قضايا و آراء
اتجاهات التغيير والتحول في الوطن العربي
تاريخ النشر : الأربعاء ٢٣ مايو ٢٠١٢
أتذكر في بداية الألفية الثالثة وتحديدا بعد دخول العولمة، اتفق الجميع على ان الأنظمة العربية ستكون رهينة لإرادة شعوبها، ولكن العكس أصبح صحيحا عدة سنوات، فمازال بعض الشعوب العربية حبيسا لأنظمته، والسبب في ذلك فشل هذه الشعوب في الاستفادة من انطلاقة التغيير التي أصبحت أسرع من السرعة في عالم اليوم.
الغريب ثم العجيب، رغم تلك الأوضاع فان بعض هذه الشعوب التي عرف عنها اعتمادها على الحظ دائما من دون الاعتماد على الأسباب والنتائج، مازالت تتمسك بايديولوجيات الفكر البالية، التي لم تستطع انتشالها من ظلمة المجهول.
وسواء كانت هذه الايديولوجيات ممثلة في أفكار زعامات دينية أو سياسية متطرفة، فإنها في كلتا الحالتين، قامت هذه الاطراف بتعرية هذه الشعوب، وبيع مصالحها في أسواق المبادلات العالمية بثمن بخس، لا لشيء، وإنما من اجل غايات مضللة.
واعتقد انه لا توجد علاقة وقتية للتخلص من اي زعامات قائمة على الانتهازية، فالمكون لهذه الزعامات دائما يعتبر معوقا أساسيا للتحرر، ولكن ما يثير الدهشة هو استمرار بعض العرب في السقوط بشكل متواصل، وهذا يؤكد أن الشعور بالرغبة في نيل الحرية وفك القيود هو من الصور غير المقبولة عند خصوم التطور التي يرفضها أيضا دعاة الجمود، كما أنها تعبر عن مرحلة من مراحل اليأس التي يمر بها بعض قطاعات الأمة.
لقد بات من الواضح ان الانعكاسات المرتدة لإسقاطات هذه الفترة الزمنية التي نعيشها سببها ضعف في علاقة المكون المجتمعي، وهو أمر يحمل في طياته الكثير من التعقيد والتأزيم، مما قد يؤسس منعطفا لهبوب رياح تغريب الأمة.
في مواجهة الوضع كله، لن نستغرب شدة الخطورة بعد ان يتم الحط من قيمة الانسان، لتتخذ هذه الخطورة أشكالا «هلامية»، ولتكشف بعدها عن مخاوف من ملامح انتكاسة أخرى قادمة، لا نستغرب ان تكون بدايتها دول الخليج العربي ونهايتها المغرب العربي، وايا كان مسماها في ذلك الوقت، ان كانت تسمى «حراكا أم انتفاضة»، ولكن أسبابها ستكون بدهية ومعروفة، وناتجة عن استمرار حالات من عدم مواكبة التحولات العالمية.
وبالفعل، فان ذلك يعد صراعا حقيقيا واختبارا لقدرات الامة، ولكن الأخطر في ذلك كله، ان الجميع يعلم ان اسقاطات التأزيم الاممي واسقاطات التغريب سببها زمر راديكالية طائفية وجماعات ذات اجندات سياسية، يتم دعمها ومؤازرتها من أنظمة دكتاتورية خارج الإقليم العربي هدفها تغيير المعادلات السياسية في المنطقة ضد مصلحة الأمة العربية.
انه من الواضح ان مشكلتنا نحن العرب تكمن في بعض أوضاعنا التي تحتاج إلى تغيير، حيث مناهجنا التربوية والتعليمية لا تواكب العصر على النحو المأمول، فأصبح الانسان العربي لا يجيد لغة الحوار والتفكير الموضوعي، فهل يأتي ذلك اليوم الذي نكون فيه في حالة توثب لنسطر على جبين الشمس إرادة الحرية في اتخاذ القرار؟
والاهم هنا، هو ماذا ستقول عنا حركة التاريخ؟ فهل يذكر التاريخ ـ ولو بخجل ـ حقيقة ان «سلوك الجبن لا يكون إبداعا أبدا، وان الانكسار ليس حتمية تاريخية» ثم قد يصمت، لينتقل ويؤكد ان «العيش في الديمقراطية هو نهج الأمم المتحضرة في الألفية الجديدة»؟
للأسف الشديد، رغم هذه التجاذبات والتعقيدات يبقى السؤال الرئيس هو: إلى متى سيستمر العرب بالسير في نفق الظلام؟
وبغض النظر عن حقائق كثيرة، فان كرة النار قد تدحرجت في الأرض العربية بعد ان انتهِكت طويلا حقوق وحريات، وأصبح الانسان العربي يعيش أحيانا مرحلة من الاستجداء والاستعطاف للحصول على ابسط حقوقه في العيش، ولكن معادلة التغيير سوف تشكل رقما صعبا بعد ان يفيق الجميع، ويعلم ان قواعد المشاركة سمة المجتمعات الحديثة.
في مواجهة الوضع القادم، لنتخيل ما الذي سيحدث بعد ذلك، فبنظري فان الأنظمة السياسية المستبدة لا يمكن ان تستمر طويلا، وان الانسان العربي لن يحتاج إلا إلى اللحظات المفصلية الحاسمة، لينطلق بحراك شعبي صادق من اجل اللحاق بالعصر بعيدا عن أي لعبة دولية، وسيكون هدف هذا الحراك تكوين دول مدنية قائمة على العدالة الاجتماعية والثوابت القومية.