الجريدة اليومية الأولى في البحرين


أفق


الإخوان المسلمون في سوريا (1 -2)

تاريخ النشر : الأربعاء ٢٣ مايو ٢٠١٢

عبدالله خليفة



تحولاتُ العرب تبدو بأشكالٍ دينية وأيديولوجية لكنها صراعاتٌ اجتماعية معقدة، فنمو الرأسماليةِ الحرة لم يتواصل عبر الأنظمة الملكية والجمهورية العسكرية، وكان تجاوزها وإحداث قفزات كبرى في تطورِ الأمةِ العربية المأخوذة كجسمٍ واحدٍ يطير بقوة فوق التاريخ، هو السائد من قبل الاتجاهات المسماة اشتراكية وقومية.
بخلاف الجماعات المذهبية المُسيِّسة للإسلام التي ظهرتْ فوق الأرضية التقليدية للأملاكِ الزراعية والتجارة والخدمات الدينية الشرعية التي تقدمها للدول، والتي فزعتْ من هذه الدعوات، وخاصة مع تغلغل دعوات الإلحاد وإزاحة الأديان، وخاصةً ان تلك الدعوات بدت مشروعاً قابلاً للتنفيذ مع تصاعد حضور المعسكر(الاشتراكي).
أُخذتْ هذه التحولات من قبل زعماء الإخوان المسلمين عبر الخوف من ذوبان الإسلام والعرب في الهجوم الكاسح للغرب والشرق، وحولوا الدعوات الفقهية والإرشادية في المساجد والمدارس والتجمعات السكانية المختلفة إلى تنظيمات شبيهة بما يفعله الاشتراكيون والقوميون والبعثيون!
مضوا معهم في فكرة التنظيم الشمولي فغدا تنظيم الإخوان كلياً، من كونه دعوةً رياضية حتى رابطة سياسية، أما المضمون فهو بعث الإسلام بعثاً جديداً واستعادة الخلافة.
هي مضامين مثلت شموليةً سياسية أخرى، فما كان من خلافةٍ هو نظامٌ إقطاعي تفتت بسبب أسلوبِ إنتاجٍ متخلف، فيغدو البعثُ الديني هنا مضاداً للتاريخ وإبقاءً على علاقات اجتماعية وسياسية محافظة.
في حين أن البعثَ السوري كتنظيمٍ يتوهمُ هو الآخر صناعة الاشتراكية وهدم الواقع والإرث ونقل العرب نقلة عصرية كلية.
تقوم هذه التصورات على أدلجاتٍ انتقائيةٍ للبرجوازيات الصغيرة من مواقع فكرية مختلفة، كلٌ منها يزيلُ الآخر.
وأخذت الدعواتُ جانبها الأولي المنفتح في سوريا في زمنيةِ الاستعمار بسببِ غيابِ رأسماليةِ الدولة الوطنية الشمولية، وهيمنة المُلكيات الخاصة في الإنتاج، ولكن هذا الواقع راح يتغير مع استقلال سوريا وبدء تشكل الدولة الوطنية التي وقفتْ في مفترق الطرق التاريخية لا تعرف أي سبيلٍ تسلك.
سلوك هذا الطريق الخاص بالبلد تتحكمُ فيه المجموعاتُ السياسيةُ التي تشكلت خلال العقود السابقة، وبما خلقتُهُ من روابط مع السكان.
وكالعادة فإن العربَ مع افتقادهم للمؤسسات البرلمانية والديمقراطية الواسعة فإن السلاحَ هو الذي يقرر مصيرهم، مثلما جرى ذلك عبر القبائل المسلحة في التاريخ الماضي.
مؤسساتُ البرلمان والنقابات والأحزاب بدت عاجزة عن تحديد الطريق إلى التحول المطلوب رغم أن عدة سنوات من الحياة البرلمانية كانت خصبة، وحدثت فيها تطوراتٌ سياسية وثقافية هامة، وخاصة ان العسكريين بدأوا يتمرنون على النزول للشوارع، واختطاف الحياة السياسية والشعب.
عمل حزب البعث الثقافي التنويري الواسع اضمحل، وبدأت الدعوةُ للتغلغل في المؤسسات العسكرية مفتاح تاريخ المنطقة، وقد كانت الانقلابات العسكرية لسابقيهم بروفات لهم، وخاصة مع غياب الدعوات الفكرية الكبيرة للانقلابيين.
غدا التسلقُ السياسي العسكري أداةَ البرجوازيات الصغيرة السياسية للصعود التاريخي في كل الشرق، بحكم أزمة الرأسمالية المتخلفة، وهجمات الرأسمالية الغربية المتطورة، وتموّه ذلك بأسماء الاشتراكية والقومية.
النهضويةُ التدريجيةُ الإسلامية هي ذاتها ستدخلُ المسار الشمولي نفسه، وخاصة ان الشمولية العسكرية بدأتْ تدقلا أبوابَ سوريا مع حكم الوحدة مع مصر، وهي لم تحدد طبيعة النظام الجوهري الذي تريده، هي ذاتها كبرجوازية صغيرة مترددة بين الاشتراكية الحكومية الشمولية والرأسمالية الغربية.
وقد كتب الأستاذ مصطفى السباعي أول قائد للإخوان المسلمين السوريين كتاباً بعنوان (الإسلام والاشتراكية)، اعتذر عن عنوانه لاحقاً كما يذكرُ الشيخُ محمد الغزالي في سردهِ التاريخي عن جماعات الإخوان، كانت فيه مقاربة مع دعوات النضال الاجتماعي وأن الإسلام ليس بعيداً عنها، ومن هنا فإن جماعة الإخوان السوريين رفضت الانفصالَ عن الوحدة واتخذت خطاً مرناً بين التجمعات كافة.
لكن حزبَ البعث اقتحمته شهوةُ السلطة بقوة.
يقول الأستاذ ميشال كيلو: «كانت الأحزاب التقدمية تجنح نحو القوة في سياساتها وتخطب ود العسكر، لإيمانها أنها لا تقدر أن تغير نظاماً، وأن الجيش هو وسيلتها إلى الحكم، بينما بقي الإخوان المسلمون على خطهم القديم». ويضيف كاتب هذا البحث:
(نعم لقد تخلى كثيرٌ من قادة الأحزاب عن الأسلوب الديمقراطي، وتآمروا مع الانقلابيين على الحياة الديمقراطية، كما فعل «أكرم الحوراني» عندما باع الديمقراطية مقابل منصب وزارة الدفاع في أول وزارة تشكلت بعد انقلاب الشيشكلي في كانون الأول عام .1949 ومن خلال وزارة الدفاع، فقد أدخل «الحوراني» الكثير من البعثيين إلى الكلية الحربية، ليتخرجوا منها ضباطا كان منهم كل الذين شاركوا في الانقلابات العسكرية، التي تتابعت بعد ذلك على سوريا وكان آخرها انقلاب حزب البعث على الديمقراطية في آذار من 1963)، الطاهر إبراهيم: الإخوان المسلمون في سوريا نظرة عن قرب.
لقد تضافرتْ في أكرم الحوراني اتجاهات شتى، قومية واشتراكية ودينية وجهها كلها نحو بؤرة تحويل التاريخ: عسكرة المجتمع والسيطرة عليه بالجيش. وقد قادت الأسباب الغائرة في التطور الاجتماعي السياسي إلى صعود عسكريين بعثيين من طائفةٍ محددة غالبة، فيما كان الإخوان مع نزعتهم المدنية السلمية لم يعطوا(القابلةَ المولِّدة لكلِ مجتمعٍ جديد من رحمِ مجتمع قديم) حسب ماركس، أي اهتمام وقت صعود البعث العسكري.
كان الإخوان كسنةٍ من أنصار التطور التدريجي السلمي للمجتمعات.
وكان على الحوارني كذلك أن يجمعَ قوتين كبيرتين من البرجوازية الصغيرة المتعطشةِ للحكم هم جماعته (الاشتراكية) وحزب البعث في كيان جديد هو حزب البعث العربي الاشتراكي لكي يقفز للسلطة!
وحينئذٍ تم اختطاف سوري