الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٧٨ - الثلاثاء ٢٢ مايو ٢٠١٢ م، الموافق ١ رجب ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

قضايا و آراء


مصر تختار رئيسا في انتخابات غير مسبوقة





إن هذه الانتخابات الرئاسية المصرية تحمل كل سمات «الحدث الذي لم يسبق له مثيل». لم يسبق أن شهدت مصر - أو بالأحرى أي دولة عربية أخرى - مثل هذه الانتخابات التي اشتد فيها التنافس. لم يسبق أن شهد العالم بأسره - إذا لم تخني الذاكرة - مثل هذه الانتخابات التي يصعب فيها التكهن بالفائز عندما تنتهي الانتخابات.

في الوقت نفسه تبدو نتائج استطلاعات الرأي متقاربة جدا وغامضة وغير حاسمة، كما أنه لا يوجد مرشح بارز ينطلق بأوفر الحظوظ للفوز بأول انتخابات رئاسية تعددية حقيقية تشهدها مصر على مر تاريخها الحديث.

هذه ثالث انتخابات مهمة تشهدها مصر هذه السنة. لقد حفل الموعدان الانتخابيان السابقان بالكثير من المفاجآت، فقد أجري في البداية استفتاء على إدخال بعض التعديلات الدستورية التي طرحها المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية. في تلك الفترة، كان محمد البرادعي - الذي يتمتع بشعبية كبيرة- والأمين العام السابق لجامعة الدول العربية عمرو موسى - الذي لايزال يتمتع بشعبية كبيرة - وقادة شباب ميدان التحرير، يقومون بحملة واسعة من أجل رفض التعديلات الدستورية الجزئية المقترحة.

قبيل أيام فقط من ذلك الاستفتاء كانت هذه القوى الرافضة للتعديلات الدستورية تتوقع الفوز.

في تلك الأثناء اتضح أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية قد أبرم تحالفا مع جماعة الإخوان المسلمين من أجل العمل معا دعما للاستفتاء، وفعلا فقد كان ذلك التحالف حاسما نظرا لما يتمتع به الطرفان من قدرة تنظيمية حيث فاز هذان الطرفان بالافتاء بهامش فاق ثلاثة لواحد.

ان المفاجأة التي شهدتها مختلف جولات الانتخابات البرلمانية كانت منسجمة وأظهرت مدى قوة الحركة السلفية في مصر. لقد كان من المتوقع أن تفوز حركة الاخوان المسلمين بتلك الانتخابات بكل سهولة وهو ما حصل فعلا غير أن ما أثار اهتمام المراقبين الدعم الشعبي الكبير الذي حظي به المرشحون السلفيون، الأمر الذي مكن حزب النور السلفي من حصد قرابة ربع المقاعد في البرلمان المصري الجديد.

قد نفترض أن تلك الانتخابات السابقة تعطينا صورة عن خريطة الانتخابات الرئاسية وقد نستخدمها من أجل قراءة النتائج الأولية للانتخابات الرئاسية، لكن يبدو أنها لا تصلح لتعطينا مؤشرات عن النتائج المتوقعة وذلك لسببين اثنين:

أولا: يبدو أن المصريين ينظرون إلى الانتخابات الرئاسية بشكل يختلف عن نظرتهم إلى الانتخابات البرلمانية.

ثانيا: يبدو أن المنافسة بين الأحزاب الإسلامية والتخوف الشعبي العام من سيطرة الإخوان المسلمين قد يفرزان «تحالفا مصلحيا» غريب الأطوار، الأمر الذي قد يؤثر في سلوك الناخبين وخياراتهم.

إن هذه العوامل مجتمعة قد أفرزت تحالفا بين السلفيين والليبراليين من أجل دعم القيادي السابق المعتدل في حركة الاخوان المسلمين الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح الذي أصبح منذ ذلك الوقت موضع انتقاد وتنديد من جماعة الاخوان المسلمين، فمرشح حركة الاخوان المسلمين محمد مرسي قد حقق حتى الآن نتائج هزيلة في استطلاعات الرأي، ذلك أن هناك أطرافا في صلب الحركة نفسها خشي أن يتهم الإخوان المسلمون بالهيمنة على المشهد السياسي والتكالب على السلطة في مصر. أما العلمانيون والليبراليون فإن لهم على الأقل ثلاثة مرشحين في سباق الانتخابات الرئاسية غير أن عمرو موسى يعتبر أوفرهم حظوظا للمنافسة بكل قوة.

أما أحمد شفيق - الذي تولى مدة شهر رئاسة آخر حكومة مصرية في أواخر أيام حسني مبارك - و أحد زعماء حركة كفاية حمدين صباحي، فقد حققا بدورهما نتائج جيدة في مختلف استطلاعات الرأي.

ومثلما قلت من قبل فإن استطلاعات الرأي المتعلقة بهذه الانتخابات الرئاسية المصرية جاءت متباينة ولسبب وجيه أيضا: لم يسبق أن عاشت مصر في تاريخها السياسي مثل هذه الانتخابات الرئاسية التنافسية، كما أنه يصعب توقع مدى نسبة المشاركة أو كثافة الناخبين في مراكز الاقتراع، كما أننا لا نعرف على وجه الدقة مدى القوة التنظيمية لكل حزب ولكل مرشح، وبقطع النظر عما تفرزه استطلاعات الرأي فإنه يجب ألا نستبعد قدرة الاخوان المسلمين أو المجلس الأعلى للقوات المسلحة على القيام بدور جوهري في هذه الانتخابات.

السؤال الكبير الذي يطرح: من سيفوز ويصبح رئيس مصر الجديد؟ ثم كيف وما طبيعة مهمة الرئيس على المدى القصير عندما تنتهي هذه الانتخابات وتفرز نتائجها، ثم عندما يوضع الدستور على المدى البعيد؟

قد يضع بعض المصريين سقفا عاليا من التوقعات ويعلقون آمالا عالية على هذه الانتخابات ويعتبرون أن تغييرات جوهرية ستتحقق إذا ما فاز مرشحهم المفضل. هذا لن يحدث ولن يكون الأمر على هذا النحو على الأرجح.

هذه ليست بالانتخابات التي ستأتي بزعيم ستكون له سلطات الرئيس حسني مبارك أو الرئيس أنور السادات أو الرئيس جمال عبدالناصر. فالرؤساء السابقون خرجوا وتخرجوا في رحم المؤسسة العسكرية المصرية وتحكموا في الحزب الحاكم والبرلمان والأجهزة الأمنية وبقية مؤسسات الدولة الأخرى. إن الوضعية الحالية أكثر غموضا.

سيظل المجلس الأعلى للقوات المسلحة يمثل قوة رئيسية كما يستبعد أن يفرط في كامل صلاحياته لأي سلطة مدنية، وخاصة إذا تعلق الأمر بسلطة لا يثق بها. يسيطر الإخوان المسلمون والحركة السلفية على جانب كبير من المقاعد البرلمانية، أي على مكونات عريضة من المجتمع المصري مما يشكل قوة تأثير كبيرة. يجب ألا ننسى أيضا قوى أخرى منظمة لعبت دورا مهما في الثورة وقد برهنت على مدى قدرتها على تعبئة المتظاهرين.

بناء على ذلك فإن المساحة التي ستكون متاحة للرئيس المصري الجديد ستكون مقيدة، وخاصة أن البرلمان الذي يسيطر الإخوان والسلفيون على أغلب مقاعده سيلعب دورا مؤثرا في تشكيل الحكومة المصرية الجديدة، فالمؤسسة العسكرية ستظل تضغط من أجل حماية مصالحها كما أن «الشارع» المصري سوف يرد الفعل إذا ما اضطر إلى القيام بذلك.

ومثلما قلت آنفا، فإنه لم يسبق لمصر أن عاشت مثل هذه التجربة الانتخابية التعددية الرئاسية. إن الوضعية الجديدة التي تعيشها مصر تسمى الديمقراطية، وهي عبارة عن لعبة لتحقيق التوازن بين القوى المتنافسة. أحيانا قد يكون الوضع فوضويا وقد يتطلب بعض الوقت حتى يستتب.

يجب أن نؤكد أن مصر تظل تواجه تحديات جسيمة قد تزيد من هشاشة الوضع وقد تقوض ما تحقق من مكاسب. يتعلق الأمر على وجه الخصوص بالوضعية التي يوجه إليها الاقتصاد المصري الذي يمثل التحدي الأكبر. يجب على القادة السياسيين بمختلف أطيافهم أن يتحلوا بالمسؤولية الوطنية وينحوا خلافاتهم النابعة من مصالحهم الشخصية الضيقة جانبا ويعملوا سريعا على تعزيز صلاحيات الرئيس الجديد وفاعلية الحكومة حتى يتسنى التعامل مع الأزمة الاقتصادية الراهنة واعتبارها فوق كل الأولويات.

سنظل ننتظر لنرى ما إذا كان هذه الأمر سيتحقق فعليا في مصر، فنحن لم يسبق لنا أن رأينا مثل هذه الانتخابات الرئاسية التعددية والتنافسية في تاريخ أرض الكنانة.

* رئيس المعهد العربي الأمريكي



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة