قضايا و آراء
هل تمهد الاتحادات البينية
للأقاليم للاتحاد العربي الكبير ؟
تاريخ النشر : الثلاثاء ٢٢ مايو ٢٠١٢
قبل فترة ليست ببعيدة استضافت احدى الفعاليات السياسية المفكر فخامة الرئيس التونسي المنصف المرزوقي رئيس الجمهورية التونسية الشقيقة، وكانت تلك الفعالية في دولة قطر الشقيقة، وقد غطت قناة الجزيرة تلك الفعالية المعنية بشأن تغيرات الوضع في تونس والوضع المغاربي بصفة عامة، وقد أعلن الرئيس المرزوقي بذوقه الأدبي الراقي الاشكاليات التي تتعرض لها تونس والمشاكل التي تعوق تحريك رؤوس الأموال وضخها في الأنابيب المخصصة لها، كما أشار إلى أمر أثلج صدر المستمع العربي على امتداد بقاعه، فقد أكد فخامته السعي الجدي إلى تفعيل محور الاتحاد المغاربي بعد التغيرات التي حدثت في المنطقة العربية المغاربية وقد أكد تفعيل محور تنقل المواطن المغاربي بين الدول المغاربية كافة، وفتح طرق العمل والاستثمار في تلك البلدان كافة من دون أي قُيود أو ضرائب كالتي تُفرض على غير سكان دول تلك المنطقة وذلك إيمانا من صناع القرار في تلك الدول العربية المغاربية بأن هويتها الثقافية واحدة، ونسيجها الاجتماعي واحد ومشترك الخصائص،وهذا التصريح في حد ذاته يُثلج صدر المستمع العربي على امتداد الأرض العربية لما يُبشر به من خير ومن دفع نحو إعادة تفعيل وحدة الكيان العربي وبأفكار وتصورات تتحاشى أخطاء الاتحادات البينية العربية التي حصلت في السابق.
ان التغيرات التي حصلت في الدول العربية والمتغيرات العالمية تفرض على صناع القرار اليوم في العالم العربي ان يسعوا بشكل جاد ومسئول إلى التقارب أكثر وتخطي أي خلافات بينية في سبيل تحقيق تطلعات شعوبهم إلى الوحدة والازدهار وخصوصا ان الذات العربية في بواطنها حية وتشعر بوحدة الكيان والمصير،اذ ان ما أحدثه الاستعمار من تفكيك الجغرافيا العربية عبر اتفاقية سايكس ـ بيكو لم تفلح ولله الحمد في اضرار نفسي عميق في تفكيك الهوية الثقافية لأجيال الأمة، فالقواسم والانفعلات لطبيعة النفس العربية مازالت بطبيعتها وتماثلها وهي تعكس أن الكاريزما الواحدة للشخصية العربية أهم من فوارق بسيطة هنا او هناك.
ان مشروع الاتحاد العربي هو حقيقة قومية تُراود العرب على اختلاف مشاربهم الفكرية، وهو حلم لطالما سعوا إلى استعادة وحدة الأرض العربية من خلاله، وليس بخفي ان من عرقل أي محاولات للتلاقي والتقارب بين الدول العربية طوال السنين الماضية هو التطلعات الصهيونية والمصالح الغربية في المنطقة التي سعت دوماً إلى شغل نُظم الأمة العربية بخلافاتها البينية على حساب القضايا الاستراتيجية الكبرى للمنطقة العربية ولأمنها القومي.
وبالامس القريب في الرياض العزيزة عُقد اللقاء التشاوري الرابع عشر لفخامة الملوك والقادة لدول مجلس التعاون الخليجي واضعين على جدول أعمال القمة مناقشة خيار محوري من الاستحقاقات التي كان يجب ان تدفع لها صورة المنطقة منذ مرحلة بعيدة جدا، وذلك الخيار هو مشروع الانتقال بتكتل دول المجلس من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد المُشترك، وواقع الحال ان ذلك الخيار هو من البدهيات المفترض قيامها قبل دخول المنطقة مرحلة التوازنات والتغيرات الدولية والاقليمية المستجدة، اذ ان ذلك التأخير طوال المرحلة السابقة واستثارة الموضوع في هذه المرحلة هما ما حملا البعض على اعتبار الاتحاد جاء ليصُب في مصلحة معينة وانه موجه لاحتواء واقصاء بعض الاطياف من سكان المنطقة الخليجية، والقول بذلك هو خاطئ ويفتقد الرؤية السياسية الاستراتيجية البعيدة المدى، كما ان هذه الأطياف عاشت وتعايشت مع نُظمها السياسية منذ فترة بعيدة جدا وقبل حصول التحولات في المنطقة وقبل مجيء ثورة إيران وتطلعاتها وما انتهجته من سياسة ثقافية تخريبية وتغريبية في طبيعة التفكير الشيعي.
صحيح انه في مرحلة انتقال الكيانات من الحكومات او التكتلات التقليدية إلى مرحلة الدولة الحديثة حصل بعض التقصير تجاه التعاطي مع ذلك الطيف الشعبي الخليجي الا ان تلك المرحلة ليست بطويلة في تاريخ العلاقة المتبادلة بين النظم وشعوبها، وعليه فإنه يجب الا تُختزل العلاقة المتبادلة بين نظم المنطقة وشعوبها في تلك الحقبة من زمن الصيرورة التاريخية للمنطقة، كما ان هناك من المؤشرات الكثيرة المستجدة ما يُثبت ان النُظم السياسية في المنطقة تسعى بقوة إلى استعادة وتدارك ما كان مورّثا من علاقة الأجداد المتبادلة والمتداخلة من أجل محو تلك التقصيرات التي حصلت في غفلة من الزمن، وهو أمر سهل تحققه لطبيعة وحدة أصول الأنساب بالمنطقة في الامتداد التاريخي وخصوصا إذا انقطع المؤثر الخارجي المخرب، عندها سيكون من السهل إصلاح تلك النواقص السابقة، لكن إيران الجارة الطامعة ترصد بدقة تحولات السياسات الخليجية للإصلاح الا انها تدفع بكل السُبل لتخريب كل المحاولات لتطبيب الجراح بين النظم وذلك الطيف من تركيبة شعوبها، فما ان تهدأ النفوس حتى تنكأ الجراح مجدداً لتبقى عملية التوتر والريبة المتبادلة بين الأطراف قائمة وهو ما يصب في خدمة رؤية إيران وتطلعاتها الاستراتيجية البعيدة المدى في المنطقة، وما تصريحات رئيس مجلس الشورى الايراني الأخيرة الا دليل فاضح على تلك الأطماع، كما انها تندرج تحت الأسلوب الإعلامي المقيت والمتبع لتضليل الطيف الشيعي في المنطقة عبر التظاهر بإبداء الخوف والحرص عليه.
ومن المُشين في تلك التصريحات انها تتجاهل حقيقة ان البحرين دولة عربية، ومن الطبيعي ان تُجري اتحادا مع اي قطر عربي فذلك هو امتدادها الطبيعي، فما الذي تخشاه إيران من الاتحادات العربية البينية؟ فالمعروف ان خيارات الاتحادات في الوطن العربي تُقلق اسرائيل منذ قيامها في المنطقة، وهي تعمل على سياسة فرق تسد بين الأقطار العربية، ومن الواضح هنا ومن خلال تلك التصريحات ان رجال الدين السياسي في إيران تُقلقهم أيضا فكرة الاتحاد العربي ككتلة واحدة لأنها ستُعوق تطلعاتهم تماماً كما تخشى التوجهات الصهيونية تحقق ذلك، فهذه التصريحات المخزية لمُطلقها لا تستحق أكثر من الرد عليها بالتصحيح، أو هل يُراد للأقطار العربية الصغيرة ان تكون لقمة سائغة لاستلاب إيران او غيرها؟
كما انه ولتذكير رئيس مجلس الشورى الايراني الذي يُحاول تضليل الشيعة بتلك التصريحات هل غفل ان تشريعات بلاده لا تُعطي الشيعي فرصة لتملك الأراضي والعقارات في إيران الا من خلال الكفيل وسلسلة من الإجراءات الابتزازية التشريعية ضده؟ فأين ذهب التذرّع بالخوف على الشيعي العربي من ابتزاز نُظمه في مثل هذا الجانب؟