الجريدة اليومية الأولى في البحرين


التحقيقات


التحرش الجنسي في مواقع العمل.. معاناة المرأة العصرية

تاريخ النشر : السبت ٢٦ مايو ٢٠١٢



في هذا الزمان باتت المرأة موجودة في كل مكان، لتتعامل وبشكل مباشر مع الرجل، وتربطها معه اليوم علاقة زمالة وصداقة وأخوة بحكم الوقت الذي تقضيه معه، مما يجعلها أكثر عرضة للتحرش الجنسي من قبل بعض أصحاب النفوس الضعيفة، الذي تتنوع أسالبيه ومظاهره بين التحرش اللفظي من إطلاق النكات والتعليقات المشينة، والتلميحات، وفي بعض الأحيان يصل «إلى درجة الإلحاح في طلب لقاء، وطرح أسئلة جنسية، ونظرات موحية إلخ، بل وصل الأمر لدى البعض إلى التلامس المباشر مما قد يتسبب للمرأة في معاناة نفسية شديدة، وذلك لعدم قدرتها على البوح بما تتعرض له خوفا من نظرة المجتمع والمحيطين بها».
البعض يلقي باللوم على المرأة للمساهمة في تفشي هذه الظاهرة، حيث ان هناك الكثير من النساء ومن مختلف الأعمار يتعرضن لمثل هذه التصرفات ولكنهن يصمتن خوفا على سمعتهن أو على عملهن وخاصة أن مثل هذه الحالات يصعب إثباتها قضائيا.
وبالعودة إلى كل ما تواجهه المرأة من أساليب مختلفة للتحرش في أنحاء العالم كافة نجد أنها تتعرض لمثل هذا السلوك بغض النظر عن المستوى الوظيفي أو التعليمي للرجل الذي يرتكب هذا الفعل لغرض ما في نفسه، هذه الظاهرة بدأت تنتشر في المجتمعات الغربية والعربية في الفترة الاخيرة بشكل واضح وخطر، مما دفع الدول إلى الاهتمام بها بشكل كبير ولافت، حيث تم إنشاء المنظمات المتخصصة بشؤون المرأة وسنت القوانين لحمايتها من المشاكل كافة التي تواجهها.
ونظرا لحساسية الموضوع والخوف من الفضيحة وتلويث السمعة أو الحرص على العمل فإن الاحصائيات التي تعبر عن مدى انتشار الظاهرة في مجتمعنا لاتزال مفقودة لذلك تبقى هذه القضية بعيدة عن المعرفة الكاملة بحجمها.
في السطور التالية نقرأ معا معاناة المرأة من التحرش في مواقع العمل في بعض الدول التي قام بعض مواقع الانترنت بنشر دراسات صادرة حول تلك الظاهرة:
وزارة الدفاع الأمريكية: 78% من النساء تعرضن للتحرش الجنسي من زملائهن.
وزارة التعليم الأمريكية: 4,5 ملايين يتحرش بهن جنسيا في المدارس بأمريكا.
في أمريكا: 70% من الممرضات يتعرضن للتحرش الجنسي من زملاء العمل ومن المرضى.
في العراق: 74% من العاملات يتحرش بهن.
في الكويت: 40% من الموظفات تعرضن للتحرش الجنسي.
في تركيا: 75% من الممرضات يتعرضن للتحرش الجنسي من الأطباء والمرضى وأقرباء المرضى وغيرهم.
في تايوان: 57% من الممرضات يتعرضن للتحرش الجنسي.
في باكستان : 70% من العاملات يتعرضن للتحرش.
حكايات من المجتمع
وبالعودة إلى المجتمع البحريني فإن هذه النسب لم تسجل كرقم إلا أن «أخبار الخليج» تمكنت من تسجيل بعض القصص.
- هي فتاة تعشق الحرية والانفتاح من دون الخروج من تحت عباءة العادات والتقاليد، فهذا الأمر جعلها تتعامل مع الجميع بنية صافية ولكن مع مرور الوقت بدأت تتعرض لنوع من التحرش اللفظي من خلال التغزل بجمالها وأناقتها، ولا تنكر أنها كانت تستسلم لتلك الإطراءات على اعتبار أن هذا الأمر دائم الحدوث للمرأة الجميلة، ولكن مع مرور الوقت بدأ أحد زملائها بالتودد إليها على أمل الارتباط معها بعلاقة غرامية ولكنها تمكنت من صده في الوقت المناسب.
- كان هذا المدير يهتم كثيرا بالمرأة الجميلة بشكل عام وقد يميزها عن غيرها من زميلاتها فيما لو تجاوبت معه مما دفع إحداهن لاستغلال هذا الأمر لمصلحتها الشخصية حتى حصلت على مبتغاها من ترقيات وزيادات وحوافز بالإضافة إلى الراحة في العمل، وهذا الأمر أصاب إحدى زميلاتها بالغيرة فقامت بمنافستها على رضا هذا المدير من خلال الملابس والمكياج وبالفعل كان لها ما تريد وبالتالي باتت هناك حرب حقيقية في العمل وكان هذا المدير فرحا جدا لأنه جعل الفتيات الصغيرات يتهافتن عليه.
التحرش بالرجل: بدأت قصة هذا الشخص في مجال عمله حيث كان كثيرا ما يروي تفاصيل حياته اليومية العائلية ومدى اهتمامه بعائلته لزميلات المكتب لدرجة أن إحدى الزميلات أصيبت بالغيرة الجنونية من زوجة هذا الشخص، فبدأت بالتقرب إليه وإلى زوجته ووطدت هذه العلاقة بينها وبين الأسرة وحاولت التقرب إلى الزوج بصفتها زميلة عمل وصديقة للأسرة، وكان هذا التقرب يعني الزوج بالتحديد، حاولت هذه الزميلة التحرش بالزوج بطريقة غير مباشرة عن طريق إرسال الرسائل الغرامية وتكثيف المكالمات الهاتفية بالإضافة إلى بعض الصور التي تعرض بها مفاتنها لإغرائه، وما كان منه إلا الرفض القاطع لهذه الإغراءات بحكم أنه كان يعتبرها أختا له وصديقة لزوجته، وبعد عدة محاولات يائسة منها لاستدراجه تبدل الحال وأصبحت تهدده بتحطيم العلاقة بينه وبين زوجته عن طريق اتهامه بالتحرش بها جنسيا وتوصيل هذه الكذبة إلى زوجته فلما أصر على موقفه أخذت بترويج الكذبة بمحيط عائلته وكادت هذه الكذبة ان تحطم مصير أسرة كاملة لولا لطف الله وعنايته بإظهار الحق للزوجة.
للمجتمع رأي
بعد قراءة واقع المجتمع البحريني «أخبار الخليج» سجلت هذه اللقاءات مع أفراد المجتمع وقامت بمناقشة أسباب هذه القضية معهم بهدف الوصول إلى بعض الحلول للتخفيف من آثارها المستقبلية على المجتمع.
الاختصاصية النفسية هدى المحمود تؤكد أن هذه الظاهرة لطالما كانت موجودة في المجتمعات كافة ولكن مع تغير المفاهيم باتت المرأة على دراية تامة بكل حقوقها بالإضافة إلى وجود القوانين المساندة لها وعلى الجانب الآخر نجد ان الوعي الشعبي وارتفاع عدد المنظمات الخاصة بالمرأة قد لعبا دورا كبيرا في مساعدتها على مواجهة هذه التصرفات المزعجة، ففي السابق كان المجتمع في أغلب الأحيان يدينها ويشير إليها بأصابع الاتهام على انها المتسبب الأول لهذا التحرش حتى لو كانت مجنيا عليها وذلك نظرا لقصور الوعي والنظرة الدونية للمرأة.
ومع التطور والانفتاح اللذين تنشدهما البلدان كافة بشكل عام والبحرين بشكل خاص بات المجتمع لا يقبل بمثل هذه التصرفات التي يقوم البعض بارتكابها بل يعمل على مواجهتها بكل حزم، خصوصا أن المرأة باتت أكثر عرضة لمثل هذه التصرفات نظرا لوجودها مع الرجل في المجالات كافة لذلك يجب عليها أن تكون أكثر وعيا بهذه المسألة.
ولكن في ذات الوقت لا يمكننا الجزم بأن النساء كافة سيبحن بما يتعرضن له من تحرش في مواقع العمل وذلك خوفا من العار ونظرة المجتمع السلبية لمثل تلك التصرفات خصوصا أنه مازالت هناك فئة من المجتمع تشير بأصابع الاتهام للمرأة عند تعرضها للتحرش الجنسي حتى من دون سؤالها في الموضوع، وهذه الأفعال بشكل عام تؤثر في نفسية الفتاة وتجعلها في حالة خوف دائم وترقب من كل مما قد تتعرض لها من قبل رجال المجتمع مما قد يسهم في إصابتها بعقدة نفسية.
استغلال الرغبات
ويعتقد المحامي حمد الحربي أن المادة تلعب دورا كبيرا في بعض قضايا التحرش الجنسي لأن المرأة ترغب في المال ولديها رغبة كبيرة في اقتناء الأشياء كافة التي تزيد من جمالها وتساعدها على الاستمتاع أكثر في الحياة وبالتالي فإن هذا الأمر يقوم الرجل باستغلاله بالطرق كافة، وهناك بعض النساء يبادرن إلى قبول مثل هذه التصرفات للوصول إلى مبتغاهن فيما ترفضها الكثيرات من مبدأ الدين والعادات والتقاليد.
وعلى الرغم من أن حالات التحرش لا يوجد لها نص قانوني خاص بها فإن العقاب يندرج تحت قانون العقوبات الجنائية (التعدي على جسم الغير) حيث يختلف العقاب وفقا لدرجة التحرش فهناك نوعان هما التحرش بالمرأة برضاها أو بغير رضاها.
الجدير بالذكر أن هناك الكثير من القضايا التي وردت إلى أروقة المحاكم ولكن لا يوجد هناك ما يثبت حدوث هذا الأمر، وعلى الجانب الآخر نجد ان عامل الفضيحة يلعب دورا كبيرا في قلة البوح من قبل المرأة بما تعرضت له.
ضعف الإيمان
الشيخ إبراهيم مطر يؤكد أن السبب الرئيسي لحدوث مثل هذه الأفعال المشينة هو ضعف الإيمان وقلة الوازع الديني، لأن كلما بعد الإنسان عن دينه حلت محله وساوس الشيطان، وهذا الأمر ليس مرتبطا بالعصر الحديث بل هو موجود منذ زمن بعيد ففي عصر الرسول صل الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ان فتى شابا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله: أتأذن لي بالزنى؟ فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا مه مه، فقال: ادن، فدنا منه قريبا. قال: فجلس، قال أتحبه لأمك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم. قال أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم. قال: أتحبه لأختك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لاخواتهم. قال: أتحبه لعمتك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم. قال: أتحبه لخالتك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم. قال: فوضع يده عليه، وقال: اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصن فرجه. فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء (وسنده صحيح).
ولا يمكن أن يتم استثناء المرأة كونها طرفا في هذه القضية خصوصا أن البعض منهن يتمادين في إظهار مفاتنهن وزينتهن وهذا الأمر يسهم في تحريك رغبات الرجل، لذلك يجب على الأسر أن تقوم بمتابعة بناتها وأولادها من خلال التنشئة الصالحة وتسليحهم بالإيمان والخوف من الله عز وجل وتوعيتهم أكثر بمخاطر هذه التصرفات، حتى نحصل على مجتمع خال من الأضغان والخبائث.
التنشئة الأسرية
يوسف مبارك (موظف) يعتقد أن الملوم الأول في مثل هذه الأمور الأسرة التي لم تكن تنشئة أبنائها قوية في هذا الجانب وتوعيتهم منذ الصغر أن هذه التصرفات تعتبر من الكبائر وتتعارض مع ديننا الإسلامي، وبالتالي فإن هذا الأمر يجعلهم يشعرون بأن هذا الأمر عادي جدا وطبيعي نتيجة الانفتاح والاختلاط، وعلى الجانب الآخر نجد ان ضعف القوانين المتعلقة بهذا الشأن تلعب دورا كبيرا في جعل ضعفاء النفوس يقومون باستغلال الوضع بجميع الطرائق الممكنة.
كلا الطرفين
ويقول يعقوب الياسي (موظف)ئنلاحظ في زمننا هذا مرضا خطيرا تفشى في مجتمعنا ألا وهو (التحرش الجنسي) فعندما يطرح هذا السؤال على الناس نجد تفكيرهم ينصب على فئة الذكور مباشرة معتبرين أن فئة الإناث هي الفئة المظلومة فقط، فمن باب التوضيح أن هذا المرض لا يقتصر على طرف من دون الآخر فكل الأطراف تشتكي منه، ولا ينتمي هذا المرض إلى فئة الذكور فقط ولكن في الآونة الأخيرة بدأت فئة الإناث بالتحرش الجنسي أيضاً، ولا أعتقد يجب أن تكون الطريقة مباشرة فهناك طرائق كثيرة غير مباشرة، كما ان من سلبيات هذا المرض الذي بدأ يفتك بالناس تفكك الأسر وازدياد القضايا الأسرية بالمحاكم ناهيك عن القضايا الجنائية والتشهير بين الناس.
وبالفعل هناك مشاكل تحرش جنسي كثيرة نسمع أو نعلم أو نعيشها بين الحين والآخر وخصوصاً في المجالات المختلطة على الصعيد الاجتماعي، العملي، الأسري مع تنوع تصنيف التحرش الجنسي الذي عادة ما يكون من أقرب الناس إليك وأكثرهم علماً بتفاصيل حياتك اليومية.
لذا نقترح كحل من الحلول التي يجب العمل بها هو سن قانون صارم على الفئتين ليكون سدا منيعا لمثل هذه الآفة التي تنخر عاداتنا وتقاليدنا وأن العقوبة فيها شديدة ورادعة لمن تسول له نفسه العبث بمشاعر وأعراض الآخرين بغض النظر إلى أي الفئتين ينتمي، وهذا واقع نعيشه ويجب علينا التصدي لمثل هذه الأمراض الدخيلة على مجتمعاتنا الإسلامية والعربية.
أسيرة الخوف
وتعتقد ابتسام حسن (موظفة) أن تصرفات المرأة وطريقة لبسها هي التي تفتح المجال أمام الرجل ليتقرب إليها وفقا لأغراضه الشخصية، ففي مجال العمل يتم استغلال المرأة من قبل بعض المديرين من خلال السيطرة عليها في الكثير من الجوانب المادية واستغلال حاجتها وإن رفضت فإنها ستحرم من الكثير من الأمور والترقيات والحوافز، مما يولد بداخلها شعورا بالإحباط واليأس خصوصا أن هذه الأمور قد يصعب البوح بها فتكون أسيرة الخوف.
ويرى سيد جلال إبراهيم صالح (فنان) أن هناك سببين رئيسيين للتحرش الجنسي بأشكاله كافة وهما ضعف الوازع الديني وانفتاح المرأة وطريقة تعاطيها مع الرجل، ففي بعض الأحيان تتصرف بتلقائية ولكن الرجل قد يقوم بترجمة هذه التصرفات بشكل خاطئ وتتحرك بداخله النظرة السلبية، ولا يمكن أن نغفل عامل الانفتاح والتعامل غير الطبيعي بين الزملاء من خلال الحوار والكلمات التي يتم تداولها فيما بينهم مما يظهر للمراجعين من خارج المؤسسة أن الحدود بين الموظفين والموظفات غير موجودة.
نقاط الضعف
وتعلق زاهدة محمد بالقول كثيرا ما يستغل الرجل نقاط ضعف المرأة وخصوصا المطلقة والأرملة فيكون التحرش بها في البداية لفظيا من خلال إطلاق النكات البذيئة والكلمات النابية لقياس درجة استجابة الموظفة لها وعلى أساسها يتم تحديد أسلوب التعامل معها، فهناك بعض النساء يستجبن والبعض الآخر لا يتفاعل مما يولد نوعا من المشاكل والحساسيات بين الموظفين وخصوصا المرأة التي تشعر بالخوف المستمر من وجودها معهم في مكان واحد.