أفق
الإخوانُ المسلمون في سوريا (2-2)
تاريخ النشر : الخميس ٢٤ مايو ٢٠١٢
عبدالله خليفة
تأتي جماعةُ الإخوان المسلمين في سوريا كغيرِها من المسلمين السنة فتعيشُ على ما هو سائدٌ في التاريخ، فضخامةُ عدد السنة في سوريا والمحيط العربي تجعل من التطور التاريخي البطيء المتدرج بصعوباتٍ شتى هو المسلك الطبيعي لها. هذا ينطبق على السنة من المذاهب الغالبة وليس على الحنبلية التي سوف تتوجه للمسارات البدوية العسكرية.
تأتي عملياتُ المغامرات العسكرية والسياسية والايديولوجية عادة من مذاهب أخرى أو من عناصر فردية وجماعية من السنة أنفسهم وقد اخترقوا ذلك التدرج الطبيعي.
إن الجسمَ الاجتماعي المحافظ المعتمد على قرون سابقة من خلال هيمنة القوى العليا الإقطاعية، ينقلبُ هنا فتقوم الشرائحُ الاجتماعية الصغيرةُ بدورِ الطبقات العليا السابقة، لكن التحولات تغيرُ ذلك المبنى القديم المحافظ، ولهذا فإن البرجوازية الصغيرةَ الإخوانيةَ في موقفٍ محير تاريخيا، وتقفُ على دروب شتى، وتستفيد مما هو متاح في اللحظة التاريخية وخاصة من الأنظمة التي مازالت تقليدية وتماثلها مذهباً وسياسة.
من هنا فإن انقلاب البعث وسياساته التحويلية التحديثية ومغامراته العسكرية كلها تثير الاضطراب والخوف في جماعة الإخوان والقوى السياسية الأخرى.
نشوء رأسماليةِ دولةٍ شمولية عسكرية وضعَ سوريا في مهب الرياح التاريخية العاتية، فمن التأميمات وضرب البنية الاقتصادية الخاصة وتصعيد البيروقراطية إلى جر سوريا للحرب مع إسرائيل وفقدان الجولان والهزيمة، وهي كلها تعبيرٌ عن مغامرات العسكريين في المنطقة وتوهمهم صناعة التغيير من خلال أدوات العنف، فيما أن الوطنية والقومية والاشتراكية تتحلل في الداخل وتغدو حكمَ طبقةٍ طائفية.
هنا سيكون اليمينُ العالمي والقوى الدينية التقليدية بالمرصاد لهذه القفزات من خلال مواقف شتى متباينة أو متعاونة أو متداخلة، وخاصة جماعات السنة التي أُقصيتْ وضُربت في أكثر من موقع وبلد عربي، وربما ترد بالأسلوب نفسه كما في العراق، أو تتبع الأسلوب السائد المتدرج في النمو.
إن الوعي الوطني الديمقراطي الذي كان يمكن أن يزدهر من خلال جبهات وطنية وتعددية حقيقية، تقومُ على تطور اقتصادي متعاون بين القطاعين العام والخاص، ودور تنظيماتهما في الوجود السياسي المتبادل، أُزيح عبر الشموليات، وخاصة من القابضين على السلطة وتصعيد جماعاتهم وامتيازاتهم.
ولهذا فإن مقاومة الإخوان المسلمين للبعث الشمولي، هي اللغة السياسية التي صعدت، المدافعة عن الجمهور والقطاعات الخاصة وبدأ الصراع لكن الذي تزيف وجهه الاجتماعي لصالح الطائفي السياسي، فلم يعتمدْ الإخوانُ المسلمون على شعارات الحداثة الديمقراطية بل على الطائفية السياسية.
بدا الصراعُ كأنه مواجهة بين إخوان تقليديين متخلفين في مواجهة بعث متقدم، لكن الأمر لم يكن كذلك، بل هو صراعُ القوى الاجتماعية المختلفة تجاه احتكار السلطة ورأسمالية دولة شمولية أخذ يتصاعدُ منها الفسادُ والعنفُ الدموي.
لكن المواقع الايديولوجية حيث كل طرف يستخدم لغته السياسية بمصطلحاتٍ تموه الموقف وأضاعت الحقيقة والتبست الأمور حتى الآن، فهو صراعٌ بين أشكال من اليمين المتعدد التوجهات والجذور الاجتماعية والمذهبية، وكله لا يقبل بالديمقراطية الحديثة وأسسها في العلمانية والعقلانية.
ومن هنا قفز الإخوان إلى العنف هم كذلك في مواجهة تصاعد البعث وتحولت إلى مواجهات دامية في السبعينيات من القرن الماضي، فهم رفضوا التراكم الديمقراطي وتشكيل جبهة ضد رأسمالية الدولة الشمولية، وكانت قفزتهم للعنف تعبرُ عن رغبتهم الكاسحة المغامرة في الوجود ضد نظام ألغاهم كليا.
تحولاتهم الراهنة جاءت في خضم صراعات العامة ضد النظام الذي تضرروا منه، وليست من خلال قراءات عميقة للإسلام والتاريخ وصراع الطبقات على مدى العقود السابقة، بل هي مواقفٌ سياسية قشورية لا تسندها أبحاثٌ وانتشارٌ لوعي متقدمٍ بين هذه النخب، وهي تحاولُ تعويضَ ما فاتها من طمسٍ وتوظف الأزمة الراهنة لمشروع سلطة الإخوان وليس سلطة الشعب الديمقراطية، وهو أمرٌ يعيدُنا للحلقة المفرغة ذاتها.
أي أن حزبا مذهبيا سياسيا يستمر في إنتاج نظام جماعة مهيمنة، في المستوى السياسي كالبعث، ولكن أيضاً مهيمنة في الشرع والأحوال الشخصية كذلك، وهو ما يقود لسيطرة المحافظة الاجتماعية واللاعقلانية والحكم المذهبي السياسي وليس الديمقراطي العلماني الوطني التعددي.
وكان آخر الصفعات التي وجهتها جماعةُ الإخوان المسلمين للمواطنين السوريين وللرأي العام رفض انتخاب مسيحي سوري لرئاسة المجلس الوطني قبل أيام بعد أن قالت ما قالت عن الوطنية والحداثة والديمقراطية.
أي أن دكتاتورية هذه الجماعات مستمرة للأسف رغم التطور الهائل الذي حدث في العالم، وما يجري من تركيز في مهمات الاقتصاد والتنمية والعدالة وليس في الطوائف وحصصها في المجالس.