يوميات سياسية
اليوم في مصر
تاريخ النشر : الأربعاء ٢٣ مايو ٢٠١٢
السيد زهره
اليوم في مصر يوم تاريخي مشهود بكل معنى الكلمة.
اليوم، يتوجه أكثر من 50 مليون مصري إلى صناديق الانتخاب كي يختاروا رئيسا من بين 13 مرشحا للرئاسة.
هو يوم تاريخي مشهود لأسباب معروفة.
هذه هي المرة الأولى في تاريخ مصر الطويل التي يختار فيها الشعب المصري بنفسه من يحكمه، وفي انتخابات حرة مفتوحة.
وأجمل ما في انتخابات اليوم أنه لا أحد في مصر ولا في خارجها بمقدوره ان يتحدث بأي قدر من الجزم او اليقين عن الذي يمكن ان يفوز فعلا في هذه الانتخابات.
صحيح انه بحكم الشواهد العامة في الفترة الماضية وبحكم الدلائل الظاهرة، فان الفوز يكاد محصورا بين نحو خمسة من المرشحين يتصدرون السباق. ومع هذا، لا احد بمقدوره ان يرجح بشكل جازم كفة أي منهم، فكل الاحتمالات واردة فعلا. والذي سيقرر في النهاية هو الشعب.
صحيح تماما ما نقوله ويقوله المفكرون والمحللون من ان الانتخابات في حالة مصر وفي حالة كل دولنا العربية نظرا الى ظروفنا واوضاعنا المعروفة لا يمكن القول انها حرة تماما حتى لو لم تشهد أي تزوير مباشر، فهناك عوامل كثيرة تؤثر على اختيارات الناخبين وتؤثر فيها.
هذا صحيح. لكن في نهاية المطاف هذه ظروفنا وهذه اوضاع مجتمعاتنا، والمهم ان نبدأ هذا الطريق الطويل نحو اعلاء كلمة الشعب وارادته.
في كل الاحوال، اليوم هو بداية لتاريخ جديد يصنعه المصريون لأنفسهم ولوطنهم وللمنطقة كلها ايضا.
بالطبع، لن تجد اجماعا، ولا حتى شبه اجماع بين المصريين ان انت طرحت السؤال: من هو الذي يستحق الفوز بالرئاسة من بين المرشحين؟
ذلك ان الانتماءات تتباين والمواقف تختلف وكذلك الرؤى والتصورات لمستقبل الوطن وكيف يجب ان يكون.
ومع هذا، بمقدورنا القول ان شعب مصر العظيم الذي كافح قرونا طويلة وقاوم الغزاة ودحرهم.. شعب مصر العظيم الذي تحمل عهودا طويلة من القهر والظلم.. شعب مصر الذي لم تنقطع يوما انتفاضاته وثوراته منذ ثورة حور محب في العهد الفرعوني، وحتى ثورة 25 يناير.. شعب مصر العظيم الذي قدم قوافل وراء قوافل من الشهداء من اجل الوطن ومن اجل نهضة طالما حلم بها ومكانة عظمى على خريطة العالم يستحقها.. شعب مصر هذا يستحق افضل قائد وافضل رئيس في العالم كله.
شعب مصر يستحق رئيسا نزيها شريفا وطنيا مخلصا مؤمنا بقدرة الشعب ويعرف قيمة مصر وقدرها.. يستحق رئيسا يقيم العدل بين الناس ويؤمن بقدرة الشعب على ان يبني وطنا قويا معافى.
شعب مصر العظيم يستحق رئيسا يحكم باسم الشعب ومن اجل الشعب، لا رئيسا يحكم باسم «الحكم الإلهي» الذي طوى العالم حقبته قبل زمن طويل.
شعب مصر يستحق رئيسا يفتح ابواب الحرية والامل والمستقبل الواعد، لا رئيسا يريد اعادة عصور استبداد، او يريد تدشين عصر جديد من الاستبداد باسم الدين، او بأي اسم آخر.
ومع هذا، فان القيمة التاريخية لليوم في مصر لا تتمثل في من سوف يفوز في الانتخابات من المرشحين ويصبح رئيسا.
القيمة التاريخية الكبرى لليوم في مصر ان الشعب هو الذي سيختار وهو الذي سيقرر. ولأن الشعب هو الذي سيقرر، فسوف يبقى هذا قيدا على أي رئيس.
وأيا كان من سيفوز، المهم ان يظل باب الاختيار الشعبي مفتوحا. فحتى لو فاز رئيس دون طموحات وآمال الشعب، فسيظل الباب مفتوحا امام الشعب لتغيير المسار لاحقا.
الشاعر الكبير الراحل صلاح جاهين قال في واحدة من رباعياته الشهيرة قرأتها امس في جريدة «الشروق» المصرية:
وانا في الضلام
من غير شعاع يهتكه
اقف مكاني بخوف ولا اتركه
ولما ييجي النور واشوف الدروب
احتار زيادة .. ايهم اسلكه
وهذا بالضبط هو حال مصر اليوم.
مصر اليوم تقف حائرة امام دروب شتى، ولا تعرف بالضبط أي درب تختار وتسلك.
اليوم، سوف تختار مصر دربا بالضرورة.
قد لا يكون هذا الدرب هو درب السلامة بالنسبة الى الكثيرين.
لكن المهم ان مصر لا تقف في الظلام خائفة.
لكن المهم ان مصر سوف تختار بإرادة شعبها.
والأهم انها اليوم تقف في «النور».. والمأمول ان تبقى في النور.. سوف تبقى كل الدروب مفتوحة امامها، وسوف يكون بمقدورها ان ارادت ان تغير الدرب وتختار دربا جديدا.
ويا مصر.. يا وطني العظيم.. ادعو الله ان ينير بصيرتك وان يوفقك اليوم الى اختيار الأصلح ومن يستحق فعلا.. وادعو الله ان يبقيك دوما في النور تمتلكين ارادتك وقرارك.. وادعو الله ان يحفظك من كل مكروه.