظفين - ماعدا موظفي القطاع الخاص - يشكرون الأستاذة ابتسام على موقفها المتعاطف معهم والمتفهم لأوضاعهم ولكنهم يذكرونها بأنها كانت من أول الموافقين على المشروع بعد خفض نسبة الزيادة من 30% إلى 15%!
أيضا أوصتنا الاتصالات عقب صدور قرار مجلس النواب بالموافقة على مشروع الزيادة برفع الشكر إلى النائب عيسى القاضي الذي قدم مرافعة طيبة حول ما يفيد بأن حرمان موظفي المؤسسات والهيئات العامة من الزيادات الحكومية جريمة لا تغتفر.. فكيف يكون الحرمان وهم من موظفي الحكومة قلبا وقالبا.. وقد شدد من خلال هذه المرافعة على ضرورة استفادتهم من الزيادات الجديدة المتمثلة في 15% من الراتب.
العقلاء قالوا: إن الزيادة السابقة لموظفي الحكومة كانت في الأساس بحسب مكرمة جلالة الملك 37,5%.. ولكن ما حصل عليه الموظفون فعلا هو 15%.. ولذلك فإن الزيادة الجديدة ليست بزيادة وانما هي استرداد لحق كان لهم بمقتضى المكرمة الملكية.. وهذا جعل بعض السادة النواب يقترحون ان تكون الزيادة الجديدة 17,5% وليس 15%.. حيث إنه من الظلم أن تضيع عليهم نسبة 2,5%.
وهذا الشيء نفسه يسري على المتقاعدين فقد كانت الزيادة المقررة لهم 37,5%.. وهذه قد حرموا منها كلها.. باستثناء منحة الـ 75 دينارا التي أكدت الحكومة منحها لهم كإعانة!
وعلى العموم كل من تحدثوا من السادة النواب في هذه القضية الثلاثاء الماضي عبروا عن طيبة عالية ومشاعر وعواطف إنسانية جياشة تملأ قلوبهم نحو الموظفين الذين يصارعون الارتفاع في تكاليف الحياة وغلاء المعيشة.. وكانوا - بحسب رأيي الخاص - في قمة التفاؤل.. لذا يبقى السؤال الأهم هو: هل ما قرروه أو انتهوا إليه سيصير؟!!
وأنا في رأيي الخاص أيضا أجد أن الأمل ليس أكيدا لعدة أسباب منها: ما قاله السيد الوكيل المساعد لوزارة المالية خلال الجلسة من أن هذا المشروع سيكلف الميزانية العامة للدولة (288) مليون دينار بحريني.. وهذا المبلغ غير موجود.. وإذا تم تدبيره فسوف يزيد العجز في الميزانية ويزيد معه الدين العام.. ومنه أيضا ما قاله وزير الدولة لشئون مجلسي الشورى والنواب السيد عبدالعزيز الفاضل عندما وجه حديثه إلى النواب قائلا: أنتم بهذا القرار - يقصد قرار زيادة الـ 15 - قد تجاوزتم الحقائق الموجودة على الأرض.. فأنتم الذين وافقتم من قبل على أن تكون زيادة الرواتب من فائض الميزانية العامة.. فلا توجد فوائض.. فهل تلجأ الحكومة إلى الاقتراض؟
ثم قال: طبعا.. هذا الاقتراض سيزيد الدين العام.. وأنتم الذين تعلمون أن هذا الدين العام هو الذي نتحمله نحن جميعا.. إن الدين العام يتزايد سنويا.. وبقدر كبير!!
كل هذا الذي ذكر آنفا قد يهون.. أو قد يكون له حلول لدى الحكومة الموقرة.. هذا إذا كان هناك عزم على تحسين أوضاع الموظفين والمواطنين.. ولكن المشكلة الحقيقية هي انه كلما كانت هناك زيادة لموظفي الحكومة لا بد ان يقابلها حرمان لموظفي القطاع الخاص من أي زيادة أو تحسين لأوضاعهم.. ذلك بدعوى أن الحكومة مسئولة عن موظفي الحكومة وحدهم من دون غيرهم.
معنى هذا الكلام أن الزيادات العامة لموظفي القطاع الخاص صعبة التحقيق والمنال لعدة أسباب منها: انه إذا كانت الحكومة تجد صعوبة بالغة في تحقيق زيادة أو تحسين لموظفيها.. فمن الغبن أن نطالبها بأن تتحمل زيادة عامة لموظفي القطاع الخاص من البحرينيين.. فهذا صعب إن لم يتحقق من خلال العشرة مليارات التي قررتها دول مجلس التعاون للبحرين.
ثم انه من غير المعقول أو من المغالاة أن نطالب القطاع الخاص بأكمله أن يقرر زيادات عامة لموظفيه.. ذلك انه لا يزال هناك أعداد هائلة من مؤسسات وشركات القطاع الخاص غارقة في المعاناة وتئن الآن كثيرا جراء الأزمات العالمية، وبسبب الأحداث المؤسفة التي مرت بها البحرين ولا تزال وطأتها تتواصل.. ولم تبرأ منها بعد بالقدر الذي نتمناه جميعا.
لذا يبدو أن القضية شائكة جدا وتحتاج إلى قرار سياسي يشمل القطاعين العام والخاص معا.. سواء من خلال تشكيل لجنة وطنية لبحث الأمر من خلال أمر ملكي يحدد لهذه اللجنة - التي لا بد أن تضم ممثلين لجميع القطاعات - فترة زمنية محددة لتقديم تقريرها وتوصياتها، وبحيث تكون لهذه اللجنة عين على الأوضاع كافة وخاصة أوضاع ومعاناة الموظفين والعاملين في الحكومة والقطاع الخاص.. أو من خلال حل آخر يراه المخلصون الراغبون في إيجاد حل لهذه القضية.