الجريدة اليومية الأولى في البحرين


هوامش


الاتحاد مطلب وضرورة

تاريخ النشر : السبت ١٩ مايو ٢٠١٢

عبدالله الأيوبي



لا تختلف شعوب دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي على مطلب الهدف الاستراتيجي الذي يمثل حلما من أحلام مواطني دول المجلس والفضاء العربي، بشكل عام، حول أهمية الدفع بالعلاقات العربية العربية وبعلاقات دول مجلس التعاون الخليجي مع بعضها بعضا إلى صيغ أكثر تطورا من التعاون، والانتقال إلى مرحلة متقدمة تلبي الطموحات والأحلام التاريخية التي عششت في وجدان أبناء الوطن العربي منذ حركة النهوض القومي التحرري التي تعرضت لمحاربة شرسة من القوى الاستعمارية والمتعاونين معها لمنع والحيلولة دون تحقيق هذا الهدف القومي المشروع، بل ذهبت هذه القوى والمتعاونون معها من الحكومات العربية إلى العمل باستماتة من أجل تكريس التقوقع القطري وإضعاف الشعور والانتماء القوميين لدى الشعوب العربية.
ومنذ تأسيس مجلس التعاون الخليج في 25 مايو من عام 1981 كانت شعوب دول المجلس تطالب باستمرار بتطوير منظومة المجلس والارتقاء بها إلى صيغ تلبي طموحات وأماني أبناء الدول الست التي يتكون منها المجلس، فالشعوب الخليجية وقبل تأسيس مجلس التعاون الخليجي كانت في تداخل أسري ونسجت علاقات تاريخية، ودائما ما كان المواطن الخليجي يشعر بعدم الغربة حين ينتقل من وطنه الأم إلى دولة خليجية أخرى، وبالتالي فإن المقومات الشعبية لتطوير مؤسسات مجلس التعاون والانتقال بها إلى درجة أعلى من «التعاون» الذي ميز عمل المجلس منذ تأسيسه حتى الآن، هذه المقومات متوافرة.
ورغم التقلبات السياسية التي شهدتها دول مجلس التعاون الخليجي والدول العربية بشكل عام، وتميز العلاقات بين الحكومات والقوى المجتمعية السياسية في دول المجلس بحالات من الصدام، فإن هذه القوى لم تقف يوما ضد تطوير منظومة مجلس التعاون الخليجي، بل كان مطلب الوحدة في أجندات هذه القوى يمثل ركنا أساسيا من أركان برامجها السياسية، ومن هنا فإن مطلب الاتحاد، إن لم يكن الوحدة الاندماجية الكاملة، ليس محل تجاذب أو خلاف، بل كان حلما شعبيا نريده أن يتحول إلى منطلق وقاعدة نحو الوحدة العربية الشاملة.
في الوقت الحاضر تشهد ساحة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي حراكا رسميا نحو تطوير منظومة المجلس والتهيئة للانتقال من حالة «التعاون» التي رافقت عمله أكثر من ثلاثة عقود إلى شكل من أشكال الاتحاد تماشيا مع مقترح الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود عاهل المملكة العربية السعودية الذي أطلقه في قمة الرياض الأخيرة، ونظرا للتطورات السياسية غير الطبيعية التي تشهدها المنطقة العربية كلها بما في ذلك منطقة الخليج العربي فإن هذه الدعوة من حيث المبدأ، لاقت ترحيبا في الأوساط الشعبية وإن اختلفت هذه الأوساط في آلية تحقيق هذا الحلم الشعبي، من منطلق الحرص على تحقيقه وليس مجرد ردة فعل عابرة بسبب ما يحيط بالمنطقة من مخاطر.
فالصيغة الاتحادية أو الوحدوية بصفتها حلما لدى شعوب دول مجلس التعاون الخليجي والشعوب العربية بشكل عام، فإن تحقيق ذلك وجعله حقيقة قابلة للحياة وليس مجرد سلعة في سوق المواقف السياسية التي تغطي سماء المنطقة الخليجية في الوقت الحاضر، فإن المشروع بحاجة إلى وضع قواعد صلبة يتوكأ عليها بنيان بحجم الدولة الاتحادية أو الدولة الواحدة، فمثل هذه المشاريع العملاقة لا تنجز بمجرد أن ثورة الحماسة في عروقنا أو ردة فعل على ما نعتبره تهديدا خارجيا لأوطاننا، فمثل هذا التهديد لم يتوقف، بل ان دولا عربية وقعت ضحية وقدمت (برفع القاف) لقمة سائغة إلى الأعداء الذين يمثلون مصدر التهديد الحقيقي لدولنا وشعوبنا.
فالدول التي تسعى وتعمل على تكريس نفوذها في دولنا الخليجية والعربية، سواء كانت إقليمية أو غير ذلك، هي التي جاهدت على مدى عقود للحفاظ وتكريس حالات التجزئة وإضعاف اهتمامات شعوبنا بقضاياها القومية والقطرية، ولنا أن ننظر إلى قضية فلسطين التي شكلت بالنسبة إلى الوجدان الشعبي العربي جرحا نازفا منذ نكبة 48 حتى الآن، فهذه الدول عملت بكل ما تملك من قوة ووسائل لتغييب القضية الفلسطينية عن الوجدان الشعبي وقد نجحت كثيرا في ذلك، وهي سوف تستمر لتكريس التقوقع القطري سواء على مستوى أقطار دول مجلس التعاون الخليجي أم على المستوى القومي العربي.
كلنا يدرك أن قوتنا تكمن في اتحادنا، سواء جاء على مستوى مجموعات دول، كما هي حال مجلس التعاون الخليجي، أم اتسع نطاق هذا الاتحاد ليشمل دولا من خارج الإقليم الخليجي، وشعوبنا بحاجة إلى مثل هذا الاتحاد الذي يعزز من قوتها وقدرتها على مواجهة المخاطر الخارجية التي تهدد مستقبل أوطانهم وشعوبهم، ونحن بحاجة إلى اتحاد يعزز من المكاسب السياسية والحقوقية والاجتماعية والاقتصادية لشعوبنا وينقلنا إلى مراحل متقدمة تتماشى والمعايير الدولية في العديد من الجوانب، لأن أي اتحاد لا يلبي طموحات الشعوب، لن يكتب له النجاح.