هوامش
صورة العراق تتبلور في الشام
تاريخ النشر : الاثنين ٢١ مايو ٢٠١٢
عبدالله الأيوبي
ما تشهده سوريا في الوقت الحاضر من تفجيرات إرهابية تستهدف المنشآت والمرافق المدنية وغيرها من المؤسسات وتؤدي في مجملها إلى سقوط عشرات القتلى والمصابين من المدنيين، وتتم تحت مظلة المطالبة بالحقوق الديمقراطية والدعوات لإسقاط نظام الرئيس بشار الأسد، يمكن وصفها ـ أي الحالة السورية حاليا ـ بالصورة العراقية البدائية والمصغرة التي نشأت في العراق بعد جريمة الغزو الأمريكي في شهر مارس من عام 2003 بدعم وتأييد ومشاركة أطراف عربية ودولية مختلفة لها الآن بصمات في الحالة السورية، حيث أدت تلك الجريمة إلى إسقاط نظام حزب البعث العربي الاشتراكي بقيادة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين.
وكما حدث في بلاد الرافدين فقد اختلطت أوراق حق الشعب العراقي المشروع في مقاومة الاحتلال الأجنبي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ومشروعية حمله للسلاح في وجه قوات الغزو لتحقيق هذا الهدف، بأوراق الإرهاب بعد دخول عناصر تنظيم القاعدة الإرهابي على الخط وقيامه بتنفيذ المجازر البشعة ذات الصبغة المذهبية ضد التجمعات المدنية العراقية التي كادت أن تجر العراق إلى أتون حرب أهلية شاملة حيث كان هذا التنظيم ينفذ جرائمه تحت حجة «مقاومة» الاحتلال والتصدي لعملائه، في حين أن ضحايا هذا التنظيم معظمهم من المدنيين الأبرياء.
المشهد العراقي يتكرر الآن في سوريا وإن بوتيرة لم ترتق بعد إلى ما شهده العراق بعد جريمة الغزو، ففي بدايات الحركة الجماهيرية السورية كانت التظاهرات السلمية هي السلاح القوي الذي أحرج النظام السوري أمام المجتمع الدولي، وخاصة أن المطالب التي رفعتها تلك الجماهير تعتبر مطالب إنسانية مشروعة، فكل شعب فوق المعمورة له كامل الحق في التمتع بحريات كاملة وبتطوير وإصلاح النظام السياسي الذي يعيش تحت مظلته، فليس هناك من له الحق في الاعتراض على مطالب إرساء نظام التعددية السياسية والحزبية الحقيقية في سوريا أو في غيرها من الدول.
ما يحدث في سوريا الآن هو خلط للأوراق بين الحق المشروع للشعب السوري في المطالبة بالحقوق السياسية والتمتع بالأمن والأمان وبين حقه في رفض العنف والإرهاب اللذين دخلا في الآونة الأخيرة على خط المطالب المشروعة، وشوه الصورة السلمية للحركة الجماهيرية السورية، فبدأت المدن السورية المختلفة، بما فيها العاصمة دمشق، تستيقظ بين الفينة والأخرى على أصوات الانفجارات العنيفة التي تستهدف المؤسسات المدنية أو العسكرية، فيكون المدنيون عادة هم الضحايا لهذه الجرائم الإرهابية التي يبررها البعض بما يسمى «الدفاع» عن النفس في مواجهة بطش الأجهزة العسكرية والأمنية التابعة للنظام.
فالحجة التي رددها البعض في السابق لتبرير جرائم تنظيم القاعدة ضد المدنيين العراقيين، يرددها آخرون الآن بعد كل جريمة إرهابية تستهدف المنشآت والأفراد المدنيين السوريين، فلا يمكن القبول بقتل واستهداف المدنيين بحجة «التصدي» لبطش النظام الحاكم، فالمطالب المشروعة للشعب السوري التي رفعتها الجماهير منذ انطلاق حركتها في شهر مارس من العام الماضي، لا يمكن أن تستقيم مع مثل هذه الجرائم، بل ان الإرهاب الذي يشهده العديد من المدن السورية في الوقت الحاضر يضر بالحركة الجماهيرية أكثر مما ينفعها أو يدعمها، فهو تشويه صارخ لصورة المطالب المشروعة.
أما الأطراف الخارجية التي تقدم الدعم المادي واللوجستي إلى الجماعات الإرهابية لتمكينها من تنفيذ جرائمها ضد المدنيين السوريين، فهي غير قادرة على المجاهرة بتبرير مثل هذه الجرائم وإنما تلجأ إلى أسلوب آخر من نوع اتهام أجهزة النظام السوري بافتعال هذه الجرائم لتشويه سمعة وصورة المعارضة السورية، لكن مثل هذه التبريرات ضعيفة جدا بعد أن بانت بوضوح بصمات تنظيم القاعدة الإرهابي على تلك الجرائم إلى الدرجة التي دفعت الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إلى الإشارة بوضوح إلى التنظيم الإرهابي ووقوفه خلف الجرائم التي طالت دمشق مؤخرا.
من يرد حقا أن يخدم الشعب السوري ويدعم مطالبه المشروعة في الحرية والتعددية السياسية والديمقراطية الحقيقية مطالب برفض وإدانة الجرائم التي ترتكب بحق المواطنين السوريين ويكف عن تقديم الدعم المادي أو التبرير السياسي لها، فمثل هذا التبرير أو الصمت إزاء ما يحدث في سوريا من إرهاب منظم قد أضر بالمطالب المشروعة للشعب السوري فحلت وارتفعت الأًصوات المنادية بإيجاد حل سلمي للأزمة السورية محل الأصوات التي تطالب بإسقاط النظام وليس إصلاحه.
هذه الجرائم لن تحقق المطالب المشروعة للشعب السوري ولن تسقط النظام، ومصيرها لن يكون أفضل من مصير الأعمال الإرهابية التي ضربت العراق، فالغالبية العظمى من الشعب العراقي التي أيدت المقاومة المشروعة للاحتلال الأمريكي هي الغالبية التي تصدت لجرائم تنظيم القاعدة، والصورة نفسها يمكن أن تتكرر في سوريا إذا ما استمرت مثل هذه الجرائم واستمر التبرير السياسي لها.