قضايا و آراء
دول الخليج: من منظومة التعاون إلى منظومة الاتحاد
تاريخ النشر : الخميس ٢٤ مايو ٢٠١٢
عندما تأسس مجلس التعاون لدول الخليج العربي في عام 1981 كان ذلك استجابة لعدة تحديات إقليمية ودولية من أهمها نذكر ما يلي:
التحدي الأول كان عالميا وتمثل في اتجاه دول أوروبا الغربية إلى الاتحاد من خلال اعلان أول اتحاد أوروبي في عام 1975 الذي ضم 30 دولة بما عني في ذلك الوقت أن أوروبا تتجه إلى أن تتحول إلى كتلة أو اتحاد سياسي واقتصادي واحد، وأن بقاء دول مجلس التعاون دولا صغيرة معزولة محدودة السكان لن يجعلها قادرة على التعاطي مع هذا الاتحاد الضخم لا اقتصاديا ولا عسكريا ولا سياسيا، فالتنظيم الاتحادي في أوروبا الغربية وحد الأنظمة المالية من خلال العملة الموحدة ووحدة قوة العمل الأوروبية بالعمل أين ما يريد، وحرر المواطن الأوروبي في التحرك داخل الاتحاد من دون أي عوائق أو شروط للإقامة والعمل وتجاوز الأمر ذلك إلى توحيد أنظمة التقاعد والتأمين الاجتماعي وغير ذلك من الجوانب المتعقلة بالتجارة العالمية، وهذا التحدي الدولي يضاف إلى تحديات أخرى على الصعيد الدولي وهي التحديات الاقتصادية والسياسية الكبيرة في أمريكا الشمالية والجنوبية وفي غرب آسيا.
التحدي الثاني تحد إقليمي مثلته الثورة الإسلامية في إيران التي أدت منذ بدايتها الأولى إلى حدوث تهديد أمني خطر للمنطقة الخليجية وخصوصا بعد اندلاع الحرب العراقية الإيرانية وصولا إلى تبعات تلك الحرب الأمنية والاقتصادية والاجتماعية على دول الخليج، وتلك الحرب استمرت 8 سنوات من دون انقطاع وأدت إلى إنهاك الموارد الاقتصادية وتحميل دول الخليج ثقل تلك الحرب المدمرة والعبثية.
التحدي الثالث يتمثل في بداية انقشاع الطفرة النفطية التي شهدتها دول المنطقة في منتصف السبعينيات من القرن الماضي وانحسار الطفرة النفطية بتراجع أسعار النفط بشكل كبير وهو السلعة الأساسية التي تقوم عليها اقتصادات دول الخليج، مما أوجد أمامها تحديات اقتصادية واجتماعية كبيرة زادها استنزافا الحرب الإيرانية العراقية وظهور شعور لدى قادة المنطقة بضرورة البحث عن صيغة أولية للاتحاد السياسي والاقتصادي فكان اعلان تشكيل مجلس التعاون الخليجي في أبوظبي في 25 مايو من عام 1981 كبداية للاستجابة السياسية لهذه التحديات الثلاثة المشار إليها.
ولكن مجلس التعاون الخليجي الذي فتح أبوابا واسعة للتعبير عن طموحات وتطلعات شعوب المنطقة الخليجية قد دخل بعد ذلك إلى نفق الروتين وبطء الحركة أدى إلى بطء الأداء وإلى وجود صعوبات في التحول من منظومة المجلس السياسي إلى الاتحاد الفعلي لشعوب دول الخليج العربية، وهذا ما أدى إلى الإحساس بالإحباط في بعض الأحيان، وخصوصا انه قد مضى على تشكيل هذا المجلس أكثر من 30 سنة من دون أن يصل إلى تحقيق الاتحاد الكامل.
وفي ضوء التحولات التي شهدها العديد من البلدان العربية نتيجة لما يسمى الربيع العربي حيث تطور في الرؤية والمنظور، وتحديدا خلال القمة الخليجية التي عقدت في الرياض العام الماضي من خلال الدعوة التي تفضل بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية الشقيقة والمتمثلة في الانتقال من منظومة المجلس إلى منظومة الاتحاد على الطريقة الأوروبية مما يعني وجود منظومة أمنية موحدة على صعيد الإقليم الخليجي بما في ذلك حلف عسكري من الأسلحة الثلاثة: الجوية والبرية والبحرية لتأمين الحماية اللازمة لدول المنطقة من أي اعتداءات خارجية ولردع المعتدين، وحرية التنقل والإقامة والعمل وتوحيد أنظمة التقاعد والتأمين الاجتماعي والانتفاع بالخدمات الحكومية وتوحيد العملة المشتركة لتكون أداة من الأدوات الرمزية والاقتصادية على وحدة الإقليم الخليجي.
إن دعوة خادم الحرمين الشريفين إلى الاتحاد تمثل إرادة سياسية لقادة المنطقة إلا أن هذه الإرادة السياسية تحتاج إلى إرادة شعبية ضاغطة وداعمة نحو الاتحاد ومن خلال البرلمانات ومجالس الشورى والجمعيات ومنظمات المجتمع المدني والإعلام وقوى الشباب للضغط على السياسيين لتجسيد هذا التحول نحو الاتحاد، وخصوصا ان عوامل الوحدة التي تجمع بين دول الخليج العربية هي أقوى وأكبر عوامل توحيدية في العالم ولا توجد مجموعة من الدول تمتلك مثلما نمتلك نحن من عناصر الوحدة وأهمها الإقليم الجغرافي الواحد والوحدة الاجتماعية والثقافية ووحدة الدين واللغة والعادات والتقاليد والتاريخ المشترك.
نعتقد إن دعوة خادم الحرمين الشريفين إلى الاتحاد هي فرصة مناسبة لتحقيق الوحدة الخليجية الكاملة، وخصوصا في ظل الأوضاع الراهنة بما تحمله من تحديات ومن تهديدات جدية لأمن واستقرار دول الخليج ومن تدخلات خارجية في شئوننا الداخلية وتزايد الاطماع التي تحاط بنا، وكلها عوامل تدفع إلى ضرورة التوجه نحو الاتحاد الكامل الذي سوف يشكل قوة حقيقية قادرة على أن تكون موازية وموازنة للقوى الإقليمية الأخرى، لأن بقاء الخليج على وضعه الحالي سيجعله دائما عرضة للابتزاز والتهديد كما يجعل وزنه الاقتصادي للتفاوض صعبا.