الجريدة اليومية الأولى في البحرين


أخبار البحرين

الدكتور عيسى أمين يتحدث عن الوثائق البريطانية بجمعية الآثار.. ويقول:

مصطلح «الإصلاح» ظهر في عام 1904 بدءا بالجمارك

تاريخ النشر : السبت ٢٦ مايو ٢٠١٢



تكشف الوثائق التاريخية البريطانية الكثير مما لا يعرفه المتابعون وأبناء الوطن عن حقائق فترة زمنية تقارب 100 سنة، وقد يكون في طياتها وفي الثنايا المنسية أو المغيبة ماهو مخالف لما يعتقده عدد كبير من المواطنين والمنشور في الأدبيات السياسية والوطنية.. هذا ما أماطت عنه اللثام ندوة: الوثائق البريطانية لفترة 100 عام من تاريخ البحرين الحديث بجمعية التاريخ البحرينية بالجفير، تحدث فيها الدكتور عيسى أمين رئيس الجمعية مساء أمس الأول.
وكشف، وهو يستعرض تاريخ البحرين عبر هذه الوثائق المكتوب بعضها باللغة العربية وبعضها الآخر باللغة الانجليزية عن مضامين هذه الرسائل والخطابات المكتوبة أو المطبوعة وخاصة التي حررت بعد 1920 مما يكشف عن وصول آلة الطباعة (الطابعة) إلى البحرين في تلك الفترة، وأن هناك من يجيد القراءة والكتابة والعمل عليها، كما عكست هذه الوثائق وجود منهل معلومات مثيرة عن تاريخ البحرين لمن يريد متابعة تاريخ هذا البلد الصغير بعدده وجغرافيته لكن الكبير بتاريخه وفعالياته.
جاء في الندوة ان البحرين كانت مدخلا ومنطلقا وموقعا هاما سواء لدول شمال الخليج أو لجنوبه في الجانبين الأمني والتجاري، لذا نلاحظ تدفق التدخلات الأجنبية سواء بالبواخر الحربية أو بالسياسة في قضايا وشئون هذا البلد منذ المنتصف الثاني للقرن التاسع عشر، ويبدو من خلال الوثائق البريطانية ان الهم البريطاني كان منصبا على جعل البحرين مركزا اقتصاديا، وبالتالي، عليهم ضمان امن شركاتهم ومواطنيهم بهذه البقعة الجغرافية من العالم.
البحرين وبريطانيا
وقال المتحدث: «حرص الجانبان (البحريني والبريطاني) على وجود علاقة متميزة بينهما لحاجة كل منهما إلى الآخر»، وكذلك عدم ربط البحرين بأي دولة قوية بالمنطقة (إيران أو السعودية).. كما تشمل الأهداف البريطانية في البحرين ضمان الخط المفتوح مع الهند، وعليه تم نقل المصالح البريطانية من أبوشهر إلى البحرين حين تدهورت العلاقات مع (محمد رضا خان) في إيران، وتطورت العلاقة بين بريطانيا والشيخ حمد بن عيسى حاكم البحرين في تلك الفترة، وتم نقل المنشآت البريطانية إلى البحرين في عام 1923.
كما استعرض وثيقة ثانية تكشف عن عدد البساتين والمحاصيل الزراعية والمبالغ التي تجمع من اصحابها كمصدر دخل، هذا بالإضافة إلى الدخل القادم من الضرائب على الجمارك واللؤلؤ حيث يستخدم جزء كبير من هذا الدخل في العملية التنموية.
وتكشف الوثيقة التاريخية في تلك المرحلة عن (اللورد كاريدون) وهمّه في تحسين وضع الجمارك، وكان يريدها دائرة رسمية فاعلة، وليست دائرة يسيطر عليها التجار الهنود (البانيان) كما هو حاصل في ذلك الوقت، موضحا ان السبب في قوة التجار الهنود هو ان العلاقة بين الشيخ عيسى بن علي هي علاقة (سلف واستلاف)، فيما تعكس (وثيقة البساتين)، المزارع الموجودة في القدم وجدعلي وبديعة الغزال وأم العروق وبدخل يبلغ 40 ألف روبية هندية.
أما الوثيقة الثالثة، فـأوضحت ان الشيخ عيسى بن علي لاحظ ان المعتمد البريطاني يأخذ منه السلطة شيئا فشيئا، فكتب رسالة إلى بريطانيا يذكّر فيها بأنه هو الحاكم المنتخب في البحرين، ولا يريد أحدا يتدخل في شئونها، وطالب بأن يكون المسئول عن المحاكم الشرعية، والإدارة المالية (الجمارك) وكذلك عدم تدخل بريطانيا في شئون العائلة الحاكمة، وكان له ذلك.
مواجهات 1920
وذكر المعتمد البريطاني (الديلي) في عام 1920 ان مواجهات عنيفة قد حصلت في ذلك التاريخ، تطالب بضرورة تغيير السلطة، مع العلم ان هارولد ديكسن أدخل في 1919 النظام البلدي في البحرين نقلا لتجربة النظام البلدي في البصرة، وفتح مجالس منها، وترأسها (فرحان الرحمن) من العراق، وقام بترجمة شكاوى المواطنين، ثم طالب المواطنون بإزاحة هارولد ديكسن وانتقل إلى الكويت وعمل مع شيوخها.
كما يلاحظ من قراءة هذه الوثيقة ان الديلي كان مصمما على وضع ميزانية خاصة للبحرين، ونظام ضرائب، وعليه استجد الصراع بين التجار والعوائل الكبيرة في البحرين مع الديلي، والسبب ان العوائل الكبيرة كانت مستثناة من دفع الضرائب بينما يدفع قطاع المالك أو العاملون في البساتين وأصحاب الحظور والمزارع الضرائب فيما تكشف وثيقة ان الحاكم في تلك الفترة، طالب بأن تكون الضرائب متساوية على الجميع.
النجديون والعجم
والحقيقة ان البحرين كانت سوقا تجارية وفيها تجار من المملكة العربية السعودية (عربان نجد) وفيها ايضا من إيران (الفرس أو العجم) يعيشون بجنسيتهم وثقافتهم، وكلما حصل صراع بين الدولتين الكبيرتين في منطقة الخليج، ينعكس ذلك على البحرين مثلما حصل في مايو 1935 حين تصادمت الجاليتان (النجدية والفارسية) وراح ضحية هذا الصراع 8 قتلى، وعليه شاب أجواء البحرين الارتباك والقلق.
وكتب الحاكم حينها رسالة إلى بريطانيا يشكو لها من الانفلات الأمني، فوصلت البوارج البريطانية إلى البحرين، وقام المعتمد البريطاني بتهدئة الأمور والسيطرة عليها أمنيا بترتيب مع الشيخ عيسى بن علي (ولي العهد)، وعيّن الشيخ حمد بن عيسى وكيلا عن الشيخ عيسى بن علي وتم تحويل الأمور إلى الشيخ حمد بموافقة الشيخ عبدالله بن عيسى.
ولفت المتحدث أنظار المستمعين والحاضرين في الندوة إلى ان البريطانيين لربما يرون في شخصية الشيخ عبدالله بن عيسى شخصية طموحة وذات تطلعات بعيدة، وهو نفسه الذي ذهب إلى بريطانيا وركب طائرة بعد الحرب العالمية الاولى، وهو الذي اتفق مع المعتمد البريطاني الا تتدخل في شئون البحرين وان تعامل أسرة شيخ البحرين مثلما تعامل أسر باقي حكام الخليج، كما توصل الجانبان الى ان يخاطب المعتمد في بريطانيا وليس في الهند.
بريطانيا ترفض المطالب
ورفض الجانب البريطاني هذه المطالب لكنه أعطاه الصلاحية للشيخ في قضايا النفط والمحاكم المختلطة بين التوابع والمقيمين، وانتهت المحادثات بإصدار قانون سنة 1913 لكنه لم يطبق إلا في سنة 1919 بعد عودة بيت الدولة من لندن، وتحوله إلى سلطة قضائية تدير المحاكم الكبيرة والصغيرة والشرعية ومحكمة الغوص.
وتابع: بعد ثورة مايو 1923، اصبح هناك انقسام في المجتمع البحريني إلى مجموعتين، الأولى: مجموعة التجار والعوائل تطالب الشيخ عيسى بن علي بعدم التغيير والإصلاحات.. والثانية: مجموعة التطوير تطالب بالتغيير والتطوير وعليه صار الشيخ عيسى بن علي رائدا للإصلاحات التي رافقت تلك الفترة، ويلاحظ ان مصطلح «REFORM» الذي يعني «اصلاحات» لم يظهر في المستندات والتعامل في تاريخ البحرين إلا في عام 1904 للمرة الأولى من خلال اللورد كاريزون حينما تبنى إصلاح الجمارك وغيرها من الدوائر.
أول مجلس تشريعي
وفي الرسالة (الوثيقة) الرابعة التي عرضها الدكتور عيسى أمين في ندوة أمس الأول، أوضحت ان هناك انقساما، ففي رسالة قدمها الشيخ عيسى بن علي إلى الهند تطالب بإبقاء الشيخ عيسى بن علي في الحكم، وأرسلت منها نسخة إلى المقيم البريطاني في «أبوشهر» شرقي إيران، وأن البلد (البحرين) يريدها دولة مدنية، وطالب بالموافقة على (أول مجلس تشريعي)، وهذا الطلب حقيقة يميط اللثام بوضوح عن أن البحرين هي أول دولة خليجية تطلب أن يكون فيها مجلس تأسيسي وبمبادرة من الشيخ عيسى بن علي. وتم رفع هذا التصور وهذا الطلب إلى حكومة الإنجليز عام 1924، وقد لاقى هذا الطلب الرفض.
كما نجد في رسالة اخرى ان الشيخ عيسى بن علي كان متيقنا من ابنه الشيخ حمد في إدارة البلاد، بعث رسالة إلى المعتمد البريطاني بهذا الخصوص، وجاء في الرسالة: «انني عينت الشيخ حمد وليا للعهد.. ومسئولا عن مشروع الإصلاح الذي يتضمن انشاء الطرق وتنظيم الشرطة وتنظيم مهنة الغوص»، وكانت هذه الرسالة تحكي من فترة زمنية من 1920 إلى 1926.
وتابع الحديث عن هذه الرسالة (الوثيقة) بأنها تكشف عن وجود حزبين (مجموعتين في البحرين حينها) منوها إلى ان البريطانيين دعموا وجود الشيخ حمد بن عيسى حاكما للبحرين بدلا من عبدالله بن عيسى، وبالمناسبة هما أخوان، ويعود المتحدث إلى الحديث عن الصدام بين المجموعتين (النجود والفرس)، وحصول قتلى، حينها حضر الملك عبدالعزيز بن سعود إلى المنطقة الشرقية، ولم يستبعد نية التحرك للسيطرة على البحرين خوفا من سيطرة إيران عليها.
وبالمقابل، تحركت إيران (فارس) باسم حماية رعاياها، فكان لا بد من التهدئة حتى لا تنشب حرب أهلية تأكل الأخضر واليابس في هذا البلد الصغير، وكرر المنتدي مقولة (كلما حصلت مواجهة بين القوتين الكبيرتين في الخليج، البحرين تدفع الثمن)، وعليه نرى وجود رسالة في عام 1928 تدور حول تدخل بريطانيا حينها لتهدئة الأمور، مشيرا إلى انه لو تدخلت إيران مذهبيا في البحرين، لحصلت أمور لا يحمد عواقبها.
وفي تفصيل آخر، يذكر ان (عبد الله القصيبي) عيّن وكيلا للسعودية وحصل صدام آخر مع (محمد شريف بهاور) معاون البلدية وممثل للشرطة وللجالية الفارسية، وحاول أناس الاستفادة من هذا الحدث في التأجيج الطائفي لكن حكمة الشيخ عيسى بن علي كانت أكبر من المشكلة الطارئة، فمرّت بسلام، وعادت الأمور بعدها إلى الشكل الطبيعي، ونجد في هذا الخصوص رسالة من (الديلي) يعتذر فيها إلى الشيخ عيسى بن علي، يقول فيها: «ان ما قام به من تهدئة وسيطرة ليست لديلي بقدر انها لصالح الشيخ عيسى ذاته» مع علمنا ان البريطانيين كمستعمرين أو كحماة يهمهم مصلحتهم بالدرجة الاولى.
من أبوشهر إلى البحرين
بعدها، نجد في وثيقة أخرى قيام رضا خان (ملك فارس) بإلغاء الاتفاقيات المبرمة بين إيران وبريطانيا، واحضر خبراء ألمانا وروسا، وطالب بخروج البريطانيين ومؤسساتهم، فحوّلت هذه المؤسسات إلى البحرين، ومنها: الأسطول البحري والجوي البريطاني عام 1923 ونقلوا السلطة بالكامل في عام 1927، إلى مبنى «صحيفة الأيام» القريب من مبنى الجمعية في الجفير.
ثم انتقل الدكتور عيسى إلى وثيقة تكشف عن قيام (الحاج عبدالرحمن الزياني) بكتابة رسالة إلى (المحامي محمد علي جناح) في الهند ليرفعها امام محاكم بومبي للدفاع عن الشيخ عيسى بن علي، وقد وافق على ذلك، فيما تحدثت وثيقة اخرى عن تحديد 300 روبية في الشهر للشيخ الحاكم في تلك اللحظة رفضها الحاكم، بينما تكشف وثائق اخرى عن اهتمام الانجليز بدقة المصاريف، منها على سبيل المثال: رسالة إلى علي خنجي الوكيل التجاري للشيخ تطلب منه إيضاح كم مصروفات القصر (الديوان).
ويسترسل في عرض مزيد من الوثائق البريطانية التي تكشف حقائق موغلة، لا يعرفها إلا المتابعون من أبناء هذا البلد الطيب، فيقول: هذه رسالة (إعلان موقع من بلجريف) تعكس خلاف قلّة الانفاق، بل على العكس تدعو إلى البذخ في الصرف على الاحتفال بعيد جلوس الشيخ عيسى بن علي، حثّ فيها على الاحتفال ببهجة وصرف كبير على هذا الحفل، وهناك رسالة بالمقابل من الشيخ عيسى تشكره على هذا الاهتمام وانه الحاكم القادم للبلاد.
وفي وثيقة صادرة في سنة 1919، نجد رسالة بها صرف 9600 روبية دعما من البحرين للجهود الحربية لبريطانيا خلال الحرب العالمية الثانية، تليها وثيقة توضح تولي الشيخ حمد ولاية العهد في عام 1925، وفي عام 1936 يقوم الشيخ حمد بزيارة للعراق، وأقاموا له مأدبة ملكية، وسكن في فندق «مود» ثم أخذوه في جولة إلى سوريا ولبنان ثم إلى إيطاليا وفرنسا ومنها إلى بريطانيا، اطلع فيها على تجارب هذه الدول في الحكم والإدارة.
احتفال عيد الجلوس
ثم يعرض المتحدث رسالة من الشيخ حمد يشكر فيها المقيم البريطاني على تقديمه 10 أكياس أرز وزعت في احتفال عيد جلوسه، كما أقيم احتفال كبير لما عاد الشيخ حمد من سفرته الطويلة، حيث أقيم الاحتفال في دائرة البلدية، وألقى فيها الخطيب الشيخ محمد صالح قصيدة، جاء فيها: «أرأيت أيها العظيم المحبوب لندن وما فيها من المصانع والمدارس والتطور الذي شاهدته هناك، نريده هنا».
وفي يوليو 1925، هناك رسالة جاء فيها ترجمة ما جاء في هذا الخطاب على أرض الواقع.. وفي وثيقة لاحقة يماط اللثام عن قصائد ألقيت من قبل «حيدر خلفان» في أول احتفال ببلدية المنامة وذلك في عام 1919، وعين فيها الشيخ عيسى بن علي رئيسا، وتذكر الوثيقة أن تجاوزات (مالية) قد حصلت في البلدية، وعليه قرر تغيير بعض الوجوه، واسند الى البلدية مهام أخرى مثل العمل على ترتيب أوضاع سوق المنامة في الصباح وحراستها في المساء.
تلاها، كما تذكر الوثائق البريطانية عن تاريخ البحرين التي استعرضها رئيس جمعية التاريخ البحرينية في مبنى الجمعية بالجفير مساء امس الأول، أن اول مظاهرة حصلت أثناء حصول أول اجتماع للبلدية، قاطع المتظاهرون فيها الاجتماع ورفعوا رسائل بعدم رغبتهم في وجود البلدية وكان حينها الشيخ حمد وليا للعهد والشيخ عبدالله معاونا له.
6200 روبية
فيما تشير بعض الوثائق إلى دقة التدوين لدى البريطانيين منها على سبيل المثال: أن الشيخ الحاكم حينها احتاج الى مبلغ من المال أثُناء احدى زياراته لنجد، فدفع له المعتمد البريطاني في جدة (6200 روبية)، ولما عاد طلب منه أن يدفعها، بالإضافة إلى نصح الحاكم بالاهتمام بصحته ولا سيما ان (الشيخ عيسى بن علي) كان مصابا بمرض «السكري»، وعليه ان يأخذ «الأنسولين» كل يوم، ويبدو ان الانسولين وجد في البحرين منذ ذلك الوقت و«السكري» موغل في الوجود في هذا البلد أي قبل هذا التاريخ.