الجريدة اليومية الأولى في البحرين


أخبار البحرين

في افتتاح دورة الأئمة والخطباء والدعاة
المطالبة بتصفية الساحة الدعوية من الفكر المتطرف

تاريخ النشر : الأحد ٢٠ مايو ٢٠١٢



أكد وكيل الوزارة للشئون الإسلامية الدكتور فريد بن يعقوب المفتاح أن ما حدث في بعض البلدان من ظهور جماعات متطرفة اتخذت من العنف والقتل والتفجير طريقاً للتغيير كان بسبب الفكر المتطرف المنحرف عن وسطية الإسلام وسماحة شريعته الغراء ومقاصده العلياء، داعياً العلماء والدعاة الى العودة بالناس إلى جادّة الصواب من خلال المنبر الدعوي ببيان وسطية الإسلام وحرمة الدماء والأموال والأعراض وكشف نوايا المتطرفين ومواجهة فكرهم المتطرف ومحاصرتهم فكرياً ومنهجياً حتى لا يسري فكرهم المسموم في جسد الأمة.
جاء ذلك خلال افتتاح الدورة الأولى للأئمة والخطباء والدعاة لعام 2012، والتي أقيمت يوم أمس بتنظيم من إدارة الشئون الدينية بوزارة العدل والشئون الإسلامية والأوقاف بقاعة رعاية الطفل والأمومة تحت رعاية سمو الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة رئيس المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وشارك فيها كل من رئيس محكمة النقض بجمهورية مصر العربية الدكتور سرّي محمود صيام، وسماحة المرجع الديني حسين مؤيد.
وقال الدكتور المفتاح: من الواجب على الدعاة اليوم قيادة الساحة الفكرية بوسطية واعتدال بهدف نشر مضامين الإسلام السمحة ومحاصرة المتطرفين فكرياً لتصفية الساحة الدعوية وتنقيتها وحماية الأمة بأجيالها المتعاقبة من خطر الفكر المتطرف.
وأضاف الدكتور المفتاح: لقد ذاق العالم بصفة عامة والمسلمين بصفة خاصة ويلات التطرف الفكري، ولقد استطاع المتطرفون في كل مجتمع ومن كل دين ومذهب إحداث خلل في بنية المجتمع ومقومات قوّته ودعائم نهضته، حيث ضرب التطرف الفكري قواعد الوحدة الاجتماعية وأثر تأثيراً سلبياً على الروابط المجتمعية، فالمتطرفون يشقّون صف المجتمع بتصنيفه بحسب رؤيتهم إلى فرق وجماعات، وأصبح هذا الانقسام بين فئات المجتمع سبباً في تراجع الدور الحضاري للأمة، كيف لا ومن المعلوم أن الفكر المتطرف يشغل عقول الناس بقضايا هامشية ويصرف طاقاتهم عن العمل والإبداع، وأصبح الفكر المتطرف سبباً رئيسياً في ظهور أمراض الكراهية والضغينة والتشاحن والتنافر، ووصل الأمر إلى إلصاق تهم التكفير والتفسيق ببعض المسلمين حتى أضحت ساحة الدعوة الإسلامية ميدان معارك فكرية لا طائل منها إلا زرع الفتنة والفوضى بين صفوف المسلمين.
أسباب التطرف الفكري
وفي ورقة عمل بعنوان: «أسباب التطرف الفكري» أوضح رئيس محكمة النقض بجمهورية مصر العربية الدكتور سرّي محمود صيام أن التطرف الفكرى ليس ظاهرة من مفرزات العصر الحديث، لكنه ظاهرة قديمة وقضية دائمة فرضت نفسها على الساحة في حقب تاريخية متعاقبة بأشكال مختلفة وصور متعددة، لافتاً إلى أن التطرف الفكري اخطر أنواع التطرف وأبلغها صعوبة في المواجهة والمكافحة، ومردّ ذلك صلابة أصحابه، وقوّة عزائمهم، فغايتهم ليست الحصول على أموال أو منافع أو متحصلات مالية، وإنما تحقيق أهداف يعدّون في أحيان كثيرة الجهاد في سبيلها جهاداً في سبيل الله تهون من أجلها التضحية بالروح طلباً لإحدى الحسنيين النصر أو الشهادة.
وأشار صيام إلى أن قضية ظواهر التطرف الفكري فرضت نفسها بقوة على ساحة بعض الدول التي طالتها أحداث إرهابية تفاوتت في جسامتها مثل أحداث اسطنبول عام 2003، ومدريد عام 2004، ولندن عام 2005، فضلا عن أحداث متتالية شهدتها مصر منها أحداث الأقصر وشرم الشيخ وطابا، وكذلك الهند وباكستان والجزائر والمغرب وغيرها، ولقد ظل المجتمع الدولي متجاهلا الأخطار الفادحة لتنامي ظاهرة التطرف الفكري، حتى وقعت الأحداث الإرهابية الجسيمة في الولايات المتحدة الأمريكية في سبتمبر سنة .2001
وتطرق الدكتور صيام إلى أبرز أسباب ظواهر التطرف الفكري قائلاً: «المتأمل لأسباب ظواهر التطرف الفكري يمكن أن يرصد منها: غياب الفهم الصائب لأحكام الدين، وينتج هذا الغياب عن تخلف الوعي بالدين وإهمال النهوض به، وبنشر الفهم الواضح والسليم للنصوص ولمصادر الفقه كافة، وما يتأدى عن ذلك من الجهل بيسر الأحكام الشرعية وسماحتها. وكذلك: غياب الوازع الديني وفق صحيح أحكام الشرع في ضوء الشرائع السماوية جميعها، وتراجع الوعي بمبادئ الأخلاق، وتفشّي قيم المصالح المادية والمنافع الدينوية، وتفضيلها على القيم الدينية والفضائل الأخلاقية.
وتابع الدكتور سرّي صيام: ومن أبرز الأسباب أيضاً تصدي غير المؤهلين للفتوى والتربية الدينية، ويتمثل ذلك في تسلل الكثير ممن لا تتوافر لديهم مقومات الفتوى أو مؤهلات النهوض بالتربية الدينية والأخلاقية إلى المؤسسات الدعوية أو إلى مؤسسات التربية، أو إلى وسائل الإعلام مقروءة أو مسموعة أو مرئية. وكذلك: التطويع التعسفي للأحكام الشرعية لخدمة أهداف مغرضة: وهو يتجاوز في خطورته غياب الفهم الصائب لأحكام الدين، وقد يكون هذا التطويع التعسفي طلباً لشهرة أو زعامة، فيتولد عنه ميل إلى العنف والتطرف يؤدي إلى الإرهاب، وهو الأخطر على شباب الصحوة المعاصرة. إلى جانب سبب الفراغ الروحي لدى الشباب والذي يصدر عن إغفال الدولة وسائر مؤسسات الدعوة والتربية والتعليم توفير ما يشبع رغبات الشباب، ويملأ أوقات فراغهم بما يعود عليهم بالنفع والفائدة، ويسهم في سلامة صحّتهم النفسية والبدنية ويهذّب أخلاقهم ويضبط سلوكهم.
واستطرد الدكتور صيام: ومن جملة أسباب ظواهر التطرف الفكري كذلك: أخطاء التربية في مرحلتي الطفولة والدراسة، وإغفال الدور المهم الذي يلعبه غرس الوازع الذاتي للالتزام بالمبادئ الدينية السمحة، وإهمال غرس القيم الأخلاقية في النفوس، والاعتماد في مواجهة التطرف الفكري على المواجهة الأمنية، وعدم الاهتمام ببناء ثقافة دينية وأخلاقية لدى القائمين بالتربية في المؤسسات التربوية، وغياب المعايير الصحيحة في اختيار العلماء والدعاة وسائر القائمين بالتربية، وتغييب دور العقل، وإهمال الحوار وعدم التبصير بالظروف وبالواقع الاجتماعي المعاش، والقصور التشريعي في مواجهة ظواهر التطرف الفكرى.
آثار التطرف الفكري
من جانبه تحدث سماحة المرجع الديني حسين مؤيد قائلاً: برز التطرف الفكري في وقت مبكر من تاريخ المجتمع البشري، حتى قبل أن تتعقّد التركيبة الاجتماعية سواء في منظومتها الفكرية أو في وسائلها الحياتية، لأن في أسباب التطرف الفكري ما ليس رهناً بالتركيبة الاجتماعية المعقدة، وإنما يتجسد في البيئة الساذجة على وجه التحديد، مشيراً إلى أن للتطرف الفكري وجهين، أحدهما مكشوف، والآخر مقنَّع، فكما يوجد التطرف الفكري المكشوف الذي يمكن تشخيصه من دون تعقيد، هناك التطرف الفكري المقنَّع الذي تضيع معه البوصلة، ولا سيما إذا اتخذ صيغة علمية، وظهر بوجه حضاري، فيترك تأثيراً كبيراً وخطيراً في الشعوب والمجتمعات، وربما يصل إضلاله حدّ تصور أنه النهج الصحيح، وما عداه هو الشذوذ والخطأ.
وأردف مؤيد قائلاً: نحن حينما نتحدث عن آثار التطرف الفكري كظاهرة سلبية، أو كظاهرة نتفق على سلبيتها، نجد أنفسنا أمام موقفين: الموقف الأول: أن ننظر إلى التطرف الفكري نظرة تجريدية، كظاهرة بغض النظر عن إسقاطها على فكر ما، فننطلق من التسليم بوضوح المفهوم وشفافيته - وهو بهذا المستوى محلّ اتفاق، إذ لا يختلف اثنان في أن التطرف الفكري عبارة عن الانحراف عن الاستقامة في الفكر والاعتدال في الفهم الأمر الذي ينجم عن فكر متطرف - بغض النظر عن إسقاطاته، والموقف الثاني: أن ننظر إلى مفهوم التطرف من خلال مصداقه. وحينئذ لا بد لنا من أن نأخذ معياراً للاعتدال الفكري يتحدد على أساسه التطرف الفكري.
وأخيراً تطرق مؤيد إلى بيان الآثار السلبية للتطرف الفكري، أولها: الأثر الذاتي على المتطرف نفسه: فلا شك أن التطرف الفكري يجعل الشخص خارجاً عن الاستقامة مخلاً بموازينها، فيحدث الانفصام بين ما هو عليه، وما ينبغي أن يكون عليه، الأمر الذي يترك عليه آثاراً نفسية سيئة غائصة في اللاشعور النفسي، كما يصدِّع العلاقة بينه وبين مجتمعه، وينظر إلى الواقع نظرة شاذة خاطئة لا تتصف بالموضوعية. ثانياً: الأثر السلوكي: فإذا كان التطرف الفكري حالة مرضية غير سوية في الفكر، فإن انعكاسه السلوكي سيكون غير سويّ أيضاً، وبالتالي سيكون سلوكه قابلاً للعدوى والانتشار وفي ذلك خطر كبير على المجتمع. ثالثاً: الأثر السلبي على الأمن المجتمعي: فالتطرف الفكري يخلّ بالنظام الاجتماعي وبالأمن المجتمعي لأنه يستند إلى معايير سلبية بحكم انحرافه عن الاعتدال في الفهم والاستقامة في التفكير، وهو يحمل المعايير السلبية أيضاً، فيكون له أثر تخريبي حيث تلعب المعايير السلبية دورها في النظام الاجتماعي، ويشكل خطراً على العناصر المعيارية الإيجابية التي هي الأساس في نظام اجتماعي مستقر، وفي أمن مجتمعي واقعي.
أما الأثر الرابع فهو الأثر السلبي على المنظومة الفكرية والاجتماعية، فحينما يشق التطرف الفكري طريقه في المجتمع، ويتحول من حالة فردية إلى حالة مجتمعية قد تأخذ شكل تيار في المجتمع أو فرقة أو تنظيم أو ما شاكل، فإنه يلعب دوراً سلبياً في خلط الأوراق، والتشويش على الحقائق، والتضليل وضرب نسق القيم والمعايير، وهذا ما يسبب إشكالية قد تتحول إلى فتنة في المجتمع، ربما تكون فتنة دينية أو سياسية أو ثقافية، ويوجه ضربة لما يسمى في علم الاجتماع الإثنوميثودولوجي أي منهجية الجماعة. في حين يتمثل الأثر الخامس والأخير في الأثر السلبي للتطرف الفكري من وجهة نظر دينية: فجميعنا نُدرك أن التطرف عن الصراط المستقيم هو انحراف خطير يتجه خطره إلى الدنيا والآخرة، فإن الهدف الذي وضعته السماء للبشرية في الدنيا هو قيام الناس بالقسط، والانحراف عن الصراط المستقيم خروج عن العدل والقسط وإخلال به، وإعاقة عن قيام الناس بالقسط.