قضايا و آراء
ظاهرة حمدين صبّاحي
تاريخ النشر : السبت ٢٦ مايو ٢٠١٢
بين المرشحين إلى الرئاسة المصرية عدد من الشخصيات التي نقدّر كفاءتها وإخلاصها وعطاءها الوطني ومواقفها المشهودة خلال ثورة 25 يناير وقبلها وبعدها، لكن سأسعى في هذه العجالة إلى أن أتوقف أمام ظاهرة اسمها حمدين صباحي.
قد لا تحمل صناديق الاقتراع حمدين صباحي إلى رئاسة مصر، لأسباب لا مجال للدخول فيها، لكن صباحي نجح بالتأكيد في التحوّل إلى مرشّح جدي سيحتل موقعاً متقدماً بين المرشحين.
إن مثل هذا التقدم السريع الذي حققه حمدين صباحي، رغم ضآلة الإمكانيات، ورغم وجود شخصيات تتمتع بمواصفات مماثلة إلى حدّ كبير لمواصفاته، يستحق منا أن نشير إلى أمور تطرحها هذه الظاهرة.
أول هذه الأمور أن التيار القومي العربي الوحدوي، الذي تعتبر الحركة الناصرية أحد أبرز وأضخم روافده، مازال، رغم كل ما عصفت به من أزمات، حيّا قادرا على التجدد والالتحام بكل مشروع ثوري أصيل في المنطقة.
إن التقدّم الذي يحرزه حمدين صباحي في سباق الرئاسة المصرية يجيب بوضوح عن أسئلة المشككين أو المحبطين: أين هو التيار القومي العربي؟ أين هو التيار الناصري؟
ثاني هذه الأمور نجح حمدين صباحي في استقطاب نخبة واسعة من أبرز مثقفي مصر وإعلامييها وفنانيها وشبابها، وهو أمر لم يتحقق لآخرين، بما يؤكد أن هذا المرشح القومي الناصري الجذور، الثوري الفكر والممارسة، قد حاز ثقة العديد من النخب المصرية وشباب الثورة الذين تمنحه ائتلافاتهم تأييدها له الواحد تلو الآخر.
الأمر الثالث ان حمدين صباحي لم يكتف بالشعارات أو «بالخطاب الخشبي» - كما يحب خصوم التيار القومي العربي أن يسمّوه - بل أطلق برنامجاً متكاملاً على كل الصعد السياسية والاجتماعية والاقتصادية والمالية والثقافية والتربوية، أطلق عليه برنامج «نهضة مصر» مشدداً على الاقتداء بالنموذج البرازيلي الذي قاده الرئيس السابق لولا دي سيلفا فنقل بلاده من بلد غارق في الديون إلى الاقتصاد الثامن في العالم.
الأمر الرابع أن حمدين صباحي، كما هو معروف للمصريين كما لأصدقائه العرب، دخل السباق الرئاسي بالقليل القليل من الإمكانيات والوسائل، واعتمد في حملته على التبرعات المحدودة من أبناء شعبه، كما على خطاب يحاكي المزاج المصري المتنوع في مكوناته، المعتز بتراثه، ومع ذلك فقد بات ظاهرة تكبر ككرة الثلج بدءاً من مسقط رأسه في كفر الشيخ إلى كل محافظات مصر التي يتذكر أبناؤها شابا حمله طلاب جامعة القاهرة إلى رئاستها في السبعينيات، فحمل همومهم إلى مواجهة «جريئة» ومتلفزة مع رئيس الجمهورية آنذاك أنور السادات.
إن حديثنا اليوم عن حمدين صباحي لا يقلل أبداً من تقديرنا لمرشحين آخرين شهدناهم، كما شهدنا لهم، في مواقف عديدة، وفي مبادرات شجاعة، وجمعتنا بهم مؤتمرات ومنتديات ومبادرات لكسر الحصار ولدعم القدس والمقاومة والأسرى وردع العدوان، وهو بالتأكيد ليس تدخلاً في انتخابات، هي بالتأكيد شأن مصري داخلي، رغم أن كل عربي يتطلع إليها لأهمية مصر في حياة الأمة كلها بل في قيادتها أيضاً.