الجريدة اليومية الأولى في البحرين


قضايا و آراء


هل تمهد الاتحادات البينية للأقاليم للاتحاد العربي الكبير؟ (2)

تاريخ النشر : السبت ٢٦ مايو ٢٠١٢



ان ما تسعى إليه تلك الأجندات من تصوير ان النظم السياسية في الخليج لديها توجه لإقصاء شريحة من مجتمعاتها هو أمر أخرق، فليس من المنطق ان يسعى أي نظام سياسي إلى إنشاء بؤر متوترة له ضمن دائرته، وهذه من ابسط أبجديات العمل السياسي وخصوصا مع وجود الوفرة المالية وطبيعة تكوينات الحكم التي يشغلها الامتداد في الحكم، لكن كون تلك الدولة الجارة جندت ما جندت من الأفكار والأجندة لتخريب فكر ذلك الطيف وثقافته العربية وابعاده عن محيطه فهذه قضية أخرى تضع صناع أي قرار سياسي في حالة تحرز من عدم تمكين الافراد المخترقين في مفاصل الدولة كافة، وهذا الأمر يأتي بسبب المسبب وهو نتيجة وليس حاجة لنظم الحكم إلى تبني مثل ذلك النهج لأنه ولأبسط التقديرات لا يخدم استقرار منظومات الحكم وهو العامل الذي تلعب الأجندات الخارجية على وتر بقاء مسبباته لتبقى نتائجه ممتدة ومرتبطة بأسبابه وهو ما يفرز بتجدده معطى الدونية مما يتسبب بعدم التقارب ومن ثم عدم الاستقرار وهو تماماً ما تنشده الغايات السياسية الإيرانية والغربية، وهذا لا يعني اننا لا نقر ببعض الأخطاء في سياسة النظم لكن تلك الأخطاء في تقديرنا وبالمنطق العقلي هي ليست أصيلة في نهج سياسات الحكم فهي وكما تقدم عارضة وناتجة بنتاج مسبباتها.
ثانيا: من الواضح ان نظم الحكم في المنطقة الخليجية قد حققت فعلاً مستوى من الرفاه والتنمية لشعوبها وهي مطالبة في ظل تلك التحولات الدولية بشيء أكبر من نصيب إشراك شعوبها في القرار والثروة، والكل متفق على ذلك، وفي ضوء ما تقدم فقد برزت في السنين الأخيرة مؤشرات كثيرة على ارض الواقع تؤكد جُنوح نظم الحكم والقيادات السياسية في المنطقة لمثل تلك التوجهات وان كانت خجولا ومتفاوتة من قطر إلى آخر، ولكن نظم الحكم هنا أيضا ترى ان من حقها على تكتلات الشارع الشعبي ان توفر لها الأرضية الآمنة والحاضنة التي تُساعدها على التحول نحو بناء الدولة المؤسسية الحديثة المساهمة في إدارة السلطة والثروة وذلك مع مُتطلب تطمينها بحفظ امتياز القيادة العليا فيها وهذا الأمر في جوهره بدهي، كما انه يحفظ للشعوب استقرارها وعدم التشتت القيادي لمستقبلها.
ان الأطماع الخارجية التي تسعى إلى جعل الأوطان العربية تسبح في فراغ وتشرذم بعد النجاح في إضعاف مركزية القرار فيها ليست خافية، فمن خلال سعي الأجندة الغربية وللأسف الاقليمية إلى تغليب وإيصال تيارات الإسلام السياسي إلى مواقع الحكم والقرار صار واضحاً ان ذلك الدفع سيُحقق تفكك الأمة بشكل اكبر في تكويناتها الاجتماعية، فتلك التيارات هي بطبيعتها مُقسمة للمجتمعات، وفي هذه المرحلة من الواقع الخليجي فإن تلك التيارات مشغولة بإقصاء بعضها بعضا من أجل حسابات فئوية ضيقة على حساب المصلحة الوطنية العليا، وهذا الأمر راجع في بعض دول الخليج بأحد أسبابه إلى طبيعة التركيبة الاجتماعية التي طالها الكثير من التهجين، فالبعض من تيارات الإسلام السياسي في هذه المرحلة يشُوب سلوكه مغازلة نُظم الحكم للاستقواء بها مرحليا ومن ثم الانقضاض عليها في أي فرصة سانحة، الا ان نُظم الحكم بخبرتها متيقظة لذلك السلوك الذي ترصد جيداً ان تلك التيارات تدفع به كحاجة لتطلعاتها إلى فرز الطرف الآخر للتفرد بالامتيازات مرحليا، وبحكم تداخل تركيبات المشهد وأسراره فإن هذا النوع من تيارات الإسلام السياسي تجد فرصة سانحة لتحميل صورة ذلك الدفع الفارز امام الرأي العام على رافعة النظم ومسئوليتها عن ذلك الفرز وهو أمر مفضوح لدى العقلاء والمُتخصصين في فهم فنون الأساليب السياسية، كما ان تلك التصرفات من قبل تيار الإسلام السياسي هي في جوهرها لا تخدم دفع النظم نحو الاستقرار.
اما الطرف الآخر من تيارات الاسلام السياسي فهو مشغول بقولبة الطائفة المُتبعة له بقالب ثقافي سرطاني مؤدلج بطبيعة جلد الذات يجعل من المشاعر الجمعية تستأنس في حالة اللاوعي بشعور المظلومية المفتعلة بحيث لا تتعاطى مع أي مشاريع ثقافية أخرى تُحاول إخراجها من تلك الدائرة المُحجمة لطاقاتها، ومن ذلك ينتج الشعور العام بالنفور والريبة من كل خطوات النُظم الحاكمة لها، وان كانت هادفة للرفع من مستواها المعيشي والاجتماعي، وهذا الطرف الآخر من تيارات الإسلام السياسي هو في واقع الحال يتماشى مع موجة مشاريع متصارعة على المنطقة، وهي اكبر من حجم المنطقة ومن حجمها بكثير وهي لا تعمل بواقعية لمصلحة ورفاه جماهيرها وانما تعمل اما بدراية وإما بغير دراية كافية لصالح مشروع كبير أدخلت فيه المنطقة الخليجية،وفي تقديرنا انها ستسبب نكبة بعيدة المدى على مستقبل أجيالها القادمة اذا تحقق للأجندة الخارجية ما تصبو اليه.
ومع تصاعد الأوضاع وما تفرضه من وجوب قيام الاتحاد الخليجي المشترك الذي من المُعوّل عليه ان يكون مسؤولاً إلى ابعد الحدود عن تحمل مسؤولياته تجاه أطياف ومكونات شعوبه الخليجية كافة، فإن ذلك الاتحاد بكل تأكيد لن يكون موجّها ضد احد من الطوائف لأن مثل ذلك التوجه لا يخدم الاستقرار، وهو أصلا ليس من ثقافة بيوت الحكم الموروثة بتعاقب أجيالها، كما ان مثل ذلك الدفع لو حصل فانه لا يخدمها في بناء اوطانها.
ان الأوضاع العالمية اليوم تفرض على منظومات الحكم التقارب أكثر نحو شعوبها، وان تسعى إلى تنميتها وازدهارها ما أمكن ولا أفضل من فرصة مُتاحة لنيل ذلك من تحقيق الاتحاد الخليجي المُوحد للقواسم البينية، فتوحيد الاقتصاد والدفاع والأمن والتنقل ودمج العملة والطاقة وغيرهما هما خيار استراتيجي لشعوب المنطقة سواء كانت هناك أزمات ام لم تكن، وفي تقديرنا ان النُظم في مثل هذه الظروف العالمية هي أكثر مقدرة ومصداقية في قيادة التحولات في المنطقة إلى بر الأمان من تيارات الإسلام السياسي تلك المفزعة والمقسمة بطبيعتها لتركيبات المجتمعات.
ونحن كنا قد نظرنا منذ سنين لهذه التحولات السياسية وما ستُلقي به من ارهاصات لضرب البنى الاجتماعية للأمة العربية ومن ضمنها طبعاً منطقة الخليج الغنية بالثروة وتشهد لنا كتاباتنا السابقة في ذلك، وهاهي المنطقة تُدفع إلى ما اشرنا إليه من محاولات للأجندة الخارجية بدفع المنطقة إلى ما قد حذرنا منه.
كما اشرنا إلى ضرورة تقارب النظم مع شعوبها ووجوب احتضان الشعوب للنظم لتلافي ذلك التسونامي الخطر والموجه لضرب المجتمعات العربية، ونحن لا نكتب ما نكتب الا بدافع الحرص وإبراء الذمة رغم تعرّضنا للكثير من الضغوط والعزل سواء على صعيد أجواء العمل او على صعيد الحياة الاجتماعية وذلك بسبب ما نتبناه من مواقف وأفكار ناقدة ورافضة لجميع انواع الاصطفافات الاجتماعية ليس على مستوى الوطن وانما على امتداد الوطن العربي الكبير.