شرق و غرب
مصر تنتخب رئيسا وتؤسس للمستقبل
هل يحكم مصر إخواني أو إسلامي معتدل أو دبلوماسي مخضرم؟
تاريخ النشر : الأحد ٢٠ مايو ٢٠١٢
دبلوماسي مخضرم وعلماني، قيادي إخواني، و«إسلامي ليبرالي» يخوضون مواجهة انتخابية مثيرة للاهتمام. لا شك أن الرهان كبير ذلك أن الفائز من بين هذا الثلاثي سيصبح أول رئيس منتخب في تاريخ مصر.
إنها ستكون أول انتخابات رئاسية حقيقية في مصر، ولعل ما يعزز هذا الانطباع تنظيم أول مناظرة بين مترشحين بارزين في سباق الانتخابات الرئاسية: الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية ووزير الخارجية الأسبق عمرو موسى والقيادي الإسلامي السابق الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح. إن هذه السباق يتسم بسمات الانتخابات الرئاسية الحقيقية ويوحي بمعركة انتخابية مثيرة للاهتمام، وهو ما لم تألفه الشعوب العربية وفي مقدمتها الشعب المصري الذي عانى طويلا الحكم السياسي الشمولي.
يبدو اهتمام الرأي العام بالانتخابات الرئاسية المصرية القادمة مرتفعا. يستبعد أن يسمح قادة المجلس العسكري ؟ الذي يحكم مصر منذ تنحي الرئيس السابق حسني مبارك عن السلطة ؟ بحدوث عمليات تزوير وذلك قياسا بنجاحه في تنظيم الانتخابات البرلمانية الأخيرة.
إن الاهتمام الكبير الذي أثارته المناظرة الأخيرة بين المترشحين البارزين الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح وعمرو موسى لا يخفي المخاوف من الظروف غير المرضية التي ستجرى فيها الانتخابات الرئاسية التي لا تكفي في حد ذاتها كي تضمن تحقيق انتقال كامل إلى الحكم المدني والديمقراطية.
لم يتم حتى تحديد صلاحيات الرئيس المصري القادم. يخشى أن تتأثر الانتخابات وما ستفرزه من نتائج بسبب ما قد يتخذ من قرارات وما قد يثار من جدل حول الهيئة التأسيسية التي ستتولى صياغة الدستور الجديد، فضلا عن المسائل الأخرى التي لم تحسم حتى الآن. من أهم هذه الإشكاليات مسألة اعتماد نظام رئاسي أو نظام برلماني أو تبني نظام سياسي مختلف.
لقد فرض الإسلاميون أنفسهم كقوة سياسية مهيمنة في حقبة ما بعد عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، فقد فازوا في الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي أجريت في شهر يناير 2011 وحصلوا على أكثر من ثلثي المقاعد البرلمانية.
حتى إذا تمكن أحد المترشحين العلمانيين من الفوز في الانتخابات الرئاسية فإنه سيدين بفوزه لأصوات الناخبين الإسلاميين كما أنه سيجد صعوبة كبيرة في ممارسة السلطة في ظل الأحزاب الإسلامية التي تسيطر على أغلبية المقاعد البرلمانية، الأمر الذي يعطيها حق الفيتو. ورغم أن الإسلاميين لا يمثلون كتلة واحدة فإنهم هم الذين سيتحكمون في الأجندة السياسية المصرية بعد عقود من الإقصاء.
لقد ظل المجلس العسكري الحاكم برئاسة المشير محمد حسين طنطاوي يتحكم في المسار السياسي لما بعد تنحي الرئيس حسني مبارك وقد عمل على تعميق آليات التحكم الشمولية، البعيدة عن المساءلة القانونية، فقد اتخذت المحاكم ولجان الانتخابات الرئاسية العديد من القرارات المثيرة للجدل. لذلك فإنه يتعين على الحكومة المصرية القادمة أن تتفاوض بكل حنكة وقوة حتى تنتزع صلاحيات حقيقية وفعلية من أيدي جنرالات الجيش المصري.
لقد شدت الحملة الانتخابات الرئاسية أنظار المصريين، فقد راح المترشحون يجوبون الأرياف والقرى على متن الحافلات وقد استقبلهم آلاف الناخبين المصريين حتى في أبعد القرى المصرية النائية.
يقول مدرس في اللغة الانجليزية متحدثا عن مترشح الانتخابات الرئاسية عمرو موسى: «إنه يتمتع بشخصية كاريزمية. إن مصر في حاجة اليوم إلى رجل سياسي مثله من أجل التصدي للتحديات التي تواجهها».
لقد أحاط مئات المصريين بعمرو موسى وهم يرددون شعار: «طهر البلاد من الفساد». وسط تلك الهتافات صعد أمين عام جامعة الدول العربية ووزير الخارجية المصري السابق عمرو موسى المنصة التي أعدت للغرض وراح يتعهد بإصلاح القطاع الزراعي وتحسين خدمات الرعاية الصحية ومستوى عيش المصريين. في تلك الأثناء كان الناس البسطاء يتدافعون من أجل الاقتراب من عمرو موسى: رئيس مصر المحتمل.
يحرص عمرو موسى على أن سيصور نفسه كرجل دولة علماني يستطيع أن يتصدى لما يسميه «تعطش الإسلاميين للسلطة» وهو يقصد بكلامه على وجه الخصوص الرئيسين محمد مرسي ؟ مترشح الإخوان المسلمين، والقيادي السابق في حركة الإخوان المسلمين الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح. لا شك أن الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح هو الذي يثير مخاوف الخبراء الاستراتيجيين الذين يديرون حملة عمرو موسى الانتخابية أكثر من أي مترشح آخر، فالدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح ؟ الذي انسلخ عن جماعة الإخوان المسلمين - يسوق نفسه في حملته الانتخابية على أنه يمثل المترشح القادر على رأب الصدع ولم الشمل، أي باعتباره «إسلاميا ليبراليا» يمكنه في الوقت نفسه أن يستقطب الإسلاميين من ناحية والقوميين والثوريين العلمانيين من ناحية ثانية الذين ينتقدون ارتباط عمرو بالنظام السابق رغم أنه يريد أن ينأى بنفسه عن أخطاء حقبة الرئيس السابق حسني مبارك.
ظل آلاف المصريين قابعين في سوق مدينة «سنبلاوين» ينتظرون ساعات مترشح الانتخابات الرئاسية الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح ويبدو أن السبب كثافة المرور، علما أنه قد تأخر أيضا عن مناظرته مع عمرو موسى لذات السبب. عندما حل ركبه أخيرا بعد طول انتظار استقبل الطبيب المتقاعد استقبال نجوم موسيقى الروك.
يجمع المحللون على أن الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح أكثر قدرة خطابية من عمرو موسى وهو يتحكم جديا في صوته وينوع من نبراته حتى يظل يشد اهتمام سامعيه في التجمعات الانتخابية الحاشدة.
خطب في أحد هذه التجمعات الانتخابية الحاشدة يقول: «إذا نجحت هذه البلاد ـ أي مصر ـ فإن كل العالم الإسلامي سينجح».
يتحدث الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح بكل حماسة عن الشريعة الإسلامية في إطار حسابات انتخابية من أجل إبراز قوة مواقفه الاسلامية في الوقت نفسه الذي يحرص فيه على طمأنة الأطراف الليبرالية. إنه يعتمد مثل هذا خطاب سعيا منه إلى استقطاب القاعدة العريضة من الناخبين الاسلاميين مع السعي إلى عدم التفريط في المتعاطفين الآخرين من شباب الثورة العلمانيين أنفسهم.
يقول أحد المنتمين إلى حركة الاخوان المسلمين انه يشارك في الحملة الانتخابية للدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح تحديا منه لجماعة الإخوان الذين أصدروا أوامر صارمة لأتباعهم بالتصويت لمرشحهم مرسي. يقول يوسف حامد وهو مواطن مصري في الثامنة والثلاثين من عمره:
«نحن لسنا آلات تتصرف بشكل آلي. نحن بشر أحرار ولنا إرادة وعقل نميز به بين الغث والسمين».
لا شك أن صفقات قد تعقد في الكواليس مع المجلس العسكري القوي ما قد يلعب دورا حاسما في تحديد اسم الرئيس الجديد الذي سيحكم مصر ما بعد ثورة 25 يناير 2011 التي أطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك، الذي عمر في منصبه ما لا يقل عن ثلاثين سنة كاملة.
خلال المناظرة التاريخية وغير المسبوقة التي شهدتها مصر، راح المترشحان الأبرزان عمرو موسى والدكتور عبدالمنعم الفتوح ينبشان في سجلات بعضهما بعضا، فقد صور أبوالفتوح منافسه على أنه شخص فاسد وبيدق ضعيف عمل طويلا تحت إمرة الرئيس الفاسد حسني مبارك واعتبر أنه سيواصل السير على نهج الرئيس المخلوع نفسه واعتماد الأساليب الدكتاتورية نفسها.
أما عمرو موسى فقد اتهم منافسه أبوالفتوح بمشاركته في تأسيس تنظيم متطرف في السبعينيات من القرن الماضي كان وراء تنفيذ سلسلة من الهجمات الدامية في مصر، رغم أن الدكتور أبوالفتوح يسوق نفسه في هذه الحملة الانتخابية الرئاسية في صورة المعتدل.
اكتظت المقاهي بالمصريين الذين تابعوا تلك المناظرة التلفزيونية بكل شغف. استغرقت المناظرة أكثر من ساعتين. التقيت كثيرا من المصريين الذين صوتوا لصالح مترشحي حزب الحرية والتنمية ؟ الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين ؟ في الانتخابات البرلمانية التي أجريت مطلع السنة الجارية والتي فاز فيها الإخوان والسلفيون بنصيب الأسد من المقاعد البرلمانية. لقد أصبح الكثير من هؤلاء الناخبين يميلون أكثر هذه المرة للمرشح المعارض للإسلاميين عمرو موسى.
يقول عبدالرحيم عبدالله عبدالرحيم (44 سنة) وهو رجل أعمال يعمل في مجال الاستيراد والتصدير:
«لا أمانع إذا ما تولى الإخوان المسلمون إدارة الشؤون السياسية الداخلية غير أنني لا أريدهم أن يتولوا مسائل الأمن والسياسة الخارجية. هؤلاء الاسلاميون يريدون السير إلى القدس وشن حرب. هذا ليس بالوقت المناسب لمثل هذه الأجندة».
في التجمعات الانتخابية الرئاسية الحاشدة التي شهدتها منطقة دلتا النيل التقيت العديد من الناخبين على اختلاف مشاربهم وقناعاتهم وفئاتهم الاجتماعية، فاليسارون الثوريون ملتزمون بدعم «صغار» المترشحين الذين لا يملكون أي فرصة حقيقية لبلوغ الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية. يتابع هؤلاء الناخبون مختلف المترشحين لمعرفة ما إذا كانوا سيصوتون في الدور الثاني لمترشح بعينه أم أنهم سيحتفظون بأصواتهم لعدم اقتناعهم بأي منهم.
حط ركب عمرو موسى في «دكرنيس َّىَْىًى». هناك راح أحد الناخبين المصريين من كبار السن يتهم عمرو موسى بأنه من «الفلول» أي من بقايا نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك فيما رد عليه آخرون عليه بغضب: «عمرو موسى ليس من الفلول. عمرو موسى رجل عظيم. هو خير من يخدم مصر في هذه المرحلة الحساسة».
يقول أحد المصريين الآخرين: «إن الكثير من الناس قد ركبوا قطار الثورة.. أنا أؤيد عمرو موسى. أنا أملك مشروعا يشغل تسعينيا مصريا. أريد الأمن والاستقرار لمصر. دعونا نمنح عمرو موسى فرصة».
تظل أغلب استطلاعات الرأي والتوقعات تفتقر إلى الدقة العلمية، فأغلب الناخبين المصريين لا يملكون الانترنت أو الهواتف، لذلك فإن مترشحي الانتخابات الرئاسية والباحثين المختصين في سبر آراء الناخبين في مثل هذه المناسبات لا يصلون إلى مثل هذه الفئات الاجتماعية بالقدر الكافي. لقد عاشت مصر أول انتخابات برلمانية حقيقية في شهر يناير .2012 حيث صوت ما لا يقل عن سبعة وعشرين مليون ناخب مصري، حيث أيد أكثر من الثلثين منهم الأحزاب الاسلامية.
رغم انقسام أصوات الناخبين الاسلاميين بين الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح ومترشح الإخوان المسلمين محمد مرسي فإنه من المؤكد أن يواجه أحدهما المترشح العلماني الليبرالي عمرو موسى في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في الفترة ما بين 16 و17 يونيو.2012 قد يحقق محمد مرسي نتائج أفضل بكثير مما يتوقعه المحللون السياسيون، ذلك أن حركة الإخوان المسلمين تعتمد على ماكينتها الانتخابية الكبيرة التي تمسح مختلف مناطق البلاد والتي لا تضاهيها أي آلة انتخابية أخرى في مصر.
رغم الانتصار الذي حققوه في الانتخابات البرلمانية الأخيرة فإن الإسلاميين قد تعرضوا لانتكاسة في سباق الانتخابات الرئاسية لاختيار خلف للرئيس المصري السابق حسني مبارك، فقد تم استبعاد مترشح الإخوان المسلمين خيرت الشاطر والسلفي حازم أبوإسماعيل، فالقانون الانتخابي المعمول به في مصر ينص على أنه يجب على كل مترشح للانتخابات الرئاسية أن يكون من والدين مصريين. لقد أغضب قرار الاستبعاد حفيظة حازم أبوإسماعيل الذي وصل به الأمر إلى حد التهديد بإشعال فتيل «ثورة إسلامية» كما أنه دفع بأنصاره إلى الشارع في مسيرات غاضبة.
لقد ظل شيوخ الدين المنتمون إلى الحركة السلفية يوسعون نطاق نفوذهم على مدى أعوام من خلال المساجد والقنوات التلفزيونية الفضائية التي تشهد طفرة غير مسبوقة في العالم العربي.
لم يرتق أداء الإخوان المسلمين في البرلمان إلى المستوى المأمول، حيث انهم أهدروا الكثير من الوقت في جدل حول قضايا دينية خلافية فيما ظل اقتصاد البلاد يغرق، فيما تولى المجلس العسكري مسائل أخرى حساسة مثل محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية. لقد ارتفعت الأصوات المنتقدة للجنة البرلمانية التي تشكلت لصيغة الدستور الجدل ذلك أنها كانت تحت هيمنة الإسلاميين والسلفيين، مما ولد ردود فعل غاضبة من الأحزاب العلمانية واليسارية ومنظمات المجتمع المدني التي تدعو إلى وضع دستور حديث يكفل الحقوق والحريات وبناء دولة مدنية تكرس المواطنة الحقيقية.
إذا ما كانت نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية القادمة مرتفعة على غرار الانتخابات البرلمانية الأخيرة فإنه سيكون لزاما على عمرو موسى أن يقنع أكثر من ستة ملايين ناخب، أي ثلث أولئك المصريين الذين صوتوا للإسلاميين في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، حتى يغيروا رأيهم ويصوتوا لفائدته هذه المرة. يقول الخبراء والمختصون ان نسبة المشاركة قد تكون مرتفعة لأن منصب الرئيس كان دائما الأكثر أهمية في النظام السياسي الحديث في مصر. يعتقد مستشارو عمرو موسى أن مترشحهم يمكنه استمالة ملايين الناخبين وأن فرصه تظل حقيقية وقائمة. يعتقد هؤلاء المستشارون أيضا أن جولة موسى على مدى سنة كاملة عبر الأرياف المصرية ستعطي أكلها وأن ما يطرحه مترشحهم من أفكار تتواءم مع الناخب العادي الذي هو في حاجة «إلى زوج من الأيادي النظيفة» من أجل إدارة مصر حتى تحقق الانتقال الحقيقي.