راصد
الدفاع عن هوية وانتماء
تاريخ النشر : الاثنين ٢١ مايو ٢٠١٢
جمال زويد
كلّ الأسف والحزن أن معظم برامجنا أو استراتيجياتنا - إن وُجدت - صارت تعتمد على ردّات الفعل وترقيع الخروق ولا تأخذ بالمبادرات ولا تمسك بالزمام، وليس في وارد اهتمامها أن تكون في مركز صناعة الفعل وتوجيهه، ليس بسبب أن هذا هو المفروض وإنما - على الأقل - استفادة واعتباراً من الأحداث المؤسفة التي مرّت على وطننا العزيز، ولا تزال بقية فصولها تجري أمام أنظارنا.
بل صارت كلمة «استراتيجية» كلمة يجري تردادها للاستهلاك الإعلامي أو «بيع الهواء» ولا تغادر في مضامينها مسألة تقديم خدمات إسكان أو إنشاء طرق أو إنارة أو مجاري أو ما شابه ذلك مما لا ننكر أهميته رغم أنها خطط واستراتيجيات مفتوحة الآجال والآماد وكثير منها لا يخرج عن الورق المكتوب عليه.
الأحداث والتطورات الجارية من حولنا هي مفصل هامّ، لا يتعلق بتغييرات سياسية فحسب وإنما صار هذا المفصل يتعلق بهوية وانتماء مازلنا نصرّ بمحض إرادتنا عن تغييب الاهتمام بها، وليس إصرار إيران على ذبح مشروع الاتحاد مع عمقنا الخليجي والعربي وتنظيمها لمظاهرات معارضة في عاصمتها ومطالبتها بضمّ البحرين اليها واعتبارها المحافظة الـ (14) للجمهورية الإيرانية إلاّ صورة واحدة من صور هذا الخطر الذي نحن نائمون عنه، ناهيك عن تحركاتها الواسعة في كل اتجاه لإبدال تسمية الخليج العربي بالخليج (الفارسي).
كان المفروض أن هذه الأحداث وهذه الصور كانت كما الجرس أو المسمار الذي نبّه وأيقظ وشحذ الهمم لأن يضع الأمور أو المشكلة في نصابها الصحيح ويعتبر أن ما يحدث هو في نتيجته مساس بهوية وانتماء ينبغي عدم التفريط فيهما، وتبعاً لذلك ستقوم الدولة بإعادة النظر في برامجها وتوجهاتها فيما يتعلق بالمحافظة على هذا الركن الأساسي فيما تخوضه من دفاع عن البحرين. كان هذا هو (العشم) وقد تضاعف الخطر على الهوية وتضاعف وتجاسر وقفز من مرحلة السكون أو «اللف والدوران» ليجري التصريح به والمطالبة به علناً.
الهوية والانتماء مسألة مصيرية، دونها خرط القتاد، لكننا غافلون عن إحيائها بالصورة الصحيحة والدفاع عنها كما ينبغي، وغرسها كثقافة لدى أبنائنا وأجيالنا عن عروبة البحرين وانتمائها الإسلامي، نأسف كل الأسف أن نقول ان مناهجنا وبرامجنا تفتقد زرع هذا التاريخ وينقصها الحرص على إبراز فصول تاريخية مهمة تثبت عروبة وطننا العزيز وهويته، ومن ثم تلقم الحجر كل من تسوّل له نفسه التشكيك في ذلك. حتى حينما تم إنشاء وزارة للثقافة لدينا؛ جمعت كل جهدها ونشاطها فيما هو بعيد عن هذا الهدف، بل استجمعت قواها لتمرير نوع غريب من الثقافة هو أقرب إلى (المسخ) الذي لا صلة له بالمدلولات المعروفة للثقافة فضلاً عن اغترابه وبعده عن قيمنا وعاداتنا، ولم تأبه تلك (الربيعات الثقافية) لمواجهة حرب الهوية والانتماء. والأغرب أننا لم نتخل عن هذه الثقافة، ثقافة (الهشّك بشّك) حتى ونحن في أمس الحاجة إلى تغييرها وحشد طاقاتنا وإمكانياتنا لأمور أولى وأهم وأكثر جدوى.