الجريدة اليومية الأولى في البحرين


أخبار البحرين

خلال مناقشة التقرير الوطني للبحرين في جنيف.. وزير الدولة لحقوق الإنسان:
البحرين حريصة على تعزيز مبادئ وثقافة حقوق الإنسان لأنها من الأولويات

تاريخ النشر : الثلاثاء ٢٢ مايو ٢٠١٢



ألقى وزير الدولة لشئون حقوق الانسان د. صلاح علي كلمة امام مجلس حقوق الانسان بجنيف استعرض فيها التقرير الوطني الثاني للبحرين والذي يشمل الإنجازات والنتائج التي بلغتها البحرين خلال السنوات الأربع الماضية.
وفي كلمته أكد أن البحرين قبلت في عام 2008 جميع التوصيات والتعهدات الصادرة عن مجلس حقوق الانسان حرصا منها على تعزيز مبادئ وثقافة حقوق الانسان التي تعتبرها البحرين من اولوياتها، مشيرا إلى ان انجازات البحرين في هذا المجال ليست مؤقتة ولا مرحلية وانما مستمرة ومتطورة.
وفيما يلي كلمة وزير حقوق الانسان:
السفيرة لورا ديبوي ديسيل رئيس مجلس حقوق الإنسان الموقرة
السادة الأعضاء الموقرين،،،
الحضور الكريم،،،
بدايةً اسمحوا لي التقدم لكم جميعاً بعميق شكر مملكة البحرين ولمجلسكم الموقر والمنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة على الدعم الذي حظيت به المملكة وأخص بالشكر مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان على برنامج الاستعراض الدوري الشامل خلال الأربع سنوات الماضية, الذي أسهم بشكل فعّال في توعية الجهات المعنية بمملكة البحرين فيما يتعلق بتنفيذ التعهدات والتوصيات الصادرة من مجلسكم الموقر، آملين أن يستمر هذا التعاون والدعم المثمر.
تعدّ مملكة البحرين أول دولة عضو بمجلس حقوق الإنسان تخضع لعملية المراجعة الدورية الشاملة، تلك الآلية التعاونية التي استحدثتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث قبلت مملكة البحرين في عام 2008 بجميع التوصيات والتعهدات الصادرة من مجلس حقوق الإنسان وذلك حرصاً منها على تعزيز مبادئ وثقافة حقوق الإنسان التي تعتبرها مملكة البحرين من أولوياتها، فإنجازات مملكة البحرين في هذا المجال ليست مؤقتة ولا مرحلية وإنما مستمرة ومتطورة وهي نهج وغاية.
وها نحن نستعرض امامكم التقرير الثاني لمملكة البحرين المتضمن الانجازات والنتائج المثمرة التي استطاعت مملكة البحرين بلوغها خلال السنوات الأربع الماضية، وذلك بإشراك جميع الجهات ذات العلاقة ومنها منظمات المجتمع المدني في صياغة وإعداد التقرير الوطني المعروض على انظاركم وهي تجربة فريدة لم تحدث من قبل، وذلك إيماناً من مملكة البحرين بشراكة منظمات المجتمع المدني والناشطين في مجال العمل الأهلي ودورهم في تقدم ونهضة المملكة، علماً بان مملكة البحرين بها حتى بداية عام 2012م (565) منظمة أهلية تقدم لها الدولة ما مجموعه أربعة ملايين دولار أمريكي سنويا.
ومن الأهمية بمكان التنويه بان جميع النشطاء العاملين في مجال العمل الأهلي حقوقهم مكفولة بالقوانين الوطنية والمعايير الدولية وتطبق أحكامها على كافة المواطنين بلا استثناء ومن دون تمييز.
وضعت مملكة البحرين بعد عرض تقريرها الاول خطة عمل وطنية لتطبيق التعهدات والالتزامات الطوعية، وتحولت لمشروع عمل خاص لدعم النتائج والالتزامات الطوعية لمملكة البحرين في المراجعة الدورية الشاملة، بالتعاون مع مكتب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بمملكة البحرين.
وقد ارتكز هذا المشروع على خمسة مخرجات أساسية وهي:
المعلومات الخاصة بحقوق الإنسان وتطبيقات حقوق الإنسان وتطبيق منهج حقوق الإنسان في برامج التنمية والنظام الوطني لحماية ودعم حقوق الإنسان وتعزيز الإطار المعياري.
وعليه تم تشكيل لجنة إشرافية لمتابعة تنفيذ التعهدات الطوعية والتوصيات، التي تضم جهات حكومية ومؤسسات رسمية ومنظمات المجتمع المدني ذات الصلة بمكتب الأمم المتحدة الإنمائي في مملكة البحرين.
وقال لقد وثقت الأربع سنوات الماضية المليئة بالأحداث والتطورات الكثير فيما يخص الارتقاء بحقوق الإنسان على مختلف الأصعدة، ولا تدّعي مملكة البحرين الكمال وخلوّ مسيرتها من بعض المعوقات التي تعوق تنفيذ التوصيات والتعهدات، إلا أن مملكة البحرين بإصرار وإرادة صادقة تعمل ما في وسعها لتجاوز وتذليل هذه المعوقات, كما أنها تتعاون مع آليات حقوق الإنسان.
دعوني أستعرض لكم ـ في عجالة نظرا لضيق الوقت المخصص ـ أبرز ما تم إنجازه خلال السنوات الأربع الماضية:
أولا: حقل التعليم
ايماناً من مملكة البحرين بان التعليم هو القاطرة الحقيقية لمسيرة التنمية والتقدم فان المملكة تولي جل اهتمامها بهذا القطاع حيث تنص المادة السابعة من دستور المملكة «على أن تكفل الدولة الخدمات التعليمية والثقافية للمواطنين» وينص قانون التعليم على «أن يكون التعليم الأساسي والثانوي مجانيا بمدارس المملكة»، وتلتزم الدولة بتوفيره للجميع لكونه حقا من حقوق الإنسان.
ويأتي التقرير العالمي لرصد التعليم للجميع لعام 2010م، والصادر عن منظمة اليونسكو، خير شاهد على أن مملكة البحرين ضمن الدول ذات الأداء العالي في تحقيق أهداف التعليم للجميع، وذلك في جميع المؤشرات المتضمنة في التقرير وخصوصا في مجال التكافؤ بين الجنسين ومحو أمية الكبار ودمج الطلبة من ذوي الاحتياجات الخاصة من كلا الجنسين في المدارس الحكومية.
وبناءً على تعهد مملكة البحرين في عام 2008 في جنيف، والمتضمنة إعداد خطة عمل وطنية تربوية في مجال حقوق الإنسان، فقد تمت مراجعة الخطة الاستراتيجية الوطنية للتربية على حقوق الإنسان بالتعاون مع مكتب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بمملكة البحرين، ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو). وتم وضع خطة لنشر ثقافة حقوق الإنسان يمتد تنفيذها حتى عام 2016م وهي قابلة للتعديل والتطوير نحو الأفضل حسبما تقتضيه المصلحة والمشورة مع كافة الجهات المعنية.
ويأتي نشر قيم المواطنة وحقوق الانسان من أبرز أهداف خطة تدريس حقوق الإنسان داخل البيئة المدرسية وتعميق مفاهيمها ضمن المناهج التربوية وإعداد وسائل تدريس وتدريب لها.
كما سعت مملكة البحرين إلى إدراج مفاهيم حقوق الإنسان ضمن مواد دراسية متعددة، كما أفردت لها مادة دراسية خاصة ضمن مادة التربية للمواطنة في كل الصفوف الدراسية، مستعينة ومستهدية بالتجارب الرائدة وبما يتفق مع منظومة العادات والتقاليد العربية والإسلامية وبشكل يتناسب مع الفئات العمرية في مختلف المراحل التعليمية.
ثانيا: القطاع الصحي
ان حق الإنسان في التمتع بمستوى صحي لائق منصوص عليه في دستور مملكة البحرين في المادة الثامنة منه والتي تنص على أن «لكل مواطن الحق في الرعاية الصحية، وتعنى الدولة بالصحة العامة، وتكفل وسائل الوقاية والعلاج بإنشاء مختلف أنواع المستشفيات والمؤسسات الصحية»، حيث إن تقديم الخدمات الصحية بمستوياتها الثلاثة تعد مجانية لجميع المواطنين سواسية من دون التفريق بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو الدين. كما تقوم الدولة في حالة عدم توافر العلاج الطبي محليا بتحمل نفقة العلاج كاملا في الخارج في أفضل المراكز العلاجية المتخصصة.
وعموما فإن وزارة الصحة تقوم بإعداد البرامج والخطط التنموية في المجال الصحي بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية بما يدعم مفهوم الحق في الرعاية الصحية.
ثالثا: تمكين المرأة:
ايماناً من مملكة البحرين بان المرأة نصف المجتمع حرصت المملكة على الوفاء بكامل حقوقها وعليه تبوأت المرأة البحرينية مكانة رائدة في المجتمع وخطت المملكة خطوات رائدة في مجال النهوض بالمرأة وتنمية قدراتها وتفعيل مشاركتها في المجتمع، فدخلت المرأة بجانب الرجل في مختلف القطاعات، والسعي متواصل لتعزيز تواجدها في مواقع صنع القرار والمناصب القيادية والوزارية، وكذلك دعم تواجدها في القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني والجمعيات السياسية.
كما يعد إنشاء المجلس الأعلى للمرأة بمملكة البحرين علامة فارقة في مجال دعم المرأة، هذا المجلس الذي يبذل قُصارى جهده للرقي بالمرأة من خلال اقتراح التشريعات التي تحفظ وترتقي بمكانتها، فعلى سبيل المثال لا الحصر، عمل المجلس الأعلى للمرأة على دراسة رفع التحفظات على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة أو إعادة صياغتها في حدود ما يتواءم مع التشريعات والقوانين الوطنية ويحفظ سيادة الدولة.
وفيما يخص موضوع الجنسية فإنه يتم حاليا مناقشة اقتراح تعديل قانون الجنسية على نحو يخوّل منح الجنسية البحرينية لأبناء المرأة المتزوجة من غير بحريني وفقا لضوابط ومعايير موضوعية تحفظ حقوق هذه الفئة، علما بأنه قد تم اتخاذ بعض التدابير لمنح المرأة حقا مساويا لحق الرجل فيما يتعلق بمنح الجنسية للأبناء.
وفي المجال ذاته تتواصل مكتسبات المرأة في مملكة البحرين، حيث صدر القانون رقم (35) لعام 2009م بشأن معاملة زوجة البحريني غير البحرينية وأبناء البحرينية المتزوجة من غير بحريني معاملتهم كالمواطنين البحرينين في بعض الرسوم المقررة على الخدمات الحكومية، ورسوم الخدمات الصحية والتعليمية ورسوم الاقامة شريطة الاقامة الدائمة في مملكة البحرين.
كما كان للمجلس الاعلى للمرأة دور فاعل في صدور قانون احكام الاسرة في قسمه الاول الخاص بالمذهب السني وذلك بموجب القانون رقم (19) لعام 2009م - بعد إقراره من السلطة التشريعية - والذي يُعد تنفيذاً لاحد تعهدات مملكة البحرين عام 2008 أمام مجلسكم الموقر، كما ان السعي مستمر نحو دعم كافة الجهود الوطنية المبذولة لتعجيل إصدار القسم الثاني لقانون أحكام الاسرة الخاص بالمذهب الجعفري, باعتبار هذا القانون حاجة ملحة وهامة ومطلبا مجتمعيا ولا سيما في ظل ما حققه القسم الاول لقانون أحكام الاسرة من نتائج عملية ايجابية جسدتها العديد من الاحكام الصادرة عن القضاء الشرعي في مملكة البحرين في حفظ حقوق الاسرة والمرأة وحماية مصالحهما.
كما أود الإشارة هنا إلى أن الحكومة تعمل جاهدة للانتهاء من إصدار قانونين مازالا يناقشان في أروقة السلطة التشريعية وهما قانون حماية الطفل وقانون الحماية من العنف الأسري، وستسعى الحكومة من خلال تعاونها مع الغرفة التشريعية في استعجال إصدار القانونين في المرحلة المقبلة.
رابعا: قطاع العمّال
على صعيد قطاع العمل وإيماناً بمكانة العامل سواءً كان مواطناً أو مقيماً. فقد نص الدستور البحريني في المادة (13) على أن «العمل واجب على كل مواطن تقتضيه الكرامة ويستوجبه الخير العام، ولكل مواطن الحق في العمل وفي اختيار نوعه وفقاً للنظام العام والآداب».
وفي هذا السياق عمدت مملكة البحرين إلى إصدار العديد من القوانين التي تكفل للعامل حقوقه الانسانية، حيث تم تفعيل المادة (25) من قانون تنظيم سوق العمل والتي تمنح الحق للعامل الأجنبي في الانتقال للعمل لدى صاحب عمل آخر، وذلك من دون الإخلال بالحقوق المقررة لصاحب العمل بموجب عقد العمل المبرم بين الطرفين، وهي من القوانين الرائدة التي تحافظ على حقوق العامل الأجنبي.
كما تقوم وزارة العمل - بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة - بحملات تفتيش دورية لمساكن العمال وأماكن عملهم وذلك لضمان توافر الاشتراطات الصحية والسلامة لتلك الأماكن، حيث تتم مخالفة المنشآت غير الملتزمة وإحالتها إلى النيابة العامة، إضافة الى وجود مكتب مختص لتلقي الشكاوى والتحقق منها واتخاذ ما يلزم لتصحيح الوضع أو استرجاع حق العامل.
كما أن مملكة البحرين في إطار حرصها على الاهتمام بالعمالة الأجنبية بوجه عام والعمالة المنزلية بوجه خاص، تمت مراجعة قانون العمل الجديد المرتقب صدوره قريبا جدا من خلال إفراد باب خاص ينظم المسائل المتعلقة بهذه الفئة، كما شكلت لجنة لإعداد الخطة الوطنية لسوق العمل تختص بإعداد ووضع خطة وطنية بشأن سوق العمل تتضمن الاستراتيجية والسياسة العامة لتشغيل العمالة الوطنية والاجنبية.
وتجدر الإشارة إلى أن قانون العمل الجديد في القطاع الأهلي اعتمد الثلاثية المقررة في منظمتي العمل الدولية والعربية حيث شاركت في صياغته واعداده الأطراف الثلاثة (الحكومة وأصحاب العمل والعمال). ومن أبرز تعديلاته حق الإضراب ومنع تغيير عمل العامل المتفق عليه وضمان مساواة المرأة بالرجل في كافة مجالات العمل وتنظيم عمل المرأة ليلا وتحسين الأجور وجعل حد أقصى لساعات العمل اليومية وإلزامية علاوة الساعات الإضافية.
خامسا: القطاع الأمني
وضعت مملكة البحرين مسألة احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية وحمايتها في سلم أولوياتها في إطار حرصها على الوفاء بالتزامات وتعهدات المملكة الدولية، وقد جاءت تلك الاستراتيجية متوافقة مع الجهود المبذولة من جانب الدولة من اجل تعزيز وترسيخ ثقافة احترام حقوق الإنسان في جميع المجالات.
لقد تم تبنى استراتيجيه عامة لتطوير الجهاز الأمني والارتقاء بقدرات وكفاءة رجال الأمن، فأعيد هيكلة بعض الأقسام بوزارة الداخلية، وانشئت إدارات وهيئات جديدة وخصوصا تلك التي تعنى بحقوق الإنسان، كما قامت الوزارة بصورة مستمرة بمراجعة الإجراءات الأمنية المعمول بها وتطويرها لضمان قدر اكبر من احترام حقوق الإنسان أثناء قيام منتسبيها بواجبهم في حفظ الأمن واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة للتحقيق في حالة وقوع تجاوزات من قبلهم بهذا الشأن.
وحرصت مملكة البحرين على الاستعانة بخبرات وكفاءات أمنية وحقوقية دولية عالمية على مستوى عال من الكفاءة من الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة, وايمانا منها بضرورة رفع كفاءة رجل الأمن للوصول إلى الاحترافية في مجال عمل الشرطي، فقد تم التعاون مع المؤسسات التدريبية الدولية لتطوير عمل الشرطة وتطوير آلية ومناهج التدريب والإعداد، حيث تم وضع آلية تدريبية وبرنامج متكامل لابتعاث عناصر الشرطة للتدريب على حقوق الإنسان وعقد دورات تدريبية وورش عمل تضمن ممارسة رجال الأمن لعملهم وفقاً للمعايير الدولية.
كما تم إنشاء مكتب مستقل لأمين عام التظلمات ومكتب الشئون الداخلية في وزارة الداخلية يعنى ببحث الشكاوى والتظلمات، وأصدرت مدونة سلوك رجال الشرطة باللغتين العربية والانجليزية، ودليل للعمل الأمني يعرض واجبات عناصر الأمن والإجراءات التي يجب الالتزام بها عند إلقاء القبض على المتهمين، كما صدر قرار لاتخاذ كافة الخطوات التي تضمن حقوق المتهمين المتعلقة بالتوقيف والاحتجاز، وانشاء مركز للحبس الاحتياطي يتبع إدارة الإصلاح والتأهيل، واتخذت الخطوات اللازمة لتركيب المعدات السمعية والبصرية بمراكز الحجز والتوقيف وغرف المقابلات الرسمية من أجل تحقيق أعلى درجات الشفافية في ضمان حقوق المتهمين، كما احيلت القضايا المتهم فيها رجال أمن إلى النيابة العامة للتصرف فيها في إطار الحرص على تحقيق الشفافية المطلقة في المحاكمات.
اضاف وزير الدولة لحقوق الانسان ان الاحداث التي مرت على مملكة البحرين خلال العام الماضي وبالتحديد خلال شهري فبراير ومارس، كانت أحداثا مؤسفة ومحزنة، أصبح لها تبعات كثيرة وحمّلتنا مسؤوليات أكبر، ولكنها أيضا مكنتنا من تحقيق إصلاحات كبيرة وإنجازات عديدة لصالح المواطنين في الميادين الحقوقية.
وكما هو معلوم لديكم فإن العديد من الدول شهدت تقلبات وأزمات كنتيجة طبيعية لما يشهده العالم ككل من تغيرات متسارعة وتجاذبات وطنية، ولكن الحكمة والتروي هي الحاكم الرئيس في مثل تلك الأمور، وذلك تحديداً ما اتبعته مملكة البحرين في محاولتها لاحتواء تلك الاحداث المؤسفة، وليس أدل على ذلك من سعي جلالة الملك إلى اتخاذ العديد من الخطوات الجذرية التدريجية لإصلاح ما خلفته الأحداث، بداية من إطلاق حوار التوافق الوطني والذي شهد مشاركة كثيفة وفاعلة من مختلف مكونات المجتمع البحريني، حيث جرت مراجعة شاملة خلال ذلك الحوار للعديد من المسائل الهامة على الساحة البحرينية. الأمر الذي تمخض عنه عدد من المطالب الإصلاحية في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والحقوقية وكان من أبرزها التعديلات الدستورية, وكذلك تعديل عدد من مشاريع القوانين.
كما لعبت اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق والتي شكلت بمبادرة ملكية - تعد البحرين الدولة الوحيدة في العالم التي تشكل مثل هذه اللجنة بمبادرة ذاتية -، وبرئاسة الخبيرالدولي في مجال حقوق الإنسان البروفيسور محمود شريف بسيوني إضافة إلى فريق من شخصيات دولية مرموقة يشهد لها عملها على أرض الواقع بالكفاءة والخبرة الطويلة في هذا المجال، حيث توصلت هذه اللجنة إلى العديد من التوصيات التي كانت موضع ترحيب وقبول من مملكة البحرين، وقد عملت المملكة كمرحلة تالية وتنفيذاً لتلك التوصيات بتشكيل لجنة وطنية برئاسة رئيس المجلس الوطني لتنفيذ تلك التوصيات وذلك بالتعاون مع جميع الجهات الحكومية وغير الحكومية، حيث نفذ جزء كبير منها بشكل كامل، والبعض الآخر جار العمل على تنفيذه. وقد رفعت اللجنة الوطنية المعنية بمتابعة توصيات اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق تقريرها إلى الجهات الرسمية لاتحاذ ما يلزم، وحرصا من الحكومة على استكمال متابعة توصيات اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق، تم مؤخرا تكليف وزير العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف بمتابعة تنفيذ كافة التوصيات وتذليل الصعوبات التي تواجهها ووضع الآليات اللازمة لتنفيذها على أن يتم رفع تقرير دوري بشأنها لمجلس الوزراء.
إيماناً من مملكة البحرين بسيادة القانون وتنفيذاً لتوصيات اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق فقد تم إحالة عدد من المسئولين الذين ارتكبوا تجاوزات خلال الأحداث التي وقعت عام 2011م، فهناك 142 تحقيقاً جارياً أدت نتائجها إلى عشر ملاحقات قضائية حتى الآن، كما أنشئت وحدة تحقيق خاصة في النيابة العامة معنية بالتحقيق والتصرف في البلاغات والشكاوى المتعلقة بادعاءات التعذيب والمعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، مدعومة بمحققين ذوي خبرة وباستشارية في مجال حقوق الإنسان وبخبراء في مجال الطب الشرعي والأدلة الجنائية، وهي تعمل وفق المعايير الدولية وبالأخص بروتوكول اسطنبول. وتباشر هذه الوحدة حالياً تحقيقات موسّعة في قضايا وشكاوى بشأن حالات الوفاة المشتبه فيها وادعاءات التعذيب والمعاملة القاسية أو المهينة ولعل الأيام المقبلة ستكشف لنا المزيد من الحقائق التي سنتعامل معها بكل شفافية وعدالة.
كما تجدر الإشارة إلى أن جميع المحاكمات في مملكة البحرين من تبعات الأحداث الأخيرة تتم أمام القضاء المدني ووفق المعايير الدولية حيث يوجد محام لكل متهم وأحيانا أكثر، كما يتم ندب محام لأي متهم في قضية جنائية لا يوجد لديه محام والمحكمة تعطي المتهم كل الضمانات التي تمكنه من إبداء دفاعه. كما أن جميع المحاكمات علنية يستطيع حضورها حتى المنظمات غير الحكومية.
وأود التأكيد هنا أنه قد تم إسقاط التهم ذات الصلة بحرية التعبير والرأي وإسقاط أدلة الاعترافات ذات العلاقة في عدد من القضايا، وذلك إيماناً من مملكة البحرين بحرية التعبير، كما تم اعتماد إجراءات خاصة بالقضايا المتعلقة بأصحاب المهن الطبية وإسقاط أكثر من 1185 حالة من أصل 1416 قضية موروثة من محاكم السلامة الوطنية وجميعها موثقة، إضافة إلى قرار المجلس الأعلى للقضاء بتشكيل لجنة قضائية لمراجعة كافة أحكام الإدانة الصادرة عن محاكم السلامة الوطنية، حيث أمرت بالإفراج عن عدد من المتهمين ومن تبقى منهم تقوم السلطة القضائية التي تتمتع باستقلال كامل بمراجعة أحكامهم.
ولا يفوتني هنا أن أشير إلى دعوة جلالة الملك الى إنشاء المحكمة العربية لحقوق الإنسان والتي تعنى بكل القضايا والدعوات ذات الصلة بحقوق الإنسان، وذلك إيمانا من القيادة السياسية بـأهمية مثل هذه المحكمة في ظل المتغيرات المتسارعة والأحداث المتتالية في العالم العربي.
سعياً من مملكة البحرين لاستكمال تنفيذ توصيات اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق فقد تم إنشاء صندوق خاص للتعويضات لمن تضرر من الأحداث الأخيرة، وكذلك إطلاق مبادرة التسوية المدنية لتعويض أقارب ضحايا الأحداث التي جرت عام 2011م.
كما تجدر الإشارة إلى أن مملكة البحرين وفي ظل الخطوات الإيجابية التي تتخذها، تدرس باهتمام جميع الاتفاقيات المعنية بحقوق الإنسان، ومنها حالات الاختفاء القسري، حيث وافقت الحكومة عليها مؤخرا من حيث المبدأ وتتخذ حالياً الإجراءات الدستورية والقانونية الخاصة بالانضمام إلى الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، كما أنها في إطار دعمها وتعزيزها لحقوق الإنسان فإن الحكومة بصدد الانتهاء من مشروع قانون بشأن إنشاء المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان والتي تتمتع بالاستقلالية التامة وفق مبادئ باريس وقد تم الإيعاز إلى المختصين لاتخاذ الإجراءات القانونية والدستورية لإحالته إلى السلطة التشريعية.
سيراً على نهج المسيرة الإصلاحية في مختلف الاصعدة التي أرسى دعائمها جلالة الملك المفدى، وتحديداً وفقاً لما تضمنه خطاب جلالته بتاريخ 15/1/2012م والخاص بإجراء تعديلات دستورية، فقد أقرت السلطة التشريعية بغرفتيها، عددا من التعديلات الدستورية الهامة على دستور مملكة البحرين لعام 2002.
حيث منحت هذه التعديلات دوراً أكبر وفاعلاً للإرادة الشعبية وذلك في تشكيل الحكومة وطرح الثقة عنها، علاوة على منح صلاحيات رقابية كاملة لمجلس النواب مع تقليص دور مجلس الشورى - المعين - إضافة إلى إعادة تنظيم العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية بما يحقق المزيد من التوازن بينهما، هذا وقد جاءت تلك التعديلات الدستورية نتيجة لحوار التوافق الوطني بين جميع أطياف ومكونات المجتمع البحريني، حيث حظيت تلك التعديلات بموافقة ممثلي الشعب بالبرلمان وقد تمت المصادقة عليها بتاريخ 3/5/2012م من قبل جلالة الملك.
لا يسعني أخيراً إلا أن أتقدم إليكم والى الأعضاء والعاملين بجزيل الشكر والامتنان، متمنين أن يكون التعاون البناء مستمرا خدمة للهدف السامي الذي أسس هذا المجلس الموقر من أجله، والذي تعتبره مملكة البحرين من الثوابت التي لا تحيد عنها في مسيرتها، آملين أن ترقى العلاقة مع أعضاء الفريق إلى أعلى مستويات التعاون الإيجابي الذي سيعزز احترام حقوق الإنسان ليس في مملكة البحرين فقط بل في جميع أنحاء العالم.