الجريدة اليومية الأولى في البحرين


مقالات


«القاعدة».. هل هي ضالعة فعلا في تفجيرات سوريا؟

تاريخ النشر : الاثنين ٢١ مايو ٢٠١٢



في الوقت الذي مازال القتل والتنكيل مستمرين في سوريا منذ أن قامت الثورة في مارس العام الماضي وسقط خلالها ما يقرب من 12 ألفًا أغلبهم من المدنيين، يجد السوريون أنفسهم في مواجهة عدو جديد هو الإرهاب المنسوب إلى تنظيم «القاعدة» الذي ضرب البلاد عدة مرات في أكثر من موضع كان آخرها تفجير دمشق المزدوج الذي خلَّف 55 قتيلاً وأكثر من 300 جريح، وهي سابقة خطرة لها دلالتها، وتعتبر نقطة تحول في الأزمة.
ورغم أن سوريا شهدت تفجيرات عدة باستخدام سيارات مفخخة مع مرور السنة الأولى من الثورة السورية، فإن تفجيرات دمشق كانت أبرزها، وأهمها من حيث عدد وكم الضحايا الذين سقطوا خلالها، وأيضًا من حيث الظروف التي تمت فيها ونوعية المتفجرات المستخدمة بها، وهو الأمر الذي أثار الكثير من الجدل والعديد من علامات الاستفهام حول هذه التفجيرات والجهة المتورطة فيها، وخاصة أن هناك من يتشكك في أن يكون تنظيم «القاعدة» قد تورط فعلاً في هذه التفجيرات التي تشبه إلى حد ما الأسلوب الذي استخدم في اغتيال «رفيق الحريري»، رئيس وزراء لبنان الأسبق.
وفي ظل الغموض الذي يحيط بحقيقة الجهة الضالعة في التفجيرات وتبادل نظام الأسد الاتهامات مع المعارضة السورية بهذا الشأن يصبح طرح اسم تنظيم «القاعدة» من جانب النظام السوري أمرًا يستلزم الوقوف عنده ومحاولة مناقشته والتعرف على حقيقته، باعتبار أن قضية سوريا تخص المواطن العربي وأمنه القومي، وأن تحولها لمحطة انطلاق لتنظيم «القاعدة» يعني انتشار الفوضى فيها واحتمال تمدد هذه الفوضى إلى جيرانها القريبين والبعيدين.
ولأن القول بتورط تنظيم «القاعدة» أو عدم تورطه في هذه التفجيرات يستلزم أن يكون له وجود وخلايا على الأراضي السورية.. فإن الأمر يتطلب التعرف على حقيقة هذا الوجود وموقف النظام السوري منه، كما يتطلب البحث فيما إذا كان هناك بالفعل علاقة من نوع ما يمكن أن تربط «القاعدة» بهذا النظام.
فمن زاوية، هناك احتمال بشأن تحول سوريا إلى واحدة من محطات الانطلاق الإقليمية لتنظيم «القاعدة» الأم، وذلك من خلال خلاياه العديدة المنضوية تحت لواء ما يسمى تنظيم «القاعدة في بلاد الشام»، وهو الأمر الذي كشف عنه العديد من الأحداث التي كانت الأراضي السورية ساحة لها، ولاسيما في ظل تشابه ما تشهده مع ما كان يقوم به فرع التنظيم ببلاد الرافدين (أو تنظيم دولة العراق الإسلامية) من عمليات ضد قوات الاحتلال الأمريكي والحكومة العراقية، الذي تسبب في تعرض سوريا لبعض العمليات العسكرية المحدودة من قبل القوات الأمريكية بدعوى تسلل مقاتلي التنظيم منها إلى العراق لاستهداف الجنود الأمريكيين هناك.
ووفقًا لمزاعم مصادر استخباراتية غربية، فقد شكلت سوريا مأوى لعناصر «القاعدة» والبعثيين الذين هربوا من العراق حين احتلته الولايات المتحدة الأمريكية عام 2003؛ حيث تمكنت «القاعدة» من إقامة شبكة واسعة لها من العملاء في داخل سوريا لنقل المقاتلين والأسلحة والأموال لدعم نشاطاتها داخل العراق.
ولقد زعمت دراسة لمركز مكافحة الإرهاب بكلية «ويست بوينت» العسكرية الأمريكية في فبراير 2008 أن الحكومة السورية سمحت لتلك الشبكة الواسعة بمتابعة أعمالها، وانتهت إلى أنها تجاهلت الشبكة عن قصد، ومن الممكن أن تكون قد حرضت على توجه المقاتلين الأجانب إلى العراق، وهو أمر أشارت إليه صحيفة واشنطن بوست في مايو 2009 حين نقلت عن مسؤول عسكري أمريكي كبير قوله: «إن السلطات السورية تعرف بوجود هذه الشبكة على الأقل على مستوى أجهزة الاستخبارات».
وبتحليل الموقف وربط عناصره ببعضها بعضا، فإن هناك أسبابًا عديدة تجعل من المحتمل أن تلجأ «القاعدة» لاتخاذ سوريا كملاذ لبعض خلاياها، وفي الوقت نفسه جعلت النظام السوري يقبل ضمنيٌّا بهذا الوجود، ولعل من أبرز هذه الأسباب الآتي:
- الاحتلال الأمريكي للعراق، فنظرًا لقرب الأخير الجغرافي واشتراكه في الحدود مع سوريا، لذا كان من الطبيعي أن تتحول الأخيرة لمنطقة جاذبة للقاعدة أو ممرًا للنفاذ منها إلى العراق؛ حيث استغل التنظيم المناطق الحدودية السورية مقرا لتجنيد العرب وإرسالهم للعراق، وهو ما دفع أمريكا للهجوم على مواقع سورية تقع قرب الحدود العراقية كما سبقت الإشارة.
- كان للتوتر في العلاقات السورية ؟ الأمريكية دوره المهم فوجود تنظيم «القاعدة» وخلاياه على الأراضي السورية قد يكون ورقة قوية في يد دمشق للضغط على الأمريكيين في العراق حتى تضمن سوريا انشغالهم وعدم قدرتهم على فتح جبهات جديدة في المنطقة، وهو ما بدا بشكل واضح في الفترة التي أعقبت احتلال العراق وما تلاها من حديث أمريكي عن أن سوريا قد تكون الهدف التالي لواشنطن في المنطقة بعد العراق.
- ثمة اعتبار اقتصادي يتمثل في وجود فوائد اقتصادية يجنيها النظام السوري بعلاقته بتنظيم «القاعدة»، وذلك وفقًا لدراسة أجراها «ماثيو ليفيت» بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى عام 2009 تحت عنوان «المقاتلون الأجانب وتأثيرهم الاقتصادي: دراسة حالة حول سوريا وتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين»، حيث أشارت إلى أن بداية الاهتمام بهذا الجانب ترجع إلى تداعيات تفجيرات «الأربعاء الدامي» ببغداد في أغسطس 2009، فعقب التفجيرات بث مسؤولون عراقيون اعترافًا من جانب متشدد من «القاعدة» قال إنه دخل العراق من سوريا وتلقى تدريباته بمعسكر تابع لها كان يقوده ضابط استخبارات سوري، وهي الاعترافات التي أدت لبروز الاهتمام بالوسائل والأساليب والطرق التي يمر عن طريقها المقاتلون الأجانب وتنقل من خلالها الأموال والإمدادات إلى العراق وهي جزء من ظاهرة اقتصادية يتقاسم الطرفان منافعها؛ فالمقاتلون الأجانب استخدمتهم سوريا لأغراض التدريب وجمع الأموال مقابل المرور العابر، وهو ما ينشئ ظاهرة اقتصادية لها ثمار مباشرة وغير مباشرة.
تلك الخلفية الموجزة عن إمكانية وجود ونشاط تنظيم «القاعدة» في سوريا وارتباط هذا الوجود في مرحلة ما بمساعدة ودعم نشاط «القاعدة» في العراق ضد القوات الأمريكية، والدور الذي قام به النظام السوري في تسهيل هذا النشاط سواء بالتدخل المباشر أو من خلال التغاضي والسكوت عن هذا النشاط مدفوعًا بالأسباب المشار إليها.. كل ذلك يجعل اتهام نظام «الأسد» للقاعدة بالضلوع في التفجيرات الإرهابية الأخيرة أمرًا محل مراجعة وإعادة نظر؛ فالأغلب أن تنظيم «القاعدة» الذي اتخذ من سوريا ملاذًا، وتلقت عناصره الدعم والتدريب من استخباراتها لن يتحول بمقدار 180 درجة ليصبح عدوا لهذا النظام فيستهدف منشآته الأمنية السيادية ومرافقه الحيوية.
وتأسيسًا على ذلك، فإن القول بتورط «القاعدة» في التفجيرات يبدو غير منطقي وقد يكون ؟ كما سبقت الإشارة ؟ محاولة من النظام لتمرير أسلوب جديد في التصعيد، وهو ما كان يقتضي محاولة إيجاد طرف آخر وتحميله المسؤولية عن التفجيرات.
وفي ضوء ذلك يصبح رفض المعارضة وكذلك أغلب المحللين للرواية السورية عن تورط القاعدة ؟ رغم إعلان تنظيم آخر غير معروف هو «جبهة نصرة أهل الشام» مسؤوليتها عن التفجيرات ؟ أمرًا مفهومًا ومبررًا، فالمعارضة من ناحية تصر على أن نظام «الأسد» هو المسؤول عن التفجيرات، وأنه يستخدم تكتيك الانفجارات بالمدن لترهيب الشعب، وقد وصالجيش السوري الحر المجموعة المنفذة بأنها مفبركة مخابراتيٌّا أو مجبرة على تبني تفجيري دمشق.. أيضًا فسر المجلس الوطني السوري التفجيرات بأن النظام يلجأ إلى أسلوب جديد هو الإرهاب لإعاقة خطة «كوفي عنان»، وحذر من أن هذه الخطة ستموت في حالة استمرار النظام في اللجوء إلى تكتيك الإرهاب.. مع أن تصريحات «عنان» هي إقرار بفشل مهمته.
في المقابل، يرى محللون أن النظام السوري يستغل حالة عدم الوضوح منذ 15 شهرًا ليسوق روايته بأن «القاعدة» تقف وراء العنف، فضلاً عن أنه لا توجد جماعة إسلامية أو جهادية باسم «جبهة نصرة أهل الشام» لا في سوريا ولا في غيرها من الدول العربية والإسلامية، وأن الكثير من العناصر في كنفه وأرسلهم إلى العراق.
ويرى فريق آخر من المحللين أن نظام «الأسد» يهدف من وراء التفجيرات التي شهدتها دمشق وحلب تحييد هاتين المدينتين بعيدًا عن الثورة، وذلك بتوصيل رسالة عبر هذه التفجيرات إلى أهالي المدينتين بأن مصيرهم قد يكون كمصير غيرهم لو انضموا إلى المظاهرات وحركة الاحتجاجات.
وهكذا، يترسخ اعتقاد أنه ليست هناك علاقة بين الثورة في سوريا وتنظيم «القاعدة»، وكل ما في الأمر أن نظام «الأسد» يحاول إقناع الرأي العام بالداخل والخارج بأن «القاعدة» وأجهزة استخبارات أجنبية ودولاً إقليمية تقف وراء التفجيرات التي بدأت مع الذكرى الأولى للثورة ومع تصاعد الضغوط الدولية ضد النظام وسياسته.
خلاصة القول: من الواضح أن الأزمة في سوريا وصلت إلى مرحلة تنذر بالخطر الذي يهدد هذا البلد أرضًا وشعبًا، مؤشراته: تصريحات «عنان» التي تؤكد فشله في مهمته، وتصعيد وتيرة العنف لأن النظام بدأ يستخدم كل ما بجعبته من أجل الصمود، ودخول أطراف جديدة إلى الأزمة.. وهو ما يقود إلى التنبه إلى حقيقة مؤداها أنه كلما طالت الأزمة سنحت الفرصة لأصحاب الأغراض مثل إسرائيل وغيرها أن «يتسللوا» ويفرضوا أهدافهم ومصالحهم على حساب أصحاب القضية التي هي قضية الأمة بأكملها.. لهذا يتعين تأييد دعوة صاحب السمو الملكي الأمير «الحسن بن طلال» للحكماء والمفكرين والأكاديميين إلى مؤتمر تحت مظلة منتدى الفكر العربي لإيجاد مخرج يجنب سوريا والعالم العربي المآسي والكوارث ليكون لأبناء هذه الأمة دور في رسم مصيرهم، ولا نترك أمور سوريا وغيرها لدول أدارت شؤون المنطقة بأجهزة إعلامها ناسية أن النار قد تطولها.
إن حجم التضحيات البشرية والمادية التي تكبدتها سوريا كما يقول الأمير تشكل دافعًا للبحث عن حل عربي فاعل ومؤثر لدعوة جميع الأطراف لتحتكم للعقل والمنطق والواقعية لتحقيق المصالحة الوطنية؛ لأن استمرار العنف في سوريا وتحوله إلى حرب أهلية يعد بمثابة مقدمة لتحول سوريا إلى حطام دولة مثلما تحولت الصومال والعراق والسودان، وقد تمتد إلى الدول المجاورة لها وربما للأبعد منها.
* سفير جامعة الدول العربية
في لندن ودبلن سابقًا