الرياضة
كرة القدم البولندية ممزوجة بتاريخ وثقافة متنوعة
تاريخ النشر : الأربعاء ٢٣ مايو ٢٠١٢
وارسو - أ ف ب: ولدت كرة القدم في بولندا عندما كان الاستقلال مجرد حُلم، ولطالما كانت جزءا من تاريخ البلاد المعلق بالحُكم الأجنبي، تحويل الحدود والحكم الشمولي. عندما تستضيف بولندا كاس أوروبا 2012 مع أوكرانيا، وينزل منتخبها الأول على ارض الملعب في وارسو يوم 8 يونيو في اكبر حدث رياضي تستضيفه البلاد، ستعود الذكريات إلى الماضي.
يأمل اللاعبون استعادة أمجاد العمالقة كازيميرز داينا وزبيغنيو بونييك وغريغورز لاتو وأندري زارماخ الذين شكلوا الجيل الذهبي في كأسي العالم عامي 1974 و1982 قبل أن تنسحب بولندا من دائرة الضوء. لكنهم سيستعيدون أيضا الجذور التي أسسها الرجال النبلاء أصحاب الشوارب من إمبراطورية هابسبورغ، والذين نقلوا اللعبة البريطانية في نهاية القرن التاسع عشر. ظهرت الكرة البولندية بعد نحو قرن من تقسيم البلاد من قبل روسيا وبروسيا والنمسا. انتشرت اللعبة لغاية فيينا من قبل البريطانيين، لكن السيطرة جاءت من مكان آخر في الإمبراطورية بفضل حركة سوكول التشيكية الأصل، التي مزجت بين الجمباز وحرية النشاط.
ازدهرت سوكول في مقاطعة غاليسيا النمساوية، ومعظم سكانها من البولنديين والاوكران، والمنقسمة منذ الحرب العالمية الثانية بين بولندا وشريكتها في تنظيم كأس أوروبا أوكرانيا. استضافت مدينة لفيف، إحدى المدن المضيفة لكأس أوروبا عام 2012، ومعظم سكانها من البولنديين، أول مباراة مسجلة في 14 يوليو 1894. تحدى أعضاؤها من حركة سوكول من هم في مدينة كراكوف الغاليسية بمباراة استعراضية توقفت بعد هدف لفيف في الدقيقة السادسة.
وفي حين ولدت بعض الأندية على الأراضي الروسية وسيليسيا المحكومة من ألمانيا، ازدهرت كرة القدم في النظام النمساوي، إذ حملت أحيانا بعض الأندية طابعا عرقيا بولنديا. نالت بولندا حريتها بعدما أسقطت الحرب العالمية الأولى إمبراطورياتها الحاكمة. خلق أيضا النزاع النادي الكبير ليجيا وارسو الذي تأسس عام 1916 من قبل الفيلق البولندي المدعوم نمسويا في وجه روسيا. بعد الاستقلال، تعرضت آمال إنشاء بطولة في بولندا لنكسة نظرا للحرب مع روسيا البولشفية. أبصرت النور أخيراً في عام 1921، السنة التي خاضت فيها بولندا أول مباراة دولية لها وخسرتها أمام مضيفتها المجر 1- صفر.
في أول مشاركة لها في كأس العالم عام 1938 في فرنسا، خسرت بولندا أمام البرازيل 6-5 في الوقت الإضافي، حيث سجل النجم ارنست فيليموفسكي رباعية. هيمنت أندية من كراكوف ولفيف ومركز شورزوف الصناعي على الدوري الذي تمزق عند اجتياح ألمانيا النازية والاتحاد السوفيتي عام 1939. قتل النازيون لاعبي كرة القدم اليهود في المحرقة. واجه البولنديون أيضا إعدامات، وفي أفضل الأحوال حظراً شاملا للرياضة على رغم أن المقاومة نظمت بطولات سرية.
لكن مصدر المرارة جاء من السياسيين الذي أعلنوا نفسهم من الألمان، سواء عن طيب خاطر أو لمجرد البقاء على قيد الحياة، وتابعوا اللعب. طار فيليموفسكي الذي انضم إلى المنتخب النازي الألماني إلى ألمانيا ولم يعد بعد ذلك. توقفت أندية لفيف البولندية إذ أصبحت المدينة جزءاً من أوكرانيا السوفيتية، ومجتمعها البولندي أرسل غرباً للحلول بدلا من الألمان الذين طردوا من الأراضي التي منحت لبولندا من قبل الحلفاء المنتصرين.
أصبح بوغنون لفيف بطل عشرينيات القرن الماضي بوغون تشيسين مثلا. بعد إعادة انطلاق الدوري عام 1948، غيرَ النظام الشيوعي ما بعد الحرب نظام اللعبة. ارتبطت الأندية بقطاعات، فتبع ليش بوزنان قطاع السكك حديد، وغورنيك زابرز المناجم، وحافظ ليجيا على علاقته بالجيش، وقدرته على جذب المواهب من المجندين. وهكذا قاد لاعب من لفيف بولندا إلى الساحة الدولية. لعب كازيميرز غورسكي، المطرود خلال الحرب، مع ليجيا، ثم درب منتخبات بولندا للفئات العمرية في الخمسينيات والستينيات.
سمي مدرباً وطنيا عام 1970، وخلال ست سنوات صنع فريقا يعج بالمهارات والشغف. لكن بعدما تركت «نسور غورسكي» الساحة، عاشت بولندا فترة من القحط، إذ بلغت آخر مرة الدور الثاني في كأس العالم عام 1986، قبل أن تحرز فضية الألعاب الأولمبية عام 1992. خرجت من الدور الأول في كأس العالم عامي 2002 و2006، واستهلت مشاركتها في كأس أوروبا عام 2008، لكنها لم تحقق المطلوب وانزلقت في تصنيف الاتحاد الدولي. أدى زوال الشيوعية عام 1989 إلى تخبط الأندية في تكيفها مع قوانين السوق الجديدة، وعاشت اللعبة فضائح فساد متكررة، على رغم أن استضافة كأس أوروبا عام 2012 وضعت حداً لبعض المشكلات. وعلى رغم عدد سكانها البالغ 38 مليون نسمة وتقليد طويل في لعبة كرة القدم، يبدو أن أيام بلوغ غورنيك نهاي كأس الكؤوس الأوروبية عام 1970 أمام مانشستر سيتي، أصبحت في غاية القدم.